23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

لماذا يُسقطون هيبتهم؟!!

لماذا يُسقطون هيبتهم؟!!

العرب يتميزون بقدراتهم الفائقة على إسقاط هيبة قادتهم , وهو يتصورون في ذلك إنجازا وإنتصارا وشعورا بالقوة والقدرة على التغيير وصناعة الحياة الأفضل , والحقيقة أن الشعوب التي تذل قادتها تساهم بإذلال نفسها وتمزيق إرادتها وتضئيل قدراتها على التقدم السليم.
قد يقول قائل هذا كلام فيه خلل , والجواب نعم إن الخلل يتأكد في السلوك الجمعي الذي يصنع قائدا وينتخبه ويتماهى معه , وبعد أن تدور السنون ينتحر فيه , بمعنى يحشد طاقته للتخلص منه وقتله وبأساليب مذلة ومهينة وأحيانا مخزية.
إن إذلال أي قائد يتسبب بإذلال الشعب , وإستلطافه لأساليب المذلة والهوان والعدوان على ذاته وموضوعه , ومصادرة لمستقبله , فتأملوا المجتمعات التي أذلت قادتها وأهانت رموزها , ماذا أنجزت.
هل تقدمت؟
هل جاءت بأنظمة أفضل من النظام التي أذلت قادته؟
والأجوبة واضحة ولا تحتاج إلى تكرار أو تأكيد , وخلاصتها أنها تدحرجت من سيئ إلى أسوء ومن أسفل إلى أسفل.
هذه مقدمة للوصول إلى الحالة الجزائرية التي تطرح موضوع التقاطع ما بين الأجيال , فتجد الجيل الجديد الذي لا يعرف قائده حق المعرفة يتحرك ضده ويبتهج لإستقالته , وهو قائد عربي ألمعي له تأريخه النضالي في المحافل العربية والعالمية , وكان إسمه مقرونا بالرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.
وقد إنسحب عن الأضواء بعد وفاة بومدين وعاد للعمل السياسي في نهاية القرن العشرين لإنقاذ الجزائر من محنتها الدموية السوداء , وقد نجح في ذلك فإستتب الأمن وتطورت البلاد , ونشأ فيها جيل لا يعرفه خصوصا وقد صار الرجل مريضا ومقعدا , ولا يمكن لصورته أن تتوافق مع طموحات الشباب.
والعجيب في الأمر أنه لم يستقيل عندما أصيب بأول وكعة صحية , فيحافظ على مقامه وقيمته النضالية ودوره الإيجابي في بناء الجزائر , وإنما بقي في منصبه عن وعي أو عن غير وعي , لا يمكن الجزم بذلك , وصار الذين من حوله هم الذين يحكمون , حتى توهم الناس بأنه وسيلة أو رقة بيد الآخرين لتحقيق مصالحهم , ولهذا إستشرى الفساد وعجزت الدولة عن التوافق مع تطلعات الشباب.
بوتفليقة إسم أسهم بتشكيل الوعي العربي وبذر روح الثورة والتمرد في نفوس الأجيال , ومنه كانت تستمد العزيمة والقوة والتوثب والتحدي , والثقة بصناعة المستقبل , وكان بوتفليقة وبومدين وقبلهما بن بله ومعهما جميلة بوحيد , يؤلفون رموزا عربية تبعث الأمل وتعزز الرجاء بمستقبل أفضل.
وعندما شاهدت بوتفليقة وهو مقعد ويقدم إستقالته , إختلطت صورة ذلك الشاب المتحمس المقدام بما أراه من حطام , وتساءلت لماذا لا يعتز بتأريخهم الحكام؟!!
لماذا لم يغادر بوتفليقة الكرسي منذ أعوام؟
لماذا إنتظر حتى يزيحه جيل متدفق الأحلام؟
جيل لا ينظر إلى الوراء ويتوثب بقوة إلى الأمام؟
هل أجهز بوتفليقة على مسيرته؟
هل أغفل قيمته وأثره الروحي الثوري في أعماق الأجيال العربية؟
إنه لمن المؤلم حقا أن تتحطم صورة رمزٍ عربي مناضل مقدام!!
وتحية للشعب الجزائري الذي يعلمنا معاني التعبير عن الإرادة الثورية , والقدرة على هزيمة الظلم والظلام!!