لا نزال نسمي ما حدث من انتفاضة في البرلمان لعدد من النواب الأحرار ضد رؤساء كتلهم حاملي ألوية الطائفية والمحاصصة والتستر على الفساد والسرقات بالحركة التصحيحية رغم ركوب عدد آخر منهم الموجة بتوجيه من كتلهم ولأسباب شخصية نفعية وثأرية إنتقامية وليست وطنية هادفة فعلاً الى التغيير والإصلاح.مع ذلك كنت أتوقع خفوت جذوة هذه الحركة لأسباب متعددة ذكرتها في مقال كتبته الاسبوع الفائت في موقع كتابات الموقر بعنوان ( نحن 100% مع الاصلاح والتغيير ………) والتي تحققت اغلبها كما توقعنا خلال اليومين الماضيين وهذه الأسباب هي: – التدخل الأميركي :تحرك عدد من السياسيين الأميركيين لوقف اي تغييرات في المناصب الرئيسية وخاصة الهيئات الثلاث ، فعلى سبيل المثال وخلال اجتماع عقده رئيس ائتلاف متحدون للاصلاح اسامة النجيفي مع برت ماكغورك الموفد الرئاسي للتحالف الدولي وستيوارت جونز السفير الأميركي في العراق وصف فيه المسؤولان الاميركيان ما حدث في مجلس النواب بأنها عملية غير شرعية وهي ضد الدستور والأنظمة وان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يرفضون أي تغيير يتجاوز الأساليب الديمقراطية والدستور .
التدخل الإيراني : عادت ايران للتدخل في حل الأزمات الكبرى في العراق بما يتلائم ومصالحها وليس بما يطمح اليه الشعب العراقي . ومن خلال حماية رجالاتها في العراق تحت غطاء المحافظة على وحدة البيت الشيعي وعدم تمزقه وتشرذمه . فجمعت في بيروت عدد من قادة الكتل الشيعية المتنافرة من اجل المصالحة وترتيب أمور البيت الشيعي المستعصية . وهم بذلك ينكرون على العراقيين حقهم في تقرير مصيرهم والتطلع الى بناء مستقبلهم ومستقبل أجيالهم .
تحذيرات الامم المتحدة :حذرت الامم المتحدة من أن العراق يمرّ بمرحلة بالغة الصعوبة في تاريخه واكدت ضرورة انخراط نوّاب العراق المنتخبون وقياداته السياسية في عملية حوار تهدف لإيجاد حلول تستند إلى مبادئ الديمقرطية والشرعية ، وأعربت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) عن قلقها العميق إزاء الأزمة السياسية المستمرة في البلاد، وأهابت بقادة العراق الإنخراط في حوار بنّاء لحلّ خلافاتهم. وقال جيورجي بوستين نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق القائم بأعمال رئيس البعثة إن الأزمة تهدد بشلّ مؤسسات الدولة وإضعاف روح الوحدة الوطنية. هذه التحذيرات هي بالأصل سياسية تعلن بدفع من الولايات المتحدة والدول الكبرى وتطلق على لسان المنظمة الدولية المسيطر عليها من قبل هذه الدول بناءً على سياساتها ومصالحها المختلفة .مؤكدة على أن تنصب كافة الجهود على محاربة تنظيم داعش، وتنفيذ الإصلاحات، وإنعاش الاقتصاد، وإعادة الحيوية والنشاط في أداء الدولة .
التهديد بمخاطر داعش وتجنب التأزيم السياسي : حذر المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للتحالف الدولي بريت ماكغورك وسفير الولايات المتحدة في بغداد ستيوارت جونز الاسبوع الماضي من تداعيات التطورات السياسية الراهنة في البلاد في لقاء جمعهم والرئيس العراقي فؤاد معصوم . وأشارا إلى أن أي تغيير يتم عبر تجاوز هذه المعايير يوفر لداعش مساحة تتنفس من خلالها كما يضعف الجهود المبذولة للقضاء عليها .كما اشارا الى ان الاستقرار في العراق يساعد كثيرا في تأمين وتسهيل الدعم الدولي المطلوب حيث اتجهت الأزمة السياسية في العراق الى المزيد من التأزيم مع تصويت اعضاء مجلس النواب العراقي الخميس قبل الفائت لصالح إقالة رئيس المجلس سليم الجبوري بسبب خلاف حول تسمية وزراء جدد اقترحهم العبادي بين مؤيدين لوزراء تكنوقراط ومتمسكين بامتيازات الأحزاب السياسية.
صندوق النقد الدولي والتهديد بوقف القروض المالية :قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في العراق كريستيان غوتش الاسبوع الماضي وفي أعقاب الحركة التصحيحية في مجلس النواب بأن الصندوق يدرس ايقاف المساعدات المالية المقدمة الى الحكومة العراقية بسبب الارباك الحاصل في مجلس النواب.وأضاف غوتش ,” أنه تم التوصل لاتفاق خلال الاجتماعات التي عقدت في واشنطن خلال شهر أبريل/نيسان على منح العراق قرضاً مالياً , وبين غوتش إن “العراق سيحصل بمقتضى الاتفاق على تمويل بنحو 15 مليار دولار ثلثه من صندوق النقد الدولي والباقي من مؤسسات دولية ومانحين آخرين”.
مكيافيلية رؤساء الكتل الكبيرة :جميع رؤساء الكتل واعوانهم من السياسيين والمطبلين لهم تحدثوا عن رغبتهم ومساندتهم ودعمهم للإصلاح والتغيير عندما وصلت التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ذروتها نهاية شهر آذار الماضي ، ولكنهم ما لبثوا إن إنقلبوا على ما أعلنوا ونكثوا كعادتهم بوعودهم التي قطعوها لجماهيرهم التي يسيرونها كيفما شاؤوا . وأعلنوا رفضهم للتغييرات الوزارية بعد انفضاض اعتصامات الصدريين والمدنيين مطلع الشهر الجاري.
براغماتية النواب التوابع :عدد كبير من نواب الشعب وللاسف قرارهم ليس بأيديهم بل بأيدي من جاء بهم من رؤوساء الكتل الكبيرة وأغلب هؤلاء يتبعون كتلة بعينها ، لذلك جاءتهم الاوامر بضرورة انتهاز الفرصة في الانضمام الى المحتجين والمعتصمين في البرلمان بالضد من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء لأسباب انتقامية وثأرية نتيجة لفقدان مناصب ومنافع وإمتيازات وليس لأسباب تتعلق بالوطنية آو المبدئية الهادفة الى الاصلاح الفعلي . وهم بذلك كانوا عامل أساس في تشويه صورة وسمعة الاحتجاجات والاعتصامات وكانوا في نفس الوقت بيضة القبان التي تتلاعب بمصير تجمع النواب المعتصمين ، فعند الضرورة ينسحب ثلة من هؤلاء لكي لا يكتمل نصاب المجلس وبذلك يفشلون مساعي وتوجهات من أطلق شرارة الحركة التصحيحية وَقّادها ، وهو ما لحظه التيار الصدري الذي أعلن انسحاب نوابه من الاعتصام هذا اليوم قبل أن تحصل الحركة الميكافيلية المتوقعة.
تشتت بوصلة التيار الصدري لم تستقر سياسة التيار منذ بدء التظاهرات التي عول الشعب فيها على هذا التيار الذي يمتاز بوطنيته وصدقه كونه متجذر فكراً وقيادات وجماهير في أرض هذا البلد العريق ، فهم لم يأتوا كغيرهم برعاية المحتل ، بل انهم قاوموه رغم انضمامهم للعملية السياسية الذي يعتبره البعض سبة او مثلبة وقد برر بأنه لا بد منه من أجل المراقبة والتقويم رغم ما اكتنف المسيرة بعض الهنات الفردية والشخصية .فقدان البوصلة حيرت الجميع وكأنها اجتهادات وليست سياسة مدروسة . فمن العمل ضمن الحكومة والبرلمان الى الانسحاب منهما ثم العودة إليهما ، وبين تظاهر واعتصام ودخول محدود للخضراء ثم إنسحاب مفاجيء . والى عودة الاعتصامات من قبل البرلمانيين في داخل البرلمان ، أعقبه تظاهر فتطويق لوزارات ومؤسسات ، ثم انسحاب النواب من اعتصام البرلمان اليوم والذي فسره البعض بالفراق البائن مع من أراد ركوب الموجة من أعداء وخصوم التيار اللدودين ، وهو إجراء صحيح ولكن ما هو البديل لإدامة روح الاحتجاج والرفض للمحاصصة والفساد وغيرهما ومن ثم التصحيح والتغيير نحو الاحسن ؟ إن عملية الانسحاب قادت الى انفراط عقد النواب المعتصمين ونجحت خطة السياسيين المسوفين في اعادة انتاج التسويف للمرة المئة ، وكأن هؤلاء الإسلاميين لم يسمعوا بالحديث النبوي ( لا ينكح المؤمن من جحر مرتين). فأين تتجه في الغد بوصلة التيار التي نرى أن تعمل على وقف عمل مؤسسات الدولة التي تسير باتجاهات خاطئة منذ سنوات ، ولحين تطهير هذه المؤسسات من خلال اقالة وزراء ووكلاء ومدراء ومستشارين ليعاد تعيين أكفاء خارج المحاصصة ، فوقف المسيرة لأيام من اجل التصحيح خير من استمرارها دون توقف باتجاه الأخطاء المدمرة والكارثية . فالقضاء ووزارات الثقافة والعدل والخارجية والتجارة والهيئات المستقلة وأمانة بغداد وغيرها تسير في اتجاهات خاطئة بسبب المحسوبية وعدم الكفاءة والفساد الذي هو الابن غير الشرعي للمحاصصة مما أدى الى انهيار شبه كلي للبلد ، فهل أنتم راغبون بالانهيار الكلي لا سامح الله من خلال سكوتكم المبرر بالحلول الجزئية والتوافقية الدخيلة علينا كمرادف منمق للمحاصصة المقيتة ؟ العوامل اعلاه أثرت بشكل كبير في وأد الحركة التصحيحية في مهدها قبل ان ترى النور وكأنها زوبعة في فنجان وخذلت الجماهير في أن تحقق طموحاتها التي أرى أن أعينها عادت لتتطلع لما سيفعله التيار الصدري في قابل الأيام وهم يأملون أن يقوم بتغيير وإصلاح ما أفسده الدهر . انه ضوء في آخر النفق .