23 ديسمبر، 2024 3:22 م

لماذا يتدهور قطاع النقل – 4

لماذا يتدهور قطاع النقل – 4

ولا الخطوط التي تم حظر طيرانها مؤخرا في اوربا مع انها تمتلك طائرات حديثة جدا ، ولا الموانيء التي تعمل بالفعل ورد الفعل دون وجود خطة تشغيلية توافق على اقل تقدير جزءا من ثورة التطور الهائل الذي يسود العالم ، حيث تتقاسمها الاحزاب والمتنفذين ، وآخر ما تداوله الاعلام  من وجود ارصفة تدار من قبل مجموعات  او اشخاص ، بعضهم كان يستورد مواد تستخدم بالضد من الدولة كما في موضوع الرصيف العائد الى صالح المطلك واستخدامه من قبل الكربولي في استيراد صواريخ ونقلها بسيارات المسؤولين الى الرمادي ، اما السكك تلك المؤوسسة العريقة ذات التاريخ المشرف سياسيا ومهنيا ، والتي تخرج من ورشها مبدعوا الورش الفنية في الشيخ عمر وغيرها ، كما خرج من بين ظهرانيها فنانون ومثقفون اغنوا الحركة الفنية والثقافة العراقية ، خلال فترة الخمسينيات والستينيات ولحين سيطرة البعث والغاء التلون الثقافي والفني الذي كان يميز المدجتمع العراقي ، وبقطاراتها تغنى شعراءنا العمالقة ، فمن منا لم يسمع او لم يقرأ قصيدة المبدع مظفر النواب الريل وحمد ، وللرياضة نصيب من تاريخ هذه المؤوسسة ، فنادي الزوراء هو نادي السكك ، كما كان للسكك نادي اجتماعي مرموق في الصالحية ، تستأجره رئاسة الجمهورية انذاك لاقامة حفلات استقبال الرؤوساء المدعوين لزيارة العراق ، وعند مجيء صدام حسين لسدة الرئاسة في سبيعينيات القرن الماضي امر بالحاقه الى المجمع الاذاعي ، اليوم هذه المؤوسسة العريقة بكادرها الحالي وتخلف الاسلوب الاداري الذي يلف اركانها غير قادرة اطلاقا لادارة اية خطط تطويرية التي لابد منها عند البدء الحقيقي لبناء الدولة من جديد ، حيث تحتل السكك اليوم الركن الاساسي في النهوض الاقتصادي والعمراني في كل ارجاء المعمورة من الارض بل ان عصرنا هو عصر السكك ، التي عما قريب سوف تنافس الطائرات بسرعها ، وكما نرى ونتابع يتم رصد بلايين الدولارات لاقامة مشاريع السكك لاستبدال المنظومات القديمة بمنظومات مذهلة حتى في دول كنا نعدها من الدول المتخلفة او غير القادرة على مجاراة التطور في العالم ، واعتقد جازما لابد  من الغاء الحالية واعادة هيكليتها تحت اشراف شركات مرموقه ، لانها بوضعها الحالي مع ما لها من امكانيات فنية وبنى تحتية وان كانت قديمة ، غير قادرة للاستجابة لمتطلبات النقل المحلي لفترة ما بعد داعش ، ناهيك عن عدم قدرتها في ادارة المشاريع المستقبلية  في اقل تقدير كما اشرنا ، اما شركة نقل الركاب فهي في تيه حقيقي ، فبعد هذا اليأس الذي نشعر به الان لا نطمح  بالانماط الحديثة التي تلف العالم بل جل امنياتنا ان تعود الى ما كانت عليه من تنظيم ودقة في العمل لتكون مساهم فعال في حل مشكلة النقل الداخلي الذي تتعاظم يوميا والتي تسبب خسارة للدولة تقدر وحدها بخسائر سنوية لاتقل عن عشرات المليارات ( لدي احصائية شخصية واستنادا الى معطيات دراسات دولية ، تقدر خسائر العراق بعشرات المليارات من الدولارات سنويا ) ، نتيجة الوضى العارمة التي تسود طرقات بغداد والتلوث الناجم عن غازات عوادم الاعداد المتزايدة للسيارات والامراض الخطرة الناجمة عن ذلك التي تقدر مليار دولا ناهيك عن حوادث الطرق بسبب الازدحامات ، ربما هنا لا نهتم بمثل هكذا دراسات ، لكن في جميع انحاء العالم يتم تقييم كلفة الازدحام وعلى ضوء ذلك توضع المعالجات واحيانا على حساب مشاريع خدمية توصف بالمهمة ايضا  ،  فمثلا قبل ثلاث سنوات اعلنت الامارات انها تخسر بسبب ازدحام الطرق بحدود 5 مليار درهم سنويا ، مع ان مدنها حديثة وشوارعها عريضة جدا ، لذلك لجأت الى سن قوانين واضافة انظمة نقل لتقليل خسائر الازدحام ، هذا مثال في بيئة قريبة منا ، اما  المدن في الدول المتقدمة والتي تمتلك انظمة نقل عامة كفوءة جدا تغني عن استخدام وسائط النقل الخاصة ، وشوارع غير مكتظة ، تبلغ خسائرها السنوية جراء الازدحام الى مبالغ كبيرة ، نموذج واحد فقط ، ففي الولايات المتحدة سجلت احدى الولايات خسارة تصل الى 11 مليار دولار سنويا (عام 2010)، في حين ان مدننا القديمة في شوارعها والتي تفتقر الى انظمة نقل عامة كفوءة حتى في ابسط صورها ، مع استمرار وتيرة الاستيراد غير المقنن للسيارات ، اضف الى ذلك وضعنا الاستثنائي المتمثل بوجود السيطرات الامنية جعل مدننا لاتطاق اطلاقا ومصدر ازعاج وهذا ايضا يتم ترجمته الى خسائر مادية عبر مراكز المسح التي نفتقر لها ،
حتى الومضات المضيئة التي تم استنباطها في الفترة التي سبقت عام 2003 ، وان كانت حلولا انية ، لكنها كانت فعالة في المعالجة الظرفية  ، هذه ايضا افرغت من محتواها المهني ، فمثلا وخلال فترة الحصار وحاجة الدولة الى موارد مالية ولامتصاص الايدي العاملة ، تم تأسيس هيئة النقل الخاص والتي كانت مصدر تمويل كبير جدا للدولة ، لكنها في نفس الوقت سيطرت على تنظيم النقل الداخلي داخل المدن وبين المحافظات وكذلك النقل الخارجي  ، وحددت اجور النقل لجميع الخطوط داخل وخارج المدن وبين المحافظات ، مع التأكد من صلاحية السيارات ، ولاجل ذلك انشأت المئات من الكراجات لتنظيم النقل ، اما اليوم فان الهيئة عبارة عن جباية فقط ، لا تعير اهمية لتنظيم النقل ولا السيطرة على الاسعار ، وجل عملها الان يتركز في السنوات الاخيرة ينحصر فقط  في تجديد الكراجات المقامة سابقا من خلال نصب هياكل حديدية لتغطي كل مساحات الكراجات الواسعة  ؟؟ كما سلفنا انفا  ، وجلها اصلا غير مستخدم وخصوصا في بغداد ونتيجة لذلك ، صارت الساحات العامة والشوارع والتقاطعات الرئيسية  في شوارع بغداد الرئيسية كراجات لانطلاق الحافلات بمختلف انواعها ، منا تسببت في اختناقات مرورية وخصوصا عند الذروات ، والادهى من ذلك لا احد يعيد الجدوى لهذه الكراجات وامكانية تبديل مواقعها مع استمرار نمو واتساع المدن ، فمثلا ان يجدد بناء كراج النهضة بملايين الدولارات الذي اختير موقعه في خمسينيات القرن الماضي لجانب الرصافة مثلما اختير كراج العلاوي في جانب الكرخ لكون موقعيهما كانا يمثلان حدود بغداد وقتذاك ، فأن دل على شيء فانما يدل ان قرار أعادة تاهيلهما وهما في نفس الموقع ، ينم عن عدم مهنية القائمين على هذا النشاط وهم كذلك حيث ان من تولى هذه المهمة هم من خارج عائلة النقل و جاءوا بتوصيات خاصة ، ناسين ان التطور المستقبلي لبغداد كمثل غيرها من مدن العالم الاخرى التي تضاهيها من حيث الكثافة السكانية سوف يحتم عليها توفير محطات للقطارات (مثلا في لندن التي تزيد عن سكان بغداد بحدود قليلا ( اخر احصائية بحدود 8,5 مليون نسمة )  فيها ستة محطات قطار رئيسية ينطلق في كل محطة منها وعلى رأس كل ساعة قطار) ونحن نجدد كراجات بملايين الدولارات سيعفي عنها الزمن لاحقا عند البدء بتطوير قطاع النقل الذي لابد من الشروع به منذ الان لكون مشاريعه تحتاج الى سنوات للانجاز ، سيما وان الجهود منصبة على انهاء الارهاب وتوابعه قريبا عندها سندخل دوامة اخرى هي ضغط الخدمات واهمها النقل  مما يدلل على عدم مهنية القائمين عليه ، ونرى المحطة العالمية وهي المحطة الوحيدة في العاصمة بعد ان الغيت نحطة شرقي بغداد من زمن طويل ، هذه ايضا ربما ستصبح لاحقا مجمعا سكنيا بعد زحف عليها البناء السكني
ربما نعذر الوزراء الذين اتوا قبل الزبيدي ، لان لا احد منهم تحدث عن عبقرية في مواهبهه (باستثناء واحد لفترة قصيرة كانت انجازاته على الورق اكثر من الواقع ونسب الى نفسه انجاز مشاريع اصلا كانت منفذه في ثمانينيات القرن الماضي )  ، لكن يبدو ان هذه المواهب قد خانته في تصويب قطاع النقل نحو الافضل ، وجعل هذه الوزارة تتراجع بدلا من تنهض من جديد ، حيث افاق العمل واسعة ورحبة جدا للمساهمة في بناء الدولة والمجتمع والاسهام بشكل فاعل في حفظ الامن ، وكذلك توفير مليارات الدولارات التي تستهلك سنويا  نتيجة فوضى الادارة واغفال اهمية النقل، بل يمكن ان يوفر هذا القطاع المليارات لصالح ميزانية الدولة و تحويله من مستهلك وضعيف في اداء الخدمة المتوخاة الى منتج وكفوءربما لم تستوعب هذه الاوراق كل ما يتصل بقطاع النقل لكون الاخير واسع جدا ومتشعب ويدخل في كثير من التفرعات للقطاعات الاخرىاننا نعتصر الما ونحن نرى حال هذا البلد الذي يمكن له ان ينهض من كبوته وان يستبدل سنوات الالم والحسرة في مدة قصييرة جدا ، نظرا لما اودعه الله سبحانه وتعالى فيه من ثروات بشرية ومادية كفيلة بتعويض كل الخسائر التي فرضتها عقود من التخبط والادارة السيئةومن الله التوفيق والسؤودد
[email protected]