لا شيء يثير الدهشة، وإن بنسبة واحد بالمئة، حيال ما حصل عند تقاطع الصخرة في شارع فلسطين بالعاصمة بغداد الليلة قبل الماضية.. إنه حادث معتاد في دولة تعيش حال الغياب عن كل شيء تقريباً وفي كل شيء تقريباً.
لا شيء مثير للدهشة، فالحادث هو مما يحصل مثله وأفظع منه كل يوم تقريباً في بغداد وخارجها، ومن أكبر أسباب وقوع هكذا حوادث أن الدولة لا تبدو مبالية، والموقف من حادث الليلة قبل الماضية يعزّز صدقية هذا الكلام.
في البلدان الأخرى، إذا ما حدث مثل الذي حدث في بغداد، فإن وزير الداخلية يكون أول المتحدثين إلى الرأي العام وإلى جانبه أو بعده يظهر المدّعي العام الذي يقود بنفسه التحقيقات لمعرفة ما حصل بالتفصيل، فمن الواجب تطمين الناس إلى أنّ الأمور تحت السيطرة وأنّ لأمن الناس أولوية عند السلطة التنفيذية وأنّ للحقّ والعدل أولوية عند السلطة القضائية.
ما حدث عند تقاطع الصخرة جريمة مكتملة الأركان، ترتقي الى مستوى الجرائم التي يطولها قانون مكافحة الإرهاب، فقد وقع اعتداء على قوّة أمنية كانت مرابطة في موقعها المعلوم للجميع وتقوم بواجبها الأمني.
بعد 24 ساعة من الحادث لم يستطع أحد منّا أن يقع على “الطين الحرّي” (تعبير عراقي مرادف للحقيقة) بشأن ما حدث.. المعلومات التي قدّمتها المصادر الأمنية إلى وسائل الإعلام كانت متضاربة بدرجة كبيرة. البعض أفاد بأنّ عدة أشخاص شاركوا في الاعتداء على القوة الأمنية وقتلوا اثنين في الإقل من أفراد القوة، بينهما ضابط، فضلاً عن إصابة عدد آخر. مصادر أخرى قالت إنّ الحادث بدأ بـ” ملاسنة” بين شخص واحد وأفراد القوة الأمنية، وإنّ المعتدي استنجد بعناصر من “عصائب أهل الحقّ” فحصل اشتباك بين هؤلاء العناصر والقوة الأمنية المرابطة في نقطة التفتيش.
قيادة عمليات بغداد نشرت على صفحتها في موقع “فيسبوك” بعد ظهر أمس بياناً قالت فيه: “مساء أمس الخميس الساعه الثامنة أوقفت مرابطة لقواتنا الأمنية أثناء تنفيذها لواجباتها الأمنية الاعتيادية في شارع فلسطين عدداً من الأشخاص يستقلّون عجلات، غير أنّهم لم يمتثلوا للأوامر الأمنية وحدث خلالها اعتداء على منتسبي المرابطة بإطلاق نار أصيب على إثرها اثنان من منتسبي السيطرة بجروح، تمّ نقلهم إلى مستشفى قريب لمكان الحادث لتلقّي العلاج، وعلى إثر ذلك تمّ اعتقال اثنين من المعتدين مع ضبط عجلتهم والتحقيق جار معهما من قبل الجهات التحقيقية المختصة”.
وسبق ذلك تصريح لمصدر أمني أفاد بتشكيل “لجنة من عمليات بغداد ووزارة الداخلية وأمن الحشد الشعبي للتحقيق وإلقاء القبض على المتورطين في حادثة شارع فلسطين”.
العصائب من جهتها أعلنت على لسان المتحدث باسمها أنّ ما حدث هو “مشاجرة بين عدد من الأفراد ادّعوا انتماءهم للحشد الشعبي مع سيطرة أمنية”، مؤكداً أنّ “العصائب مع فرض القانون وضدّ كلّ مَن يسيء له”.
أيّاً كان الذي أو الذين اعتدوا على القوة الأمنية المرابطة في شارع فلسطين، فإنّ الحادث برمّته ما كان ليحصل لولا ضعف دولتنا التي اعتادت التعامل مع هكذا حوادث بالكثير من الخوف وبأقلّ القليل من الحزم المطلوب حيال انتشار السلاح خارج قوّات الدولة وحيال التجاوز الحاصل من العصابات والميليشيات وحمايات المسؤولين على الدولة والمجتمع من دون ردع.
نقلا عن المدى