قد يستفهم البعض ويتعجب من موقف التيار الصدري الذي اعلن المقاطعة للانتخبات المحلية لمجالس المحافظات لعام 2023 رغم نتائجها بالنسبة للتيار الصدري محسومة سلفا له ، لما يمتلك من قاعدة جماهيرية ضمن حسابات الحجوم والارقام الانتخابية كأصوات تضمن له فوز ساحق ويتصدر النتائج في اغلب محافظات الوسط والجنوب واغلب العراقيون والمراقبون للشأن السياسي يعرف هذه الحقيقة دون الخوض في اجتهادات التفسير والتحليل .
اذا هكذا فوز مضمون ومكاسب سلطوية لايمكن لاي تكتل او حزب سياسي يتنازل عنها ، اذا لماذا قرر التيار الصدري مقاطعة الانتخبات وعدم خوضها ؟!. فضلا عن انسحابة من الحكومة وسحب نوابه البرلمانيون واعلن استقالتهم رغم انه القائمة الفائزة الاولى ب 74 مقعد برلماني في اخر انتخبات برلمانية جرت10 اكتوبر بعام 2021
ان عملية استقالة نواب التيار الصدري احدثت زلزال وصدمة لكل مهتم ومحلل وحزب سياسي ، حيث ان الكل اعتبر هذه الخطوة خطأ ستراتيجي فادح اقدم عليه السيد مقتدى الصدر بل انتحار سياسي ، وهو كذلك حسب رئيتهم لان منظارهم للسياسة هو التكسب والحصول على الامتيازات والتمتع بالمال العام لان المنصب لديهم عبارة عن مغانم ومنافع شخصية وعائلية وحصانة من المسائلة.
يمكن الاجابة عن هذه التساؤلات وغيرها بعده دوافع دفعت بزعيم التيار الصدري للاقدام على الاستقالة من تشكيل الحكومة والمقاطعة للانتخابات غير مكترث بالامتيازات لا مكره بل بمحض أرادته ، ذلك من اجل تصحيح المسار لبناء اسس صحيحة للدولة العراقية بعيدا عن المحاصصة والتوافق السياسي الذي جر الويلات على الدولة والشعب اجمع .
الدافع الاول :-
النضوج والتحرر الفكري السياسي للتيار الصدري في القرارات كحركة شعبية سياسية تلامس وجدان الواقع والشعور بشرائح الشعب بكل مكوناته دون الاملاء عليه من خارج الحدود ، تبلور هذا النضج عن ولادة برنامج سياسي اصلاحي لبناء الدولة من خلال انتهاج منهج الاغلبية السياسية في الادارة والحكم ، قبال عملية الهيمنة و التسلط السياسي وفق مبدأ المحاصصة والتوافق الذي حكم العراق منذ عقدين من الزمن لم يشهد العراق اي تطور يذكر عدى الفساد والهدر للميزانيات الانفجارية وتكسب الكتل والاحزاب السياسية وبزوغ ظاهرة حكم العوائل على حساب الشعب .
الدافع الثاني :-
المقاطعة اسلوب حضاري يتوافق مع النظم الديمقراطية في علم السياسة ومنسجم مع الدستور العراقي ، وهو اشد وقع على الخصوم من مشاركتم ، لذا ان مقاطعة التيار الصدري للانتخابات وعدم الاشتراك في حكومة محاصصاتية جميع الكتل السياسية والاحزاب مشاركون فيها ولايوجد معارض ، اعلن موقفة الصارم بأن التيار الصدري معارض من اجل خلق حالة من التوازن السياسي وان لم يكن مشارك في الحكومة ، لما يملك من ثقل جماهيري تابع لتياره ، الا ان السيد مقتدى الصدر يسعى جاهدا لاستنهاض ههم اعلى نسبة من المغيبين من جمهور الشعب عامة مستند على دافع رصين اسس له السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه حينما قال (ان الجماهير اقوى من الطغاة ) .
الدافع الثالث :-
قرار زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بالانسحاب قد يراه الاغلب الاعم هو خسارة سياسية لحجم التيار لما له من وجود جماهيري ، نقول بصحة هذا الراي اذا نظرنا له من زاوية مادية بحته ، الا ان السيد مقتدى الصدر لم يكن ساعيا لهذا الكسب المادي بقدر مسعاه ان يكون الكسب معنويا ، والمستفيد الاول منه العراق دولة و شعبا وان يسعود حكم القانون و النظم المؤسساتية في العراق . كونه يطلب التاسيس لبرنامج سياسي مغاير لما ساد العراق من ظلمة المحاصصة الى نور الاغلبية السياسية .
الدافع الرابع :-
من خلال المقاطعة يريد السيد مقتدى الصدر ان يبين للجمهور العراقي ككل وليس التيار الصدر فحسب ان مشروعة تعدى النطاق للقاعدة الصدرية بل يسعى جاهدا من خلال مقاطعة الانتخابات رغم يقينه بالفوز هو ايصال رسائل للشعب العراقي اجمع ان منهجة بناء دولة وليس الاستحواذ على الحكومة لغرض الحكم .
وهذا مؤشر يستدل به على ان المشروع الذي تبنها ويطلبه السيد مقتدى الصدر من خلال برنامجه السياسي هو عابر للفئوية والمذهبية والقومية لان القاسم المشترك للبرنامج هو دولة العراق التي تسع جميع مكوناته دون تميز طائفي او عرقي .
الدافع الخامس :-
مناغمة الحس الوجداني للشعب العراقي وايقاض روح التفاعل وعدم الياس والركون من خلال استلهام همم الشعب بعدم الاتكال على الغير لتغيير الحال ، وعلى الشعب عامه وليس التيار خاصة النهوض بالحمل من اجل تحقيق المطالب الحقه وتثبيت اركان البرنامج الاصلاح السياسي والنتائج مرهونه بمقدماتها كما يعبرون ، والمقدمة الاولى للاصلاح حسب متبنيات زعيم التيار الصدريحكومة اغلبية سياسية حاكمة واخرى معارضة ليتحقق التوازن في الادارة والحكم .
فأن غاية المؤمول للسيد مقتدى الصدر بناء عقول بذهنية نيره لعصمتها من الوقوع مره اخرى في فخاخ المتصيدين ، وان اي بناء لابد له من وقت وتضحيات وهذا ما سعى له وقدم التضحية بالمكاسب الدنيوية من اجل بناء عقول واعية مدركة حجم المسؤولية لتتحمل اعباء المرحلة القادمة . ولهذا ان ما اقدم عليه زعيم التيار الصدري بالاستقالة للنواب الصدريين ومقاطعته للانتخابات المحلية التي اصلا يعتبرها حلقه زائده وبابا من ابواب الفساد المالي والاداري هي جزء من برنامج سياسي اصلاحي مقابل عملية التوافق والمحاصصة .
لذا نرى ان هذه الدوافع وقد يضاف لها دوافع اخرى جعلت السيد مقتدى الصدر ان يشق لوحده طريقا طالبا للاصلاح في العراق معتمدا على الوعي الثقافي والنضوج الذهني والرجوح العقلي للشعب العراقي عموما في التمييز بين الصالح والطالح .
وعليه نرى الخصوم متخوفين من تحركة هذا و اعتمدوا بعض الطرق من اجل استمالته او استفزاز تياره لايقاعة في بعض المشاكل مع الشعب من خلال افتعال بعض الحوادث كألاعتداء على بعض المقرات الحزبية والتمزيق لبعض الدعايات الانتخابية ، فهذه الافعال مرفوظه وغير متبناة من قبل التيار وقد شجبها ومن يقف خلفها ، ولا نستبعد ان نفس تلك الاحزاب هي من تقف خلفها من اجل كسب العواطف .
وما يؤكد ذلك للماكنة الاعلامية للحملات الدعائية للاحزاب والتكتلات الشعية نرى انهم ينتهجون نفس النهج والحس الطائفي والبكاء لاستمالة العاطفة في ما يتعلق بالمكون الاكبر الشيعي ، وان المقاطعة وعدم المشاركة هو اذلال للمذهب !!!! فهذا ان دل يدل على فراغهم من اي انجاز يحسب لهم ليستندون عليه سوى استمالة لعواطف الناس باسم المذهب ، ان العزف على الوتر الطائفي والتباكي على حجم الكتله الشيعية الاكبر وغيرها من الافعال التي يندى لها جبين الانسانية كل هذا واكثر مقابل ان يبقوا على عروشهم الزائله وان كان الثمن الخنوع او الذل او اراقه الدم الحرام .
رغم ذلك قابل زعيم التيار الصدري هذه الحملات المفبركة والمجعوله والمفعولةبالحكمة بعدم الرد او اعطاء اهمية لهم ، لانه يسعى لبناء برنامج دوله مؤسساتية قوامها الشعب العراقي وليس الفئوية الحزبية الضيقه ، كما ان ابناء الشعب العراقي لديهم من الحس والدراية الكاملة لما خلفته احزاب المحاصصة والتوافق من دمار في العراق ادى لتغيب دور وهيبة الدولة .