23 ديسمبر، 2024 4:52 ص

لماذا يكرهنا الجميع !

لماذا يكرهنا الجميع !

ظهور مفهوم صراع الحضارات الذي اختلقه صامويل هتنغتون واظهار الاسلام كتهديد افتراضي للغرب بعد غياب المكافئ الاستراتيجي لقوة الولايات المتحدة كبديل لمليء الفراغ الذي تركه سقوط الاتحاد السوفيتي، شكل لحظة الانطلاق لصراع أيديولوجي بين الشرق والغرب تغذيه الذاكرة التاريخية للشعوب من حروب صليبيه واستعماريه لازالت اثارها ماثلة الى اليوم.
مفهوم الصراع الأيديولوجي أدى الى أعادة انتاج التاريخ وبرمجة الوعي الجمعي العربي والغربي من جديد على صراعات اثنيه وأيديولوجية، وحول المهمة الاولى لكثير من مراكز البحوث الغربية، والاعلام والدراسات الى تشويه الشرق والإسلام وشيطنته، وجعل جوهر الحراك الناعم الملمس للغرب يحتضن سوء النية ورغبة التدمير والانتقام بشتى الطرق.
الرفض الاسلامي للحداثة الغربية في بداية القرن العشرين باعتبارها مصدر لمحو الهوية الإسلامية هو السبب الثقافي الاول الذي لم يدخر العرب في تعزيزه لإفراز مفاهيم جاهزة لتغذية العنف الإسلامي، خاصة وان قضية فلسطين تحولت الى مركزيه مزيفه، يهتف الكثير من الدعاة باسمها بينما في الخفاء لهم اهداف أخرى.
ان مغذيات العنف الاسلامي كثيره سواء منها المعرفي في بعض النصوص الدينية او تاريخي تمثل بالحروب الصليبية، فالغرب عندما اعاد احتلال بلاد العرب في بداية القرن الماضي كانت ثيمة النصر في الحرب على المسلمين حاضره عند اغلب الثقافات الاستعمارية و القيادات العسكرية، فعندما و وصل القائد الفرنسي (غورو) في سوريا الى قبر صلاح الدين قال قولته الشهيرة (ها قد عدنا يا صلاح الدين) , اما ارنولد توينبي عندما احتلت قواته فلسطين وكان على مشارف عكا من البحر قال ( الان انتهت الحروب الصليبية) .
طلائع الرواد العرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , لم يجدوا الغرب فاتحا” ذراعيه لاستقبالهم او انتشالهم من البؤس والشقاء بعد ان صدق بوعودهم بالتحالف ضد الدولة العثمانية, بل وجد الغرب وقد استعد جيدا” لهذه اللحظه لفعل مالا يتخيله العقل لإفنائهم واخضاعهم واذلالهم بشتى الطرق.
وكان وعد بلفور البريطاني، وصناعة الأنظمة الديكتاتورية العربية التي قمعت الشعوب و شردتهم في المنافي من اكثر صدقات الغرب وضوحا على العرب , والتي مهدت لظهور سيد قطب والتظرف والقاعدة وغيرها من هذيانات العقل الفنتازيا. فالمتطرفين الاسلاميين وجدو في فقه ابن تيميه وأذلال الغرب لهم ما يكفيهم مؤونة ذبح جميع سكان الأرض ألف مره بلا طرفة عين من رحمه او شفقه. فمن يبشر المسلم بالغداء مع النبي إذا فجر نفسه في روضة أطفال او سوق شعبيه لن يجد ذاته في بيئة عادله تنافي رغبة الانتحار وسفك الدماء. بالإضافة الى انعدام العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة في الوطن العربي والتي ارسى غرورها الغرب بنفسه لتشتيت أي جهد وطني في تجميع الطاقات، وتغلغل الفساد الإداري , وانحطاط الطبقة المثقفة, ووجود الفقه الجاهز لشرعنه الانتحار كلها عوامل انتجت شعوب” تتعطش للدم و لا تعرف حسن الجوار ولا تراعي الإنسانية, وتربي اطفالها على قيم الغلبة والخداع.
هذه العوامل خلقت كيانات مقموعه سياسيا” ومهزومة امام التحدي لغياب الحريات وروح النقد البناء، فتحولت منابر الخطاب الى تجليات للعقد الفصامية وتجسيد لعقد التاريخ, وهذا يبدو طاهرا في معظم الحراك السياسي العربي, حيث مُسخت الحياة في أجيال عديده وحولتها الى بنادق ماجوره تقتل بلا وازع من ضمير ولا تنصت الى العقل والوعي, فحرب اليمن والعراق وليبيا وسوريا, وحروب صدام جميعها تجليات للشخصية المركبة المشلولة في ذاتها والعاجزة عن مواكبة الحضارة. خلقتها عوامل مفرطه في القسوة. فاصبح العربي بعدها منوما” مغناطيسيا” تحركه اقطاب بعضها لا شعوريا” و رمزيا” وبعضها اشخاص ورموز موغلة في الرذيلة والخيانة والجهل، كما يحدث الان في العراق، حيث تحولت بعض الفئات الشعبية الى درع اعلامي يفقس تحته الفساد لا تقبل المساس به حتى وان رأت الف دليل على فساد رموزها، وتحضي هذه الفئات بدعم خارجي سواء غربي او إقليمي.
الاعلام العربي من اكثر عوامل صناعة الازمات حيث جعلت العربية والجزيرة الشيعة يقتلون السنة في العراق وأمريكا تقتل المسلمين في أفغانستان، والروس والبريطانيين والحوثيين يقتلون السعوديين ,حتى الهنود الحمر يقتلون الاسلام في نظر العرب. فروجت لقطع الرؤوس والمفخخات وبررت كل افعال العنف الذي تقوم به الجماعات المتطرفه. قنوات تقودها مخلوقات شيطانيه لم تعرف الخير في اعماقها أوجدت كل مبررات التطرف والايغال في ايذاء الهوية الإسلامية.
بالأمس أعلنت مقدونيا حالة الطواري نتيجة تدفق مئات الألوف من اللاجئين العرب على حدودها، مشاهد الاذلال والضرب للمهاجرين العرب تفسر الاف الحقائق التي يبدو انها غابت عن المهاجرين، فالغرب لا يراهم مجرد جماعات هاربه من الجحيم، بل تحولت الاستراتيجية الأوربية الى الردع بعد ان كانت تدعو لتوطينهم، فعقدوا المؤتمرات لمحاربة اللاجئين لأنهم أصبحوا يمثلون خطرا” حقيقيا على وجودهم.
اما اثرياءنا عندما يعيشون في اوربا, لك ان تتخيل حجم الانحطاط الذي يتجلى في سلوكهم, فسياراتهم الفخمة تسد الطرق, وتتجاوز الممنوع, ويشغلهم حب الظهور عن احترام قوانين الدول الأوربية, هناك ليالي العرب اكثر جنونا” من الف ليلة وليله, حيث تراهم يفعلون الفحشاء بطرق لا تخطر على بال احد, ومواخير الليل تزدان بعرقهم الحرام في القمار والدعارة في احط صورها, مما يستفز السكان الأصليين وتتحول النزعات التافهة الى حروب دينيه يتشدق السفلة بأنهم حماة للإسلام فيها وكان يجاهدون عن المسلمين.
الكرم اللامحدود لبعض الأثرياء والمنظمات الإسلامية في بناء الجوامع التي لا تحمل سوى الرمزية الانتهازية, اجج كراهية الاحزام اليمينية المتطرفة في المانيا وامريكا للعرب والمسلمين لانهم يرون ان بناء الجوامع لا قيمة له ان لم يكن مقترنا” ببناء مدارس رياض أطفال او مستشفيات, ويرون هذه الأموال نوع من التحدي لهم ,فبدل ان يتم توزيعها على الفقراء في اليمن والسودان والكثير من الدول العربية يتبرع العرب لمدينة نيويورك مثلا” كما فعل الأمير طلال بعد انهيار البرجين, او لفرنسا كما تبرع القذافي, حيث يرى الغرب ان التبرعات والجوامع ماهي الا مظاهر للضعف والتحدي الفارغ للغرب الذي يسبقنا بكل شيء.
كل يوم نثبت للعالم اننا امة تحتاج الى العون في عودة عقلها المعياري الذي تصنع منه الأمم فخرها وكبريائها كل رصاصة يطلقها ارهابي في اليمن والعراق وجميع بلدان العرب تثبت ان حجم الرصاص لازال كثيفا” في المخ العربي, وان اليوم الذي نفخر فيه بأمتنا لن يكون الا اليوم الذي يخلو فيه من الرصاص ويمتلئ بالحب بدل الكراهية للبشرية, واليوم الذي نرى فيه اننا لسنا كما نعتقد اننا خير الأمم, بل اننا حقيقة امة معاقة يستجدي افرادها العطف من ارجاء المعمورة, لم يبخل العالم علينا ولكن يبخل كبرائنا علينا ان يقولوا الحقيقة لا كما قالها بنو إسرائيل في اليهودية.
Hakem Ajel Jabbar