23 ديسمبر، 2024 11:54 ص

لمن تهمه الحقيقة ، ملابسات “خطة تهديم التعليم العالي” – تعليقا على ما ذكره فواز الفواز

لمن تهمه الحقيقة ، ملابسات “خطة تهديم التعليم العالي” – تعليقا على ما ذكره فواز الفواز

مع احترامنا لما يكتبه السيد فواز، وللموضوعات التي يختار الكتابة فيها، إلا إنني أختلف معه في طريقة معالجته لتلك الموضوعات وأسلوبه في تحليلها ومناقشتها .. هناك ثابت طائفي وإيراني لا يتزحزح في جميع المعادلات التي يرسهما الفواز .. كل شيء يُفسَّر طائفيا .. وكل شيء يُرجِعه للعامل الإيراني .. وهو نمط مريح من الكتابة؛ إذ طالما اتكشفت علة العلل التي تقف خلف الظواهر والحوادث، فإن تفسير هذه الأخيرة يبقى أمر سهلا ويسيرا!! الجميل أن هذا الأسلوب ذاته هو ما تتبعه الجهة التي ينتقدها السيد الفواز؛ أعني الحكومة العراقية. فالحكومة لها ثابتها أيضا، وهو (“فلول” الإرهابيين من القاعدة والبعثيين، و”التدخل” الإقليمي (في إشارة للسعودية وتركيا) .. وهكذا فكل إخفاق وفشل وفساد وتعثر في أداء الحكومة سببه العامل المذكور!!
يهمني أن يعلم الجميع أن ما ذكره السيد فواز بشأن شهادات المتخرجين من “دكاكين الضلالة” على حد نبزه، وصورة الكتاب الوزاري الذي ذيل مقالته به، وتفسيره للأمر بأنه (خطة لتهديم التعليم العالي يقودها الأديب بالتعاون مع إيران)، مما لا صحته له إطلاقا .. وهو محض كذب وافتراء. لا أتهم السيد فواز باختلاقه، بل أقول إنه انطلى عليه ولم يفهمه على حقيقته.
المسألة ياأخ فواز أن أبناء بلدك النازحين من جور النظام البعثي (وليسوا “المسفَّرين” من قبله)، من الساكنين في مخيمات البؤس والحرمان (الأسوء حالا من مخيمات اللاجئين السوريين اليوم) انهوا دراستهم المتوسطة والإعدادية في تلك المخيمات، وحيث لم يجدوا أمامهم فرصة لإكمال دراستهم الجامعية في الجامعات الإيرانية ذات التخصصات العلمية والإنسانية؛ إذ لم يكن مسموحا بذلك لغير الإيرانيين، اتجهوا صوب المعاهد والجامعات الدينية التي سمحت لهم بالالتحاق بصفوفها، فدرسوا آداب اللغة العربية، والفقه وأصوله، والتفسير وعلوم القرآن، وعلم الحديث والرجال والدراية، والمنطق والفلسفة وعلم الكلام، وتاريخ الفرق والأديان .. وتميز الكثير منهم بالنبوغ والتفوق والألمعية، وكتبوا الرسائل والأطاريح، وبعضهم صار من الكتاب والمؤلفين المحترفين، والبعض الآخر من الأساتذة المرموقين .. ولكن المشكلة التي وقعوا فيها كانت بعد مطالبتهم باستلام وتصديق شهاداتهم من وزارة التعليم العالي الإيرانية؛ إذ رفضت هذه الأخيرة تصديق شهاداتهم إلا بعد تصديق شهاداتهم الإعدادية والمتوسطة من قبل وزارة التربية الإيرانية!! وحين قيل لهم بأن هؤلاء لاجئين أجانب وأنهم أنهوا دراستهم في المخيمات، وافقوا على التصديق، ولكن بشرط!! وهو أن يعيد هؤلاء الخرِّيجون امتحانهم للإعدادية من جديد (وباللغة الفارسية!!). وقبل الناس الأمر على مضض، واستبشروا خيرا، وقالوا: حلت مشكلتنا إن شاء الله. بالرغم أن الكثير منهم، وحتى كتابة هذه السطور، لم يوفَّقوا في تجاوز امتحانات الإعدادية لعدم معرفتهم باللغة الفارسية، مع أنهم من الأساتذة الأجلاء في اختصاصاتهم.
أما من اجتاز تلك الامتحانات، وصدَّق شهادته في الدراسات العليا، فقد واجه ما لم يكن منتظرا!! وهو تحفظ وزارة التعليم العالي العراقية عن معادلة تلك الشهادات!!! بعلة تأخر صدور شهادة الإعدادية على شهادة الدراسات العليا. لم يكن أمر هذا التحفظ (ولا أقول: الرفض؛ رعاية للإنصاف) مختصا بوزير التعليم السابق (د. العجيلي)، الذي أظهر رغبة في التعاون ووعد بحل المشكلة .. بل شمل أيضا الوزير الحالي!! الذي يتهمه السيد فواز بالطائفية والتآمر. علما أن المباحثات مع الوزير الحالي كانت الأطول والأعقد قياسا مع الوزير السابق. ولم تصل تلك المباحثات والطلبات والالحاحات من قبل الطلاب معه إلى نتيجة إلا بعد أن طرحها الطلاب عليه مباشرة على هامش زيارته الأخيرة (على ما أظن) لإيران. على أن المبادرة الجدية في هذا الصدد قادها ـ والحق يقال ـ الوزير العجيلي وليس السيد الأديب. وإنما ما فعله الوزير الأديب هو متابعة الموضوع والوصول بجهود سلفه إلى نتيجتها التي ساذكرها لاحقا. وكان أهم ما فعله الوزير العجيلي ـ وهو البرهان على حسن نواياه ـ إرساله للجنة مكونة من أرقى أساتذة الجامعات العراقية وأشدهم نزاهة لتقصي حقيقة الأمر. فزار هؤلاء الجامعة المعنية، واطلعوا على برامجها التعليمية، وعرفوا ما تتسم به من رصانة علمية، وعمق وثراء في مناهجها الدراسية، وتنوع منتسبيها القادمين من قارات العالم الخمس. ثم عقدوا ندوة التقوا فيها بالطلاب واستمعوا إلى تفاصيل شكواهم … ووعدوا بنقل جميع تلك الحقائق إلى الوزير العجيلي وتقديم تقريرهم لهيئة الرأي في الوزارة. ولكن مع تغير الوزير أصيب الموضوع بالتلكؤ، ولم تكلل تلك الجهود بالنجاح إلا في نهاية دورة الوزير الأديب (الطائفي والمتآمر وفقا لتقييم السيد فواز!).
لقد كان الحل الذي صوَّبته وزارة التعليم العالي أن يمتحن الطلاب باختصاصاتهم التي تخرجوا منها أسوة بخريجي طلاب الاختصاصات الطبية .. وهو حل أثار تذمّر، بل سخط، الكثيرين منهم، ودفع بعضهم للتعليق ساخرا: هل قضي علينا أن نستنزف أعمارنا في الامتحانات؟!
هذا كله لمن كان من مواليد منتصف السبعينات وحتى منتصف الثمانينات، ممن صادف نزوحهم لإيران قبل أن يكملوا دراستهم الإعدادية في العراق. أما من كان خارج هذه الفترة، والكثير منهم كانوا طلاب طب وهندسة وفيزياء .. وغيرها، فقد استراحوا من هذه المعمعة كلها.
لقد وصف السيد فواز أحد الصحفيين العراقيين الشبان بأنه (يكيل بمكيالين)؛ لأنه ينتقد الحكومة العراقية في حين يؤيد النظام السوري الذي (تقصف مدافعه الأطفال والنساء في كل أحياء سوريا) .. سؤالي للسيد فواز: ماذا سيكون موقفك تجاه من قرر النزوح من هؤلاء الأطفال والنساء لدول الجوار ـ وهو ما حدث ويحدث فعلا ـ ثم اكمل دراسته الإعدادية في مخيمات اللاجئين، ودخل جامعات تلك الدول، ثم لم تصدق له ـ لاحقا ـ تلك الدول شهادته الجامعية إلا بشرط إعادته امتحان مرحلة الإعدادية، فامتحنها وانتهى منها بنجاح، ثم عاد إلى بلده سوريا فلم ترضى بمعادلة شهادته إلا بعد خوضه امتحانا جديدا بنفس اختصاصه .. سؤالي: هل سيرى السيد فواز هذا القرار السوري المفترض “وطنيا”، بل ومبالغا في وطنيته، وعندها يقع في مأزق (الكيل بمكيالين)، أما تراه يرفض قرار المعادلة (حتى ولو كانت بشروط)، فيكون موقفه استمرارا بـ (قصف الأطفال والنساء)، وتصعيدا في النيل منهم والتنكيل بهم؟
قال السيد فواز في مرافعته عن خطة تهديم التعليم العالي المزعومة: “إليكم دليل بسيط” (كذا!! والصحيح: دليلا بسيطا)، ثم أظهر صورة لقرار الوزارة (شخصيا لست متأكدا إذا ما كان فعلا نفسه صورة القرار حقا، وإن كان مضمون الورقة صحيحا) … لقد كان حقا دليلا بسيطا!! بل وسطحيا إلى حد بعيد لا يليق بما نطمح إليه من مستوى “السلطة الرابعة” في بلدنا ..
مع تحياتي للسيد الفواز وتمنياتي له بالمزيد من التقدم والنمو والنجاح
[email protected]