يعدّ المختصون في أنظمة الضرائب بأن الثقافة الضريبية للمجتمع هي من أهم العوامل التي تساعد على نجاح النظام الضريبي في البلد.
أبدأ مقالتي بتساؤل بسيط هو(لماذا يدفع المواطن الأوروبي جميع الضرائب المترتبة عليه بكل قناعة وبدون أي تهرب, بينما يتفنن المواطن العربي ومواطن الدول النامية في التهرّب من دفع الضرائب؟)
الإجابة عن هذا التساؤل ليست سهلة لأنها تحتاج لدراسة الفجوة الكبيرة في أنظمة الحكم وثقافات المجتمع العامة بين الطرفين ، فالمواطن الأوروبي عندما يدفع جميع أنواع الضرائب المترتبة بذمته الى الحكومة وبكل شفافية وقناعة, فإنما يدفعه لهذا التصرف هو الثقافة الضريبية الصحيحة للمجتمع بشكل عام وللمواطن بشكل خاص وثقته المطلقة بأداء حكومته حيث أنه على يقين بأن المبالغ التي يدفعها بيده اليمنى للحكومة كضرائب مختلفة سيعود ويستلمها بيده اليسرى على شكل خدمات عامة مختلفة مثل( تحسين وسائل التعليم والصحة والنقل والكهرباء والماء والمجاري ووسائل الترفيه وتحسين الطرق وغيرها الكثير) فلذلك هو يدفع الضريبة وهو مرتاح البال ومطمئن من انسيابية النظام الضريبي وشفافيته بالكامل فهو يعرف مدخلات الوعاء الضريبي ومخرجاته التي تصب في خدمته وخدمة المجتمع, أما الطرف الثاني وهو المواطن العربي والمواطن الذي يعيش في الدول النامية فانه يتفنن بالتهرب من جميع أنواع الضرائب لعدم ثقته بالنظام الضريبي بالكامل وعدم ثقته بحكومته لانعدام الشفافية وانتشار الفساد في جميع حلقات التطبيق للنظام علاوة على انه على يقين كامل بأن الضرائب التي يدفعها للدولة لن تعود عليه بأي فائدة ونتيجة ملموسة لواقعه الاجتماعي لأنه يعاني بشكل مستمر من نقص في جميع الخدمات الرئيسية من كهرباء وماء صالح للشرب وتدهور شبكات المجاري ونقص الخدمات الصحية وتردي في أساليب التعليم ورداءة الطرق ونقص كبير في وسائل الترفيه وغيرها من التفاصيل اليومية, وفي المحصلة فانه على ثقة دامغة بأن مخرجات الوعاء الضريبي في بلده لن تكون لصالحه مطلقاً فلذلك يتهرب من دفع الضرائب ويعتبرها أحد أنواع الظلم الذي تمارسه الحكومة بحقه وهو غير ملام بذلك.
خلاصة ماأريد قوله هو أن أي حكومة تريد النجاح لنظامها الضريبي فعليها أولاً كسب ثقة المواطن الذي يعدّ هو الحلقة الأساسية في هذا النظام لأنه هو العنصر الرئيس في ملأ الوعاء الضريبي, وكسب هذه الثقة تحتاج لخطوات جادة وحقيقية أولها كشف انسيابية العملية الضريبية للجمهور بحيث يتم إطلاعه عن كيفية إنفاق هذه الأموال, وثانياً العمل على اتخاذ إجراءات حقيقية لوضع خطط سليمة لإنفاق أموال الضرائب في تحسين الخدمات العامة للمجتمع بشكل حقيقي يلمسه المواطن على أرض الواقع وعليها محاربة الفساد بصرامة وبقسوة في مؤسسات ودوائر الضرائب التي تنتشر فيها عمليات فساد يشيب لها الولدان.