23 ديسمبر، 2024 11:33 ص

لماذا يقع رئيس الجمهورية بفخ الفساد ؟

لماذا يقع رئيس الجمهورية بفخ الفساد ؟

نشرت الصحف العراقية بتأريخ 23/11/2014 وثيقة صادرة من ديوان رئاسة الجمهورية، عن تعيين ابنة الرئيس العراقي فؤاد معصوم بعقد في الديوان بمبلغ يصل الى 13 مليون دينار عراقي. وأوضحت نسخة الوثيقة ، إنه “بناءً على مقتضيات مصلحة العمل تقرر تعيين الدكتورة جوان فواد معصوم بعقد للعمل بصفة مستشار للسيد رئيس الجمهورية وباجر شهري مقطوع قدره (12900000) ولمدة سنة واحدة قابلة للتمديد ابتداءً من تاريخ 2/9/2014 ولغاية 1/9/2015″. وأوضحت الوثيقة أن “المبلغ هو ما يعادل ما يتقاضاه اقرانها في الوظيفة من راتب ومخصصات”.

بتقديري، الراتب مبالغ به ولا يراعي مطالبات المواطنين المستديمة بوجوب التقريب بين المداخيل بقدر معقول عسى أن نحقق في أقرب فرصة العدالة الإجتماعية وننصف شريحة الفقراء الشركاء في هذا الوطن وثرواته حسب ما ينص عليه الدستور.

إن إحدى طرق محاربة النظام الديمقراطي في العراق وعرقلة إستكمال بناءه تجسدت بإشاعة الفساد المؤدي إلى تبذير الأموال، عن طريق المرتبات المضخمة والحمايات والإيفادات والتلاعب بعقود تنفيذ المشاريع والإختلاس مثلاً، ومنع التنمية ومنع تحقيق العدالة الإجتماعية بألف طريقة ووسيلة مارسها ويمارسها، أساساً، الطغمويون* بوعي وتخطيط وبكفاءة مستمدة من خبرة متراكمة منذ عقود، ويغرون ويورطون فيها البعض من أنصار الديمقراطية أنفسهم ممن هم ضعاف الفكر والنفوس والجشعون والغافلون والمغفلون والجهلة الذين يجرحون أنفسهم بأنفسهم. وهذا هو التخريب من داخل العملية السياسية بعينه الذي طالما أشير إليه؛ وهو متمم للإرهاب بل هو أكثر مضاءً من الإرهاب في دماره، وكلاهما صادران من غرفة عمليات واحدة.

إن خطوة رئيس الجمهورية تقع ضمن هذا الإطار للأسف الشديد، ولا أستبعد أن بعض المستشارين المعشعشين في رئاسة الجمهورية منذ أيام نائب الرئيس المجرم الهارب طارق الهاشمي أمين عام الحزب الإسلامي قبل إقصاءه، ربما إستطاعوا إستغفال السيد الرئيس الطيب وتوريطه. وهذا ليس عذراً له بتاتاً إذ كان عليه اليقظة والحذر. 

كان الفساد شائعاً في المجتمع العراقي منذ العهد البعثي الطغموي، وما قبله، وخاصة أيام الحصار الإقتصادي الذي تسبب به النظام نفسه وفرضه الأمريكيون ليمكِّنوا النظام البعثي من التحكم بقوت الشعب وإجهاض أي تحرك شعبي ضده، كالذي حصل في إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية، وليتيحوا للنظام فرصة إحداث مزيد من الدمار للعراق وشعبه وللعرب والمنطقة.

ولكن الطغمويين استمروا، بعد سقوط نظامهم، في ممارسة الفساد وإغراء الآخرين للولوج في هذا المسلك الوعر، إذا أصبح لهم هدفان من وراء ذلك بدل هدف واحد وهما الكسب الشخصي والتخريب السياسي.

ضاعف الأمريكيون الفساد بهدف التخريب السياسي أيضاً وذلك لتأجيج الناس ضد الإتلاف العراقي الموحد ومن بعده التحالف الوطني لأنهما الوحيدان القادران على مواجهتهم. وبالفعل تم على يد التحالف الوطني طرد قواتهم وتم الحفاظ على الثروات النفطية واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية وصيانة المسار الديمقراطي، رغم وعورة الطريق، والإمتناع عن المساهمة في تدمير الدولة والجيش العربي السوري وإفتعال حرب مع ايران لضرب مفاعلاتها النووية وصولاً الى تصفية القضية الفلسطينية وتفتيت الدول العربية من داخلها لتمكين إسرائيل من التحكم بالمنطقة بأسرها لصالح المشروع الإمبريالي العالمي.

 لم تستطع لحد الآن التحقيقات والمتابعات الأمريكيتان من العثور على 6.6 مليار دولار من اموال أمريكية مخصصة لمشروع التنمية الأمريكي في العراق وهي مفقودة منذ الأيام الاولى للإحتلال. لقد أفادت دائرة المحقق العام الأمريكي بأن عدداً من الضباط والموظفين الأمريكيين قد دخلوا السجن لثبوت تهمة الإختلاس عليهم بهذا الصدد. وربما يتذكر القراء حالات إلقاء القبض على ضباط أمريكيين في مطار بغداد يرومون المغادرة وبرفقتهم مئات الآلاف من الدولارات . بل حتى السفير الدكتور زلماي خليل زاد إتهمه القضاء الامريكي مؤخراً بتهمة غسيل الأموال بالتعاون مع زوجته علماً أن له مصالح اقتصادية في كردستان. ويدل هذا على تدني مستوى الإنضباط الأخلاقي لدى بعض المسؤولين الأمريكيين الذين أُرسلوا الى العراق.

وهناك 16 مليار دولار من الأموال العراقية “ضيّعها” الامريكيون أيضاً ولكن ليس بعفوية وبراءة. . نوه أعضاء في اجتماع مجلس النواب قبل اربع سنوات بحضور السيد عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية بأن (بول بريمر) الحاكم المدني لسلطة الإئتلاف سلّم اياد علاوي مبلغ 1.3 مليار دولار نقداً من غير وصولات. كما إن (بول بريمر) سلم مبلغاً آخر قدره 1.5 مليار دولار الى السيد مسعود برزاني لتقاسمها مع الاتحاد الوطني الكردستاني بدون وصولات أيضاً.

أعلمني صديق ثقة يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة من إحدى الدول الإشتراكية المتطورة بأن خاله كان أحد زملاء أياد علاوي في تلك الأيام وشهد بنفسه اياد يفتح حقيبة مليئة برزم الدولارات وزعها على زعماء القبائل في كركوك أيام انتخابات كانون الثاني عام 2005.

 

قيل لي إن بعض المناطق المجاورة لكردستان العراق قد عجت بـ”العقداء والعمداء المتقاعدين” الذين لم يقتربوا من السلاح أو جبال كردستان في يوم من الأيام بل منحوا تلك الرتب لتبرير صرف رشى لهم باسم رواتب تقاعدية من قبل حكومة كردستان. لقد أساءوا لسمعة الأنصار المناضلين الحقيقيين. 

يبدو أن صحيفة الغارديان البريطانية كانت على دراية بما كان يجري في العراق عندما قالت إن حكومة علاوي مثلت أصل الفساد الواسع في العراق.

ولا أنسى في حينه ما نشره موقع “صوت العراق” الإلكتروني عن تلك الفتاة العراقية العاملة ضمن السكرتارية في مقر القيادة الأمريكية في بغداد. طلبوا منها بكل “براءة” أن تُحضر لهم مقاولاً للقيام ببعض الأعمال الكهربائية في المقر. إستجابت البنت. وتكرر الطلب ثم تكرر. أخيراً إعترفت الفتاة أنها حصلت على ما مجموعه خمسة ملايين دولار كعمولات مقابل إحالة هذه الأعمال على المقاولين الجشعين المتهافتين.   

أعتقد أن الأمريكيين “ّفّقدوا” تلك المليارات لانها ذهبت في ارشاء السياسيين والناس لاشاعة الفساد بغية إخضاعهم وبالتالي إخضاع المجتمع والبلاد لهم ولمشيئتهم السياسية. المرتشي يضعف أمام الراشي المحتل، والفريق الذي أخرج قوات الإحتلال من العراق إن هو إلا قمة في النظافة؛ ولا يضيره الفاسد حينما يخلط الأوراق فيطلق تصريحات التبرقع والتخفي: الجميع فاسدون ولا أستثني أحداً ولا كتلة!!

يمثل كل هذا جانباً واحداً من جوانب محاولات تخريب أو تشويه البناء الديمقراطي بما يناسب إصرار الطغمويين على استعادة سلطتهم الطغموية بأية وسيلة كانت مهما كانت دنيئة وإجرامية، ويناسب إصرار الأمريكيين على التمكن من التحكم بمصير العراق، علماً أن العملية لم تنقطع بل هي جارية حتى أيامنا هذه التي شهدنا فيها تراشق التهم البينية بالإختلاس من قبل مشعان الجبوري وصالح المطلك وأسامة النجيفي وجمال الكربولي وخميس الخنجر وغيرهم.

سيمثل صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء للدورة الثانية وهو غير مهمش هذه المرة!!، أمام مجلس النواب لإستجوابه حول تهم بالفساد في برنامج إغاثة وإيواء النازحين الذي يترأس صالح لجنته العليا.

آمل أن يكون السيد الرئيس قد تنبه الى خطورة الموقف ويعمل على إصلاحه بعد هذا السخط الذي أثاره بين العراقيين، خاصة وأن الدكتور العبادي، مدعوماً بالتحالف الوطني، مصمم على إجتثاث الفساد.

فليعمل جميع المخلصين على معاونته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181