ما الذي يدفعنا الى التضامن مع حوادث الاختطاف في العراق وان نقف بشكل دائم مع الضحية ؟ وان نرفض انتشار هذه الظاهرة، وندعو الى إيقافها بأي شكل، كيف يمكن لكمية هائلة من الناس ان تتضامن وتتعاطف مع الجاني، دون ان تعير أهمية للضحية.؟
تعتبر حوادث الاختطاف في اي بلد في العالم، مظهر من مظاهر الجريمة، وتسعى بذلك الكثير من الحكومات إلى الحد منها، لا السكوت عنها، وغالبا ما ترتبط جرائم الاختطاف بالمال، ونادرا ما تكون لأسباب أخرى، وهي بنسبة لا تضاهي الدافع المادي بذلك.
وبالرغم من تراجع الحياة المدنية في العراق في السنوات القليلة الماضية، فأن ظاهرة الاختطاف أخذت منحى اخر من الأحداث، فبعد ان كانت تقوم على أساس الابتزاز والمال او لأسباب طائفية، الآن تحصل بسبب مادة او رأي كتب على “فيسبوك”، ينتقد مظهر من مظاهر الفساد او شكل من أشكال النفوذ المتنامي وغير الشرعي.
تشكل الانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي احد ابرز الأسباب التي تدفع اي جهة مسلحة تشعر بالخطر ان تقوم بهكذا فعل، وهي قادرة على ان تفعل اي شيء بالضحية، دون ان يجرأ احدا ما ويتهمها ، وهذه طريقة فعالة لقمع الأصوات المعترضة والمنتقدة لمظاهر الفساد والخوف والإرهاب .
استطاعت تلك العصابات والجهات المسلحة ان تخطف الدولة والنظام وان تضعهما في مكان ضيق، بحيث لا يسمح لهما ان يديران الحياة ، واستمر الامر طويلا، على الرغم من فترة الهدوء النسبي التي حصلت، لكنها عادت الان بعناوين عريضة.
ومنذ سقوط الموصل وظهور داعش، اختلفت الدولة كثيرا، وظهر سلطات أقوى منها، هذه السلطات هي من تقود الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتمارس نفوذا قويا، وتوجه المزاج العام من خلف الكواليس وامامها، واستطاعت ان تدير دفة الأمور بشكل قوي ومؤثر في سياق الأحداث.
قد يعتقد البعض ان دائرة الاتهام تطال الحشد الشعبي، لكن المؤكد ان من قام بهذه الأفعال استغل هذا الاسم بشكل واضح، ومورست أفعال وحشية تحت هذا العنوان، ومحاولات مستمرة للإساءة إليه، وهو بصراحة إحراج للسلطة.
هذا السلوك لا يختلف عن محاكم التفتيش او المحاكم الشرعية او هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدول والانظمة التي قامت على أساس شمولي، لا ترغب بالتعددية السياسية او الدينية، والرافض لكل أشكال الحياة المدنية الحديثة.
مشاهد الاختطاف وارتفاع منسوب الفوضى في البلاد، يجعلنا نقف بقوة، إزاء اي حالة اختطاف، سواء كان الضحية مواطن عراقي او غير عراقي، ليس للسبب الانساني فقط والوقوف مع الضحايا، بل ثمة سبب اخطر من ذلك، هو انه قد يكون وقع علينا الدور في أية لحظة، لا نعرف بالضبط متى، لكن عاجلا ام اجلا، ثمة من يرصد اي صوت عالي في العراق، وسيسعى الى إسكاته بكل الطرق.
الى جانب استفحال العصابات المسلحة ، تستفحل ايضا سلطة القبيلة التي مسكت الحياة من جانب اخر، وهو بالمجمل تهديد لامن وسلطة الدولة في تنفيذ قوانينها على المواطنين وردع حالات الفوضى والتمرد على القانون وليس النظام.
هذا ما يحدث غالبا حينما تكون الدولة غائبة تماما وغير قادرة على مجابهة تلك السلطات التي قوت بفعل ضعفها، والتي كشفت اننا إزاء مواقف لا نحسد عليها، لا سلطة دولية يمكن إيقاف ما يجري ولا سلطة محلية أيضا ان تضع حدا لذلك، اما الحديث عن مبادئ الشفافية ومكافحة الجرائم، فهو يكاد ان يكون حديث عاطفي لا اكثر.
فمن لديه السلطة والنفوذ والمال ولديه موارد بشرية هائلة، يعرف متى ينطلق ومتى يتحدث بالديمقراطية، ومتى يكون قادرا على القمع ويعرف أيضا متى يصل إلى السلطة بأصوات الأغلبية.