22 ديسمبر، 2024 5:09 م

لماذا يغتالون العقول العراقية؟

لماذا يغتالون العقول العراقية؟

لم تكن عملية اغتيال الكاتب والروائي العراقي علاء مشذوب في الثاني من شباط (فبراير) الماضي، جديدة في مسرح الجريمة الممنهجة التي طالت علماء ومفكري واكاديميي العراق، ضمن سلسلة تصفيات العقول العراقية التي زادت حدتها بعد عام 2003. ولم تكن الرصاصات ال 13 الغادرة التي اخترقت جسد القتيل المسالم والاعزل، سوى تهديدا مباشرا وصريحا للتذكير بالخط الاحمر، في إسكات العقل المفكر والصوت الحر والكلمة الجريئة، التي تقول الحقيقة دون رياء او لف ودوران.

ولا يمكن النظر الى جريمة قتل علاء مشذوب، إلا من خلال ربطها مع ماسبقها من جرائم واختطافات واغتيالات مأساوية طالت العقول العراقية منذ ان وضع التحالف الدولي بقياة الولايات المتحدة، قائمة باسماء اكثر من 15 الف عالم واكاديمي عراقي، من “غير المرغوب فيهم”، وتم فصل العديد منهم بذريعة ارتباطهم بحزب البعث، ما حدا بالكثيرين الى الاعتقاد، ان مرد هذه الجرائم والاستهدافات المتعمدة للعقول العراقية ومحاولات تدمير الحياة الفكرية، هو لإبقاء العراق ضعيفا ومعتازا للخبرة والاستشارة والجهد الآجنبي.

ومع تدهور الوضع الامني في العراق بعد الاحتلال في عام 2003، تم قتل عدد آخر من العلماء. وبحسب مصادر غير رسمية فان معدل عدد الاغتيالات التي طالت الاطباء والمهندسين والاساتذة الجامعيين بلغت 650 عملية قتل في الشهر الواحد.

وقد رجح البعض على ان السبب في اغتيال العلماء والمفكرين يعود لإبدائهم رغبتهم في العمل مع سلطات الائتلاف التي اقامت مشروعا حمل عنوان “مبادرة رعاية العلوم والتكنولوجيا والهندسة في العراق”، بعد ان خصصت وزارة الخارجية الامريكية مبلغ 20 مليون دولار لمشروع كان هدفه التعرف على باحثين عراقيين سابقين في مجال الاسلحة وتوفير فرص عمل لهم في العراق وانشاء مركز دولي للعلوم والصناعة في بغداد واستضافة عدد من الباحثين والمختصين لإيجاد الطرق الناجعة والعملية لصرف الاموال في عملية إعادة إعمار العراق.

بيد ان ازدياد العنف والاحتقان الطائفي والاستهدافات على الهوية، اثار حفيظة العديد من العلماء العراقيين ووجهوا انتقادات شديدة للمشروع الامريكي، داعين الى تشكيل أكاديمية عراقية للعلوم، شريطة ان تتبوأ الكفاءات العراقية نفسها الدور الريادي فيها، في حين تلقى عدد من كبار العلماء العراقيين عروضا مغرية من الولايات المتحدة الامريكية للعمل في مؤسساتها الامنية والبحثية، وحاولت مجاميع اخرى البحث عن ملاذات آمنة في الخارج.

وكانت حصيلة عام 2005 اغتيال 350 عالم عراقي. وفي عام 2006 اعلنت وزارة التعليم العالي عن مغادرة 3250 اكاديمي الى خارج العراق. حينها قال المدير العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم كويشيرو ماتسورا: “ان مرتكبي هذا العنف، باستهدافهم اولئك الذين يحملون مفاتيح إعادة إعمار وتنمية العراق، يهددون مستقبل العراق والديمقراطية على السواء”.

وتحدثت التقارير الدولية عن ان عدد الاغتيالات التي طالت علماء الذرة العراقيين بين اعوام 2003- 2008 بلغت 350 إضافة الى 200 ضحية من الاكاديميين وهجرة ما يقارب 17 الف من العقول العراقية الى الولايات المتحدة الامريكية وبقية بلدان العالم. وجاء في تقرير اللجنة الدولية للصليب الاحمر عام 2008 ان “اكثر من 2200 طبيب وممرض عراقي قتلوا و250 اختطفوا منذ العام 2003، واكثر من 20 الف من الكوادر الطبية من مجموع 34 الف اضطروا لمغادرة البلاد، بينما اختفى عشرات الالآف منهم، كما اغتيل عدد كبير من العلماء والاكاديميين، فضلا عن اغتيال علماء الذرة العراقيين.

وبحلول شهرحزيران (يونيو) عام 2014 عندما قام تنظيم داعش الارهابي بالسيطرة على مدينة الموصل ومدن وبلدات اخرى، شرع بعمليات التخريب وتهديم المراكز العلمية وإحراق مختبرات جامعة الموصل وقتل مجموعة من العلماء لرفضهم التعاون معه وعدم انصياعهم الى اوامره.

ترى لماذا يغتالون العقول العراقية، وهل سيكون علاء مشذوب المغتال الآخير، ومن هي الجهات التي تقف وراء عمليات إفراغ العراق من علمائه وكوادره المتخصصة واساتذته؟ أليس من صلب واجب الحكومة ان تتقصى اسباب الجريمة وتقدم الجناة الى العدالة وتضع الحلول المناسبة للحد منها؟ أليس من واجبها توفير فرص عمل للكثير من الكوادرالعلمية والثقافية التي تتوزع في منافي العالم، وتشجيعهم في العودة الى الوطن والمساهمة في إعادة اعماره وتربية اجيال جديدة تتسلح بالعلم والمعرفة، لا بالمخدرات التي تنتشر في البلاد وتفتك بشبابه، دون ان تعرف الحكومة مصدرها الحقيقي، وهي التي اعلنت عن حيرتها من الامر: هل ان مصدر المخدرات التي تغزو العراق تأتي من الارجنتين – عرسال اللبنانية فالعراق، أم هي مباشرة من الجارة ايران؟