23 ديسمبر، 2024 7:07 م

لمحةٌ في رحابِ الاسلامِ المُغيَّبِ

لمحةٌ في رحابِ الاسلامِ المُغيَّبِ

ان للابتعاد عن زمن النص لكل المسلمين الاثر البالغ في ولادة الغموض والضبابية على كثير من الاحكام الشرعية والمبادئ الاسلامية السامية التي جاء بها سيد المرسلين (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين) , ولوجود التيارات التي تناهض الاسلام وتريد تنكيس رايته بكل الطرق والوسائل التأثير  الكبير على تشويه الصورة الحقيقية للإسلام فضلا عن احكامه ومبادئه في نظر المجتمعات المسلمة فضلا عن غيرها وهذا ما نراه ونلمسه في حياتنا اليومية .
ومن الاسباب الرئيسية التي لها وقعها على تضييع الهوية الاسلامية في نفوس المسلمين هم ( القادة ) واقصد بعنوانهم العام سواء كانوا قادة سياسيين ام قادة دينيين وذلك بسبب قصر النظر عند بعضهم والذي جعلهم يعتقدون ان الاسلام وكل الاسلام  هو هذه الفعاليات التي يمارسها المسلمون من صلاة وصيام ودعاء وبعض الاعمال العبادية الفردية مع قطع النظر عما ترمي اليه تلك الفعاليات , وعدم معرفة ما تصبوا اليه تلك العبادات , فمرة ذلك يكون بقصد وتعمد وتخطيط مسبق ومبرمج ومرة بلا علم ودراية يعني (الجهل المركب) ومع كل احترامي وتقديري للجميع لكن لابد لنا ان نمتلك الشجاعة ونقولها بأعلى اصواتنا ونشخص كل خلل انعكس على دين اله العالمين عزو وجل وشوهه , حتى لا يكون دائما السبب هم (المسلمون العوام) بل علينا ان نلزم معاولنا ونهدّم قلعة العبودية الصنمية في نفوسنا ونبدأ بتضييق هالة التقديس لغير المقدَّسين حتى تضيق شيئا فشيئا الى ان تتلاشى وتختفي وكأنها لم تكن في تلك الروح وذلك الجسد الذي خُلق ليعبد الله تعالى وحده وكما يريد هو سبحانه .
فمن اجل ذلك ينبغي علينا ان نقولها بصراحة وبلا مجاملات ومهادنات ان احد الاسباب التي ولّدت انحراف الكثير من المسلمين ان لم اقل كل المسلمين عن جادة الاسلام المحمدي الاصيل هم (الرموز) الذين تصدوا لتوضيح الاحكام والقيم الاسلامية الشريفة او ليحكموا المسلمين بما فسّروه وفهموه بالفهم المغلوط والقراءة الغير واقعية لكل ما اتى به سيد البشر (عليه واله وصحبه السلام) .
وبكل تأكيد انا لا اقصد كل القادة وجميع الرموز وكل الساسة وفي كل عصر ومصر لان في ذلك الظلم الشنيع لكل من عمل وسار وفق المنهج القويم بعد ان خاض غمار معارك ضارية مع النفس والهوى والشيطان والتيارات التي اتت بأمواجها لتغرق ابناء الاسلام .
فصار المسلمون وللأسف الشديد لا يفهمون روح الاسلام وجوهره النقي نتيجة تلك الاسباب التي ذكرتها في البدء والظروف التي مرت بها بلاد المسلمين من غزوات خلّفت الفقر والجوع والخوف والتحريف والانحرافات الروحية والسلوكية والعقلية عند ابناء الدين الحنيف اضافة الى الحرق والدمار لكثير من المؤلفات الكاشفة عن واقع الاسلام وغايته وغيرها من مؤثرات وتأثيرات فرضت واقعها علينا .
فلابد لنا جميعا كمسلمين ان نعي عظم المصيبة وشدة الكارثة التي نحن فيها بعد تغييب حقيقة الاسلام عنا وعن نفوسنا وعقولنا والحقيقة هي ان الاسلام لم يكن قانونا يقهر البشر على الفعل الفلاني او العمل الكذائي وكأنه دكتاتوري قاهر يقهر الناس في اقوالهم وافعالهم وسلوكياتهم والقرآن يصرح {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } الإنسان3 . {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر }ْ الكهف29.
بل الاسلام هو المخلِّص الاوحد للإنسانية من شتى الوان الاضطهاد والظلم والحرمان , الاسلام هو منقذ الشعوب ومعين الضعفاء , والاطروحات المغايرة له كالرأسمالية وغيرها هي اعلم ما تكون بما في الاسلام من قوة كامنة في النفوس , تراه نظاما يزلزل جبروتها ويرمي بها في الدرك الاسفل وبلا رجعة .
لذلك كان لزاما عليها ان لا تحارب شيئا بشراسة وبكل انواع واشكال الحرب كما تحارب الاسلام وقادته العاملين المخلصين …
 واي قادة ؟
القادة الذين يسعون جاهدين بتضحيات جسام غالبا ما تكلفهم انفسهم من اجل رفع حجب التهميش والتغييب عن ذلك الدين القيم , من اجل ربط الجماهير والمجتمعات بروح الاسلام لا لشيء سوى لان الاسلام هو المعين والناصر والمنقذ لتلك الحشود المظلومة التائهة في ظلام الجهل الدامس والنفاق القاتل , لان الجميع محتاج لتطبيق احكام الاسلام التي فيها سعادة الجميع وسد حاجاتهم ومن غير شعور مباشر لذلك , ولم يكن الاسلام بحاجة لنا ابدا ومن الجهل ان نقول ان الدين محتاج لنا ! فمن نحن حتى يحتاج دين الاله لنا ولتطبيقنا ؟! فهو وُضع من اجل ان نطبقه ونسير بهداه حتى تعم الفائدة لان المصلحة والفائدة لنا فيه وفي تطبيقه واحياء مبادئه , فبالتالي المسلمون هم بحاجة ماسة للإسلام وتطبيقه بل البشرية جمعاء سواء بعلم ام بغير علم هم بحاجة ملحة للإسلام والعكس غير صحيح , وعدم التزامنا بتطبيقاته لا يخرجه عن كونه دين الرب المتعال .
حقيقة الاسلام هي في قوله صلى الله عليه واله ((السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه الضعيف ، وبه ينصر المظلوم ، ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة)) وبكل تأكيد هنا السلطان العادل الذي يحكم بما انزل الله والدليل الآيات القرآنية التي تنهي عن طاعة غير العادل وطاعة الظالم والمسرف والكاذب { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } الكهف28, {فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} القلم8 , { وَ لاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ } الشعراء151 .
حقيقة الاسلام في هذا القول الشريف ((من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله )) . فلم يكن الاسلام يوما متقوقعا بين اربعة جدران خائفا مرتجفا ذليلا منكسرا منهزما !
فالنظريات الاسلامية ما وضعت الا من اجل ان تطبق حتى تفرز لنا فوائدها ونعمها وتمدنا بفيئها المبارك لأنها المهذبة لحياتنا وعلاقاتنا وهي المخلِّصة لنا من العشوائية والهمجية والناقلة لنا لحضيرة الاخلاق الفاضلة والتعايش السلمي المتدفق من عمق المحبة والوئام .
لكن .. لكن !
نرى الامة الاسلامية اليوم تفر فرار الماعز من الذئب عن تلك النظريات والقواعد الالهية والتي جُعلت من اجلنا ومن اجل الحفاظ على كراماتنا وشرفنا !
وحقيقة اخرى من حقائق الاسلام  تكمن في القول الشريف والحديث المقدس ((فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلا وفقرا في معيشته ، ومحقا في دينه ، إنّ الله اغنى امتي بسنابك خيلها ، ومراكز رماحها )) ونحن نعلم ان للجهاد عدة اشكال وان كان في الحديث هذا اشارة للجهاد الدموي المقدس , لكن مفردة الجهاد تعطي عدة مفاهيم وحسب الظروف والحالات فمرة تعني جهاد النفس ومرة الجهاد العقائدي ومرة الجهاد الثقافي ومرة الاعلامي ومرة الدموي وهو المقصود في الحديث المبارك , ولكل شكل ادواته الخاصة به فمن هنا نعلم ان الاسلام هو الحركة والمقاومة والكلمة والموقف الصلب والتحدي والصمود والثبات والتضحية والاقدام والشجاعة وفي نفس الوقت الاخلاق والعلم والمجادلة بالحسنى والنصح والارشاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل ذلك مطروح من قبل نبي الرحمة لكنه مقيد واسير بحبال العزلة والسكون .
حقيقة الاسلام هي في هذه المفردات المحمدية ((من بات ولم يهتم بأمور المسلمين ليس منهم)) فالإسلام الحقيقي معناه حمل هموم الامة والتألم لآلامها ولم يكن الفرار والهروب عن مشاكلها , الاسلام معناه الوقوف جنبا لجنب ويدا بيد مع المظلومين المقهورين كما كان يفعل قادة الدين الحنيف .
الاسلام المحمدي معناه ضرب الفقر بيد من حديد من خلال النظام الاقتصادي الاسلامي والذي يكلف الدولة بأبادة الفقر وقتله وكذلك رعاية شؤون الامة وعلاقاتها الداخلية والخارجية وهذا هو معنى السياسة التي نفرت الامة منها وقفزت بعيدا عنها .
حقيقة الاسلام “السياسة” التي تكمن في الحديث المقدس ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) فالسياسة بمعناها الصحيح تحقق للامة مصالحها وتحفظ لها عزها وشرفها في شتى جوانب الحياة , لا السياسة المغلوطة التي اظهرها لنا المستعمرون ومن سار في ركبهم وهي الحاضنة لكل مكر وخداع ودجل ونفاق … وزاخرة بالأكاذيب واغتصاب الحقوق حتى صار معناها في اذهان المسلمين الالتواء وانتهاك الكرامات ونسف كل الثوابت الاسلامية والانسانية , فأصبحوا ينظرون اليها مباينة للدين وبعيدة كل البعد عن حقيقة الدين لأنها التلاعب والاحتيال والكذب والختل والقتل , والدين قوانين ثابتة طاهرة بطهارة حاملها ومقدسة بقداسة منبعها .
صحيح ان هذا المعنى للسياسة هو مغاير للإسلام ومبادئه لكن بمعناها الاصطلاحي الصحيح هي عين الاسلام , هذه الثقافة اسسها الاستعمار ليجهض في المهد أي محاولة سياسية اسلامية صحيحة مقيدة بضوابط الشرع والاخلاق يقوم بها القائد الاسلامي الفعلي الذي يرتكز بقيامه وامره ونهيه على الاسلام ومنابعه الشريفة السلمية , لانهم يعلمون علم اليقين ان الذي يقض مضاجعهم ويقصم ظهورهم هو القائد الاسلامي المطبق لنظريات الدين التطبيق الحقيقي الواقعي وفي كل الوقائع والحوادث والجوانب والاتجاهات … بسبب ان القائد الاسلامي تعيش الفكرة في اعماق قلبه وعقله وروحه , ومتفاعل معها التفاعل المطلوب لتملئ اركان كيانه ووجوده ليصبح مندكا وذائبا في الفكرة والقوانين الاسلامية ولم ير الا الاسلام في كل امر وواقعة وظرف .
لذلك نراهم بادروا ليؤسسوا خطوطا وتيارات ورموزا هم من صنيعة الاستعمار تحت عدة مسميات تدّعي انها على هدى الدين وتتسلق على اكتاف ابناء الامة المحرومين وقادتهم المضطهدين المبعدين عن الساحة الاجتماعية والسياسية والثقافية ويصبح الدخيل هو الاصل والاساس والناطق بأسم الجماهير المسلمة !
الاسلام منظومة قوانين تحل كل مشاكل الانسانية في حال استخدامه بصيغته المحمدية , الاسلام معناه الاخلاق الفاضلة والتعاليم الرشيدة التي تقتلع جذور الفساد الخلقي والسلوكي والاداري …
الاسلام معناه العادالة  والمساواة ضمن منهج ((الناس سواسية كأسنان المشط)) فهو مميت للطبقية واختلاف الدرجات على حساب ابناء الامة المساكين وكراماتهم وحقوقهم , وقول امير المؤمنين (عليه السلام) شاهد (( انما انا رجل منكم لي مالكم وعليَّ ما عليكم )) هذه الصورة الناصعة للدين والتي وضحت جليا في قول الامام علي (عليه السلام) لاحد ولاته اذ ارتكب جنحة (( والله لو ان الحسن والحسين فعلا مثل ما فعلت ما كان لهما عندي هوادة , ولا ظفرا مني بإرادة حتى اخذ الحق منهما وأُزيل الباطل عن مظلمتهما )) .
الاسلام معناه شموخ وعنفوان وعزة وشرف في ظل قانون الجهاد المقدس في سبيل الذود عن الكيان الاسلامي الذي يجعل من المجتمع في سعادة الدارين بعد ان تنزل كل نظرياته الى حيز التطبيق لان وجود النظريات في القلوب وعلى الشفاه فحسب لم يكن لينفع مالم تنزل كل الاسس والنظريات حيز التطبيق وهذا ما لمسناه من الامام علي (عليه السلام) الذي شن الحروب من اجل وضع وتأسيس منهج التطبيق السليم في وقت كان الاسلام موجود كعقيدة في قلوب المسلمين ويرددونه على شفاههم لا غير .
لذلك نراه (عليه السلام) حينما تولى الحكم واخذ بزمام القيادة السياسية للامة اعلن قبل كل شيء وقال ((ان هذا النعل هو خير عندي من ولايتكم هذه ان لم اقم حقا وادحض باطلا)) فهو يرى ان القيادة والزعامة والولاية ان لم تكن واقعا تطبيقيا في اقامة الحق ودحض الباطل فهي ادنى من ان تساوي نعل الامام (عليه السلام) .
فليس الحكم والولاية في مفهوم المنصف المتخلق بأخلاق الله تعالى وسيلة لكسب الجاه والسمعة والترف على حساب الناس البسطاء , ولا اداة قهر واستيلاء وغلبة تُفرض على الجماهير المسلمة , ولا سبيلا يسلكه الحاكم لإشباع الانصار والاقارب واتخامهم وترك باقي المسلمين في عوز وفقر وهذا واضح من قول الامام علي (عليه السلام ) ((هيهات ان يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخيّر الاطعمة ولعل بالحجاز او اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع او ابيت مبطانا وحولي بطون غثى واكباد حرى … )) .
حقيقة الاسلام في قول الامام علي (عليه السلام) ((أأقنع من نفسي بأن يقال هذا امير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو اكون لهم اسوة في جشوبة العيش)) , من هنا نعلم ان الاسلام يعني الاهتمام بأحوال الامة ومشاركة الجماهير في مكاره الدهر ونوائبه ولم يكن التفرد والتسلط والدعة والتخمة عند القائد والشعوب تحت وطأة الجوع والحرمان … من هنا نفهم ان القائد والرمز لابد له ان يحمل هموم الامة وان يتفاعل معها تفاعلا حقيقيا واعيا لا ان يغلق بابه ويدع الامة في قهر وضياع وتفسخ تنهشها الكلاب من هنا وتفترسها الذئاب من هناك , ينبغي عليه ان يثقل كاهله بأعباء المجتمع وان يعطي من نفسه وعقله وتفكيره ودمه ان تطلب الامر في سبيل الرعية وراحتها لا ان يكون كذاك المرجع الذي هو من كبار المراجع في ايران ايام معركة التأميم هناك التي كانت بين الحكومة الايرانية وشركة النفط الانكليزية التي كان لها الحق في الاستثمار , ففي ذلك الوقت استفتي هذا المرجع الكبير حول وجهة نظر الاسلام من قضية النفط المعقدة هذه فأجاب قائلا ” اني لا اعرف شيئا عن مثل هذا الموضوع الا اني اعرف ان المعدن عليه الخمس والنفط معدن ” !
هذا الموقف الخجول المنهزم لم يكن يمثل الاسلام بنظر الجماهير لأن صاحبه غير متفاعل معهم ومع مشاكلهم فيا ترى مثل هكذا قائد ماذا يعطي عن مفهوم الرسالة وعن ابعادها ؟! ماذا يعطي عن مفهوم الاحاديث والاقوال المباركة ” انما الدين المعاملة ” ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ” من بات ولم يهتم بأمور المسلمين ليس منهم ” ؟! هل يستطيع ان يقنعهم على ان الاسلام دين الحوار والتفاهم والمحبة , دين الاحساس بالمسئولية والنهوض لمشاركة الامة فرحها وحزنها ومشاكلها ؟!
اما بخصوص نظرة الاسلام لغير المسلمين فأنه لم يكن سيفا مسلطا على رقاب غير ابناء الدين الحنيف كي يستعبدهم وانما هو رعاية للأخوة الدينية الخاصة وللأخوة الانسانية عامة وقد بالغ الاسلام بزعامة الامام علي (عليه السلام) وحرص كل الحرص على تطبيق هذا المبدأ وترسيخه في قلوب القادة والجماهير في قوله (عليه السلام) لمالك الاشتر حين ولاه مصر (( وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ…)) , وركز كل التركيز على هذه النظرة الانسانية ومن تطبيقاتها قصة الدرع الذي وجده الامام عند المسيحي وترافعا الى المحكمة الاسلامية ووقف رئيس الدولة الاسلامية الامام علي (عليه السلام) والمسيحي بين يدي قاضي المحكمة التي ضحى الامام بكل ما يملك من اجل ان يؤسس هكذا محكمة تسير بعدل القرآن والسنة المقدسة فاستجوب القاضي رئيس الدولة فأجاب الامام انها درعي ولم ابع ولم اهب , وقال المسيحي ما الدرع الا درعي , وطلب القاضي البينة من الامام ورئيس الدولة على صحة مدعاه فضحك الامام وقال “ما لي بينة” فقضى القاضي بالدرع للمسيحي , فأخذها مشى , الا انه لم يخط خطوات قلائل حتى عاد يقول “امّا انا فاشهد ان هذه احكام انبياء , امير المؤمنين يدينني الى قاضي يقضي عليه ؟ ثم قال الدرع والله درعك يا امير المؤمنين واسلم واحسن الاسلامه ” هكذا استطاع الامام ان يسجل في اذهان الامة بأقواله وفعاله مفاهيم الدولة الاسلامية الخالدة .
الاسلام جعل قواعد وقوانين في حال انحراف الرئيس وشذوذ الحكومة في تصرفاتها التسريعية والتنفيذية وفي حال مخالفتها للانضباطات الاسلامية الانسانية مستندة في ذلك على هوى شخصي او مصلحة فردية او حزبية او طائفية , في هكذا حال يأمرنا الاسلام باستبدالها بغيرها لان العدالة شرط في الحكم , وامر النهوض لاستبدالها يشمل حتى ابناء الطائفة الذين يعيشون بنعيم على حساب ابناء الطوائف الاخرى في ظل ذلك الرئيس المنتمي لطائفتهم , وان لم يتمكنوا من عزل الجهاز الحاكم وجب عليهم ردعه عن المعصية واجباره على اتخاذ مبدأ العدالة مستندين بذلك على قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وان لم يفعلوا كان حقيق على الله ان يدخلهم مدخله .
الوقائع والفضائح الموجودة اليوم في غير بلاد المسلمين بعد عصر ما يسمى بعصر النهضة وحقوق الانسان تكشف لنا الفارق الكبير والشاسع بين الاسلام ومبادئه وقوانين الاستعمار ومنهجه حيث انه لا يوجد شخص يُمسك به بغير الحيز السياسي فتحرق اعضاؤه عضوا عضوا كما يُفعل بالزنجي في اميركا الى الامس ! وذلك لا لشي سوى للتمييز والاستعلاء , ربما يقال ان هذا موجود في بلاد المسلمين فأقول ان وجد فهو دخيل على ثقافة المسلمين وهو نابع من التكالب السياسي الذي انشاه الاستعمار ورسخه في نفوس صنيعته , هذا الانتهاك للإنسان وليس لحقوقه فحسب لم يكن في الاسلام ابدا وهذا حتى على مستوى من طبق الاسلام شكليا فضلا عن من طبقه حرفيا وهذا يذكرني بقصة مضمونها (ان جيشا اسلاميا فرض حصارا على منطقة فلم يستطع فتحها الى ان نفد عنده الزاد والذخيرة فقام القائد بصلح مع المنطقة بشرط ان يزودونه بالطعام ويرحل لكن قائد الجيش بعد الصلح ودخوله للمنطقة من اجل التزود بالمؤن والطعام فرض الاحتلال العسكري على المنطقة فشكّل اهل المنطقة وفدا وساروا الى الخليفة عمر بن عبد العزيز واوضحوا له صيغة الاتفاق والشرط فقام الخليفة بتحويلهم الى فقيه من الفقهاء فوقف قائد الجيش ووقف وفد المنطقة جنبا لجنب يتداعيان عند الفقيه القاضي على ان الاحتلال مشروع ام غير مشروع ؟ فطلب القاضي الشهود على وجود العقد وبعد ان ثبت وجود عقد الصلح حكم القاضي بعدم مشروعية دخول الجيش الى المنطقة وامر بخروجه ولزوم تعويضه لكل ما اتلف في المنطقة).
الاسلام ركز تركيزا واضحا على صنع النفس الانسانية وتربيتها على العكس من باقي التيارات التي اسست اسس تلقي بظلالها وفسادها على النفس الانسانية وتحولها الى بهيمية وسبعية وشيطانية ومثال ذلك الرؤية التي راها السطحيون في تفكيرهم على سؤال يقول “من اين يبدأ التغيير الجذري في الامة ” ؟
فقالوا ان التغيير يبدأ من خلال الاستيلاء على الحكم وتيقنوا ان الاستيلاء هذا يعد عملية انقلاب كبرى ! وغفلوا عن ان الحاكم ورجاله هم افراد من داخل الامة الغير متغيرة لحد لحظة استلام السلطة !