23 ديسمبر، 2024 10:44 ص

لماذا يحتفلون بالثورة ؟

لماذا يحتفلون بالثورة ؟

لماذا يصر ملايين العراقيين على الاحتفال بثورة الرابع عشر من تموز التي اطاحت بنظام الحكم الملكي وما يسمى بمؤسسات الدولة العراقية انذاك؟ وعلى الرغم ان هذه الثورة لم تعمر طويلا اذ قضي عليها بعد اربع سنوات ونصف السنة من عمرها، عمر صغير بكل الحسابات لا يمكن ان يكشف عن افكارها او يستطيع ان يغير شيئا مهما من خارطة العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحسابات التقليدية، ومع ذلك فهنا الملايين اليوم يلتصقون بتلك الثورة ويتحدثون عنها كأنها الحلم الذي اجهض بما فيهم اجيال لم تعش احداثها.

الثورة التي تباينت الاراء وتقاطعت بشأنها مثلت بالنسبة الى الكثير من العراقيين طوق النجاة الذي اعتقهم من العوز والفاقة والحرمان، وهؤلاء يعدونها الثورة الوحيدة في تأريخ العراق يرفضون بشدة مقارنتها بالانقلابات العسكرية التي حصلت من قبلها وبعدها، لكنها بالنسبة الى اخرين مثلت انقلابا على حكم الشرعية، فعلى حد وصف البعض انه بعيدا عن العواطف لم تكن الثورة الا اول من سنّ سنّة سيئة للانقلابات الثورية التي جاءت من بعدها بنظيرات آخرها (ثورة السابع عشر من تموز) التي نفذها البعثيون و التي قادت البلاد والعباد الى ما هم عليه الان عبر سنوات من الظلم والقهر وابشع صور الدكتاتورية والاستبداد، ولذلك يعتقدون انه من العدل ان تتحمل ثورة الرابع عشر من تموز ما حصل بعدها من انتكاسات وبالتالي فليس من المعقول ان نظل نصفق لها لخمسين عاما او يزيد.

من المهم الادراك ان هذه الثورة التصقت بشخصية زعيمها عبد الكريم قاسم حتى بات عسيرا على الدارسين لها ان لم يكن مستحيلا الفصل بينها وبينه، فالذي يتحدث عن الثورة يجد نفسه بشكل او بآخر يتحدث عن زعيمها عبد الكريم قاسم، هذا الرجل الذي يصفه السياسيون بانه فقير الفكر والدهاء السياسي، فيما يراه الفقراء زعيما عظيما بلغ البعض بهم حد تشبيهه بالقديسين، فهو منقذ الملايين من الظلم والعوز وهو سيد العدالة الاجتماعية، لكن هذا التباين في النظرة الى شخصية زعيم الثورة ينتهي ليذوب تماما عندما يتحدث العراقيون عن صفتين لعبد الكريم قاسم هما النزاهة والوطنية. ربما يصرخ المحتفلون، أليست هاتان الصفتان هما احوج مايحتاجهما العراقيون اليوم؟ حيث يهز الفساد اركان الدولة ويصادر قيما ترسخت في ضمائر العراقيين وفي ثقافتهم، وحيث يجري تكريس ثقافة الانتماءات الفرعية على حساب الولاء الوطني، فيالها من صرخة تخفت ازاءها كل الاصوات المعارضة لاستذكار الثورة وتمجيدها وتمد المحتفلين بذاكرة قوية ترفع تهمة باطلة عن ثورة الرابع عشر من تموز بأنها هي التي مهدت الطريق الى الدكتاتورية في العراق وانهت اول فصول الحياة المدنية في العهد الملكي، واسست لنزعة الحكم الفردي.

لايمكن فصل العامل الوجداني عن مشهد تعظيم الثورة والاحتفال بها فالمحتفلون اليوم على الرغم من تباين ثقافاتهم وميولهم واجنداتهم السياسية هم ابناء واحفاد اولئك الرجال الذين حررهم عبدالكريم قاسم من ظلم وجور الاقطاع، يومها كان الفلاحون يشكلون 80% من سكان العراق وهؤلاء لا يمكن ان ينظروا باسف لنظام دولة الحكم الملكي ولمؤسساتها التي منحت الاقطاعي حق سجن الفلاح ومصادرة جهده وماله وعرقه وحقه في العيش بحرية وكرامة.

بعد ذلك  يبدو السؤال لماذا يحتفل المحتفلون بثورة الرابع عشر من تموز غير ذي جدوى.