23 ديسمبر، 2024 7:10 ص

لمن تشير أصابع الاتهام؟

لمن تشير أصابع الاتهام؟

إلها وتغمّگ بيه روحي حفرت بير
حفرته وطاحت بيه بالجير الف بالجير
ليست بعيدة عن ذاكرتنا أعوام الربع الأخير من القرن المنصرم، إذ طبعت أيامها ولياليها في نفوس من عاشها منا صورا مأساوية لواقع مرير، فمرت ككابوس مرعب عشناه مجبرين مكرهين تحت وطأة فئة شاذة في أفكارها وأهدافها، علاوة على ممارساتها اليومية مع الشعب بكل مكونات أفراده، واتخذت لنفسها اسم “حزب البعث” فكانت اسما على مسمى..! إذ بعثت في نفوس العراقيين الخوف والهلع طيلة مدة حكمها، بعد أن تسلطت على رقابهم في غفلة من حاكم طيب حليم -كما نعته مجايلوه- عفا يوما عما أسلفوا من أعمال شريرة وجرائم شنيعة عندما صارت رقابهم بيديه، فكأنه يطبق أبيات شهـاب الديـن بن الصيفي المعروف بـ “حيص بيص” التي قالها يوما، وقصة الأبيات ومقصدها ومن قيلت فيهم معروفة، يفقهها الطفل الرضيع والصبي اليافع والرجل البالغ والشيخ المسن ونساء الخدر، والقاصي والداني والمحب والمبغض والصديق والعدو والعالم والجاهل… إذ يقول الصيفي:
ملكنا فكان العفو منا سجية
ولمـا ملكتـم ســال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالمـا
غدونا على الأسرى نعف ونصفح
وحسبكم هذا التفاوت بيننـا
وكـل إنــاء بالذي فيــه ينضح
فغدا ذاك الحاكم الحليم هو نفسه أول ضحية لمكرهم وخداعهم ومكائدهم. وشاء قدر العراقيين أن تتسيد هذه الفئة أرض العراق، وتتخذ المركز الأول والأخير ومابينهما في دفة حكمه، وعلى قول مثلنا؛ “ابو طبع مايبدل طبعه” فقد تمادت في غيها وعنجهية رئيسها وأزلامه وأذنابه، فكان ماكان من جور وظلم وإجحاف وسلب حقوق، ودار مادار من ضياع إرث وتبديد ثروات وهدر أموال، فضلا عن إزهاق أرواح وفقدان مواطنين كانوا آمنين في البلد الأمين.
وكان كثير من العراقيين يحلمون دوما بالخلاص من حكم الدكتاتور والحزب الواحد والقائد الأوحد، وطال بهم الحلم واستطال بهم الأمل، حتى تسرب القنوط الى أنفسهم -الى حد ما- فجاء عام 2003 والذي كان من المفترض أن يكون عام التحرر والانطلاق من الظلمة الحالكة الى نور الحرية، والانعتاق من السياسات الدموية والفاشية التي كانت ديدن الطاغية المقبور، والانفتاح الى سياسة التعددية والفدرالية والديمقراطية. لقد كان انتهاء كابوس تلك الحقبة عيدا للعراقيين الذين لايبتغون أكثر من العيش بسلام في “دار السلام”، لكن الذي حدث أن يقظتهم منه أسلمتهم الى واقع أشد رعبا ودموية. ولعل أول الأسباب في هذا أن فارس الأحلام المنقذ والمخلص تمثل في كيان الاحتلال وهيئة الغاصب الأمريكي، إلا أنه لم يكن السبب الرئيس بعد ذلك، فقد رحل آخر رجس من عمل الأمريكان في 31/ 12/ 2011 وكان من المؤمل تغيير حال العراق والعراقيين الى أحسن حال، مادام الحاكم عراقيا “ابن عراقي”.. والحكومة منتخبة منذ عام السعد 2003 وقد أتت بها أصابع الشعب البنفسجية.. ومادام “نفطنا لنا”..! كما يقول مثلنا؛ “مركتنا على زياكنا”.
فهل حصل بالفعل ماكان مؤملا؟ وهل تحقق شيء من أماني العراقيين بسقوط صنمهم؟ أم صح فينا المثل؛ “بدلنا عليوي بعلاوي”..! ام هو المثل؛ “يخلص من الطاوه تتلكاه النار”..! ام ينطبق علينا بيتا الشعر؛
عجبا للزمان في حالتيـه
وبـلاء ذهبـت منـه اليـه
رب يوم بكيت فيه فلمـا
صرت في غيره بكيت عليه
فلمن نوجه أصابع الاتهام في تداعيات مايحصل لنا؟ ومن المسبب في نكوص الحال الى شر مآل طية السنوات الستة عشر المنصرمة؟ وهل من المنطق انتقاء الشماعات والذرائع واتخاذها حجة لإخفاقاتنا؟ أم نردّ أصابع الاتهام على أنفسنا باعتراف وإقرار صريحين بأننا السبب والمسبب الرئيس فيما يحدث لنا..!
[email protected]