هناك ظاهرة تميز الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر هي: من الصعب تحليل ما يفعله اليوم، وأصعب من ذلك توقّع ما سيفعله غدا.
هذا ما يعرفه اكثر المحللين المهتمين بالشأن العراقي عموماً وبالشأن الايراني وما يتعلق به من تحالفت وامتدادات فيما يعرف في القاموس الغربي والخليجي بالميليشيات الايرانية وما يسمى في القاموس الشيعي الموالي لايران بمحور المقاومة
فالسيد مقتدى الصدر مر بتحولات استقرت اخيراً على علاقة متميزة مع المملكة العربية السعودية رافعاً شعار (العمق العربي للعراق) وهو الشعار الذي رسم خطاً فاصلاً بين مرحلة سابقة تحالف فها مع ايران، ومرحلة لاحقة ابتعد فيها عن ايران حتى كاد ان يقع الطلاق بينه وبين طهران.
لكن حائك السجاد الايراني أثبت قدرته الفائقة على الاحتفاظ بالحليف الاسود لليوم الاسود، فهو يحرص على المحافظة على شعرة معاوية مع اقسى المتعاملين معه لكي يحول هذه الشعرة الى حبل متين يلقي به الى من تنكسر سفينته فيسحبه وهو مستسلم له لاجئ اليه.
وهذا ما فعله حائك السجاد حين زعزع الشك ثقة مقتدى الصدر بحليفه السعودي
في اواخر تشرين الثاني من عام 2019 تسرب تقرير مخابراتي عن اجتماع امني عقد على هامش مؤتمر البحرين لحماية الملاحة في الخيلج العربي (نص التقرير آخر المقال) تناول مستقبل العلاقة مع مقتدى الصدر
يعكس التقرير الشكوك العميقة التي تحوم حول الصدر من اقوى حليف له واكبر داعميه: المملكة العربية السعودية.
تتصاعد الشكوك في دوره الى درجة التوصية باغتياله وإلقاء المسؤولية على منافسين لزعامته الدينية اومنافسين لزعامته السياسية، لكن كلا الصنفين من المنافسين ينتمون لنفس الطائفة التي ينتمي اليها مقتدى الصدر
هكذا اغتيال سوف يحقق لمحمد بن سلمان هدفين:
الاول التخلص من زعيم مشكوك بولائه للمملكة لانه يحمل خطورة انقلابه عليها لصالح غريمها الستراتيجي (ايران) دون سابق انذار.
الثاني اثارة فتنة شيعية شيعية ذات شقين : ديني، لان مقتدى الصدر يمثل ما يسميه بالحوزة الناطقة التي هي على خلاف دائم مع مرجعية السيستاني التي يعتبرها الحوزة الساكتة، وسياسي لأنه على خلاف شديد مع تكتلات سياسية مناوئة له تتمنى موته لكنها تتحمل وجوده على مضض لانها تخاف منه
اذا استطاعت المملكة التخلص منه فانها ستحقق كل اهدافها وزيادة ودون ان تخسر شيئا
لكن الحظ لم يحالف الامير السعودي الشاب هذه المرة في التخلص في النجف من مقتدى الصدر كما حالفه في التخلص في اسطنبول من جمال الخاشقجي.
كيف؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة الثانية
——————————————————
ملحق
الوثيقة السرية لمؤتمر المنامة
نص الوثيقة:
مستقبل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر
على هامش مؤتمر البحرين لحماية الملاحة في الخليج والذي عقد في المنامة في 19\10\2019 و بمشاركة دول الخليج واسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الاوربي عقدت اللجنة الخاصة بالعراق جلساتها للتداول في دور العراق في ظل تنامي النفوذ الايراني وتعاظم دور الميليسشات الشيعية.
واستعرضت اللجنة افاق التحولات في الساحة العراقية والقوى الفاعلة فيها وسبل الحيلولة دون وقوع العراق تحت سيطرة ايران بشكل كامل مما يسبب زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط ويهدد امن دول المنطقة والملاحة الدولية ومصالح العالم الحر.
وتناولت احدى الاوراق دور الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ودرسته بعناية لما له من اهمية نابعة من قدرته العالية في التاثير من خلال تياره الواسع الذي يتبعه اتّباعا ثابتا قائما على قناعة دينية مقدسة تجعله فوق المساءلة مما يعطيه قوة تاثير لا توازيها اية قوة سياسية في العراق. وقد اصبح الصدر الرقم الاصعب في المعادلة العراقية بحيث لا يمكن تشكيل حكومة دون موافقته، ولا تصمد حكومة يقرر حلها.
يستند نفوذ الصدر القوي الى ارث عائلي يحتوي على شخصيات دينية وسياسية تتمتع بتقدير كبير خصوصا بعد استشهاد اثنين من رجالها، (ابيه وابن عمه) على يد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كما ساهمت مقاومته للقوات الامريكية بعد تحرير العراق في رفع رصيده السياسي بعد تلقيه دعما من ايران ولاحقاً من حلفاء الولايات المتحدة مما ساهم في ابتعاده عن ايران وانضمامه الى محور الاعتدال والصف العربي.
وقد ساهمت لقاءاته مع قيادات دول المنطقة في الرياض والدوحة وعمان وانقرة في ادخاله الى نادي الكبار وعزله عن التاثير الايراني الذي يريده تابعاً صغيراً ومنفذاً لسياساته، كما اسمهم الدعم المالي لمحور الاعتدال في ابعاده عن ايران التي تعاني بشكل متزايد من صعوبات اقتصادية لا تلبّي طموحاته.
واشارت الورقة الى الدور الايجابي الذي لعبه الصدر في المحافظة على بقاء العراق في المحيط العربي وعدم الوقوع تحت الهيمنة الايرانية التي تمتد من طهران الى بيروت مرورا ببغداد ودمشق، مقدّرةً اهمية ذلك الدور وضرورة استمراره، لكنها شددت على ضرورة اجراء مراجعة شاملة ومعمقة لدوره المستقبلي في ضوء متغيرات يمكن ان تطرأ عليه في ضوء عدة عوامل تنذر بانقلاب الصدر على نهجه الفعلي لاسباب عديدة منها ما يتعلق تغير موازين القوى في المنطقة في ظل تنامي القوة العسكرية لايران وميليشياتها في لبنان واليمن والعراق، خصوصا وان الصدر يرتبط بأكثر من رابطة مع المحور الايراني والمؤسسة الدينية التي ينتمي اليها والبيئة المذهبية التي ينحدر منها والارث العائلي الذي يربطه بها (يلاحظ ان عائلة الصدر تنحدر من اصول ايرانية في اصفهان).
وكشفت الورقة عن تقلباته السياسية سواء على الساحة العراقية او على مساحة الشرق الاوسط فقد شهدت مواقفه من تركيا وسوريا وحزب الله وحتى من ايران مواقف متذبذبة لاسباب متعددة سياسية واقتصادية وحتى لاسباب مزاجية بسبب الاضطراب الذي يعاني منه من الصغر مما يجعل الاعتماد عليه أمراً محفوفاً بالمخاطر.
لاتقتصر المخاطر من التعاون مع الصدر على فشل الخطة التي تعتمد على دوره، بل قد ينتقل – وبدون سابق انذار- الى المحور الايراني في لحظة تبدّل في المناخ الاقليمي مشدوداً بحنين الى ارثه العائلي و بيئته الدينية و ارتباطاته المذهبية فيتحول الى اداة فعالة بيد ايران لتصنع منها نسخة عراقية من ميلشيا حزب الله الذي يوصل طهران ببيروت مرورا بسورية ليجعل المنطقة كلها خاضعة لنظام ولاية الفقيه.
وتخلص الورقة الى اقتراح خطة للاستفادة منه في خطة لعزل العراق عن طهران وحزب الله وذلك على مرحلتين:
الاولى: تسعير الصراع بين المصالح الوطنية العراقية وبين النفوذ الايراني لاشغال ايران بالدفاع عن نفوذها
الثانية: التخلص منه (اي من الصدر) بطريقة غامضة من خلال الحلقة المقربة من انصاره، وإلقاء التبعة على ايران بالاستفادة من سمعته في مكافحة النفوذ الايراني حيث يصبح اتهام ايران بقتله أمراً مفهموماً من قبل الراي العام.
هذه الخطة تضمن دخول العراق في مرحلة فوضى تجعله غير قادر على التحول الى جسر تعبر عليه اسلحة حزب الله من طهران الى بيروت، كما تشغل ايران في حرب شعبية في العراق تضعف نفوذها فيه
يجب ان يتم تنفيذ الخطة بدقة وبهدوء بالاستفادة من الكوادر التي تم اختيارها وتدريبها بعد انعقاد مؤتمر التيار الصدري في انقره في ايار 2009