كنت ولازال أعتقد ان الرئيس مام جلال يستخدم زلات اللسان لاحراج من يعتقدون أنهم أكثر منه حنكة في تقاسم كعكة العراق الأمريكية وغيرها ، لا بل هو يمثل لاعبا محوريا في بغداد وأربيل ، رغم وقوعه في فخ ترك السلطة لغريم تاريخي في هذه الأخيرة.
واعيد التذكير أن هذا الرجل هو من استثنته كل أوامر العفو التي صدرت عن النظام السايق، ربما ليس لآنه أكثر المهددين لعروشهم ، بل لأنه أقرب الى حقيقة تخشاه ألسنة غيره من التقرب منها ، انها ببساطة “اننا لا عبون شبه احتياط في جوقة المتغيرات المفروظة طوعا أوكراهية”، ما يعني أن زلات لسانه محسوبة في قراءة ردود أفعال المتحاربين.
لكن ما لم نتوقعه من الرئيس الطالباني الموقف من مجريات الأحداث في سوريا، والتي ذهب فيها بعيدا حتى عن موقف حلفاءه في كردستان، عندما اعتبر التدخل الخارجي في سوريا أمرا مخيفا ويشكل عنصر قلق بالنسبة الى العراق، في حين يرفع باليد اليمنى دائما شعار المحافظة على المتحقق من الديمقراطية في العراق، وهو أمر يتعارض مع موقفه السوري، حتى أن البعض ذهب فيه الظن بعيدا الى القول أن الطالباني انظم الى المدافعين ن الموقف الايراني في هذه القضية ، لا سيما وأنه لا يخفي علاقاته الحميمة مع طهران.
المفارقة الأصعب أن جميع قادة العملية السياسية وفي مقدمتهم الطالباني وبشهاداتهم أيضا ، نقول أن أغلب هؤلاء ما كان لهم أن يصلوا الى ما هم عليه لولا التدخل الخارجي بشقيه العسكري والسياسي، وما ولده من نرنيبات مستقبلية، ليس أقلها خطورة المطالبة بتواجد أمريكي دائم في العراق لاعتبارات الحماية الشخصية وغيرها.
ورغم أننا ضد كل أشكال التدخل الخارجي، التي تسلب السيادة ولا تحقق الديمقراطية والشواهد على ذلك لا تأتي فقط من العراق، ورغم قناعتنا الشديدة بأن الحل الداخلي هو الأفضل، لكن عندما لا تلوح في الأفق بوادر عقلانية ورغبة في حسم الأمور بعيدا عن نرجسية القوة والقتل المنظم، وعدم الاستفادة من تجارب القريبين في الهدف والنتيجة، نقول انه ووفق هذه المعطيات لا بد من قرار دولي يعيد ترتيب الأوراق، خاصة وأن الجامعة العربية ليست لها ارادة قوية لحد اليوم ، وغير قادرة على فرض أجندتها بسبب ثغرات في سيادة القرار العربي.
لا ندري لماذا يحق لنا ما لا يجوز لغيرنا، ولماذا يتخذ صناع القرار في العراق مواقفا تمثل اهتماماتهم وعلاقاتهم الشخصية، قبل أن تكون نابعة من مصلحة العراق، هذا اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن نفس المسؤولين كانوا قد حملوا النظام السوري مسؤولية خاصة في تنشيط العمل المسلح في العراق، وذهبوا حد المطالبة بموقف دولي من ذلك، قبل أن يعاد ترتيب الأمور بوصايات كثيرة ليس فيها من مصلحة العراق أي شيء.
نجدد القول أننا نريد لسوريا وشعبها كل الخير والمستقبل الآمن، بعيدا عن كل أجندات الغير، ومحاولات تحويلهم الى دروع بشرية تقاتل نيابة عن غيرها، أو لجذب الانظار بعيدا عما يجري شرق أو غرب السوريين، ،ما يستدعي فهما سوريا جديدا يترفع عن الانغلاق الحزبي والطائفي ويفكر في المستقبل قبل فوات الأوان، بعد أن وصلت الأمور الى طريق مسدود وليس ” في كل مرة تسلم الجرة”، كما يقولون.
وندعو سياسيينا الى الالتفات الى شعبهم والتفكير جيدا بما يجب فعله، وعدم رمي الحجر لتعكير صفو المياه الراكدة فقط، والاعتبار بما يجري حولهم، لأن عربة التغيير لم تتوقف بعد، والمنطقة تنتظرها سيناريوهات كثيرة ، وهناك لا عبون جدد في المنطقة، يختلفون في الأهداف القريبة لكنهم يريدو” سايكس بيكو” بالمقلوب هذه المرة، عندها لا تنفع المواقف المفتعلة ورغبة الاصطفاف حسب توجيهات الغير، بينما الصحيح أن يكون العراق هو صاحب الكلمة الفصل في التحديات العربية، لو أن سياسييه اتفقوا على اعلاء شأنه أكثر، بدلا من الدوران حول الذات وانتظار المتبقي من بيادر الغير ، التي ليس فيها غير القشور!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”