22 ديسمبر، 2024 8:51 م

لماذا لا يمكن للعراق أن يتطور و يتقدم و يتحضر منذ عام ٢٠٠٣

لماذا لا يمكن للعراق أن يتطور و يتقدم و يتحضر منذ عام ٢٠٠٣

( المقالة الثانية – الإنتماء الوطني )
سؤال بسيط وواضح وبديهي جداً يسأله أي مواطن عراقي عادي من غير المنتمين الى أحزاب السلطة أو من المغيبين وجدانياً وعقلياً أو من المستفيدين بشكل أو آخر من الوضع عموماً ، ألا وهو : لماذا لا يمكن للعراق أن يتطور و يتقدم و يتحضر منذ عام ٢٠٠٣ ، على الأقل ، بعد أن توفرت الظروف العامة لحرية المجتمع للتعبير الحر عن أهدافه وتطلعاته في الحياة الكريمة وإمكانية تطبيق النظام الديموقراطي الصحيح لتتولى النخب السياسية التي يفرزها المجتمع إدارة دفة الحكم لجعل العراق في مصافي الدول الواعدة في مجال التنمية وتحقيق مستلزمات التقدم والتطور السريع . علماً بأن كل عناصر التقدم والتطور من موارد مالية ومادية وبشرية متاحة منذ القِدَم في العراق بشكل واسع وكبير . وأمام هذا التساؤل البسيط والبديهي فإن الجواب على هذا التساؤل هو أيضاً بسيط وبديهي . كانت خلاصة إحدى الأسباب في المقالة السابقة هو ” إن أحفاد حضارة وادي الرافدين ممن تولوا إدارة البلاد سابقاً ومن يتولون الآن مسؤولية إدارة شؤون العراق ومستقبله ما هم إلا حثالات المجتمع من سراق ومجرمون وأصحاب سوابق ومعممين جهلة ومراجع أكثر تخلفاً وجهلاً ” . وفي هذه المقالة سنتطرق الى سبب آخر يعزز الجواب للتساؤل البسيط والبديهي الذي طرحناه في البداية وهو عنوان المقالة .
بمراجعة بسيطة للتأريخ الحديث في العراق ، وحتى القديم في بعض محطاته ، لم يتبلور المفهوم الحقيقي للإنتماء الوطني في المجتمع العراقي عموماً . فالشعور بالإنتماء الوطني لا يعني شعارات معلنة أو خطابات رنانة أو تصريحات تقال هنا وهناك أو حتى مواقف ظاهرها وطني وباطنها ” الله أعلم ” . فعلى مر التأريخ ولحد الآن يتوزع إنتماء العراقيين بإتجاهات مختلفة تسبق الإنتماء المطلق للوطن وذلك حسب الظروف وحسب مكونات المجتمع . فهناك حالة من الإنتماء للعهد العثماني وهناك إنتماء للحضارة الفارسية وهناك إنتماء عروبي يتبع قائد العروبة في أي منطقة ذات صفة عربية وهناك إنتماء عقائدي وهناك شعور بالإنتماء لقوى دولية عظمى لمصالح معينة . وفي العراق تبلور وترسخ مفهوم الإنتماء الوطني لدى معظم شرائح المجتمع العراقي خصوصاً بعد عام ٢٠٠٣ وهو تفضيل الإنتماء الى كل شيء أولاً عدا الوطن ، وهذا هو التناقض بعينه . أما في المرحلة الحالية ومنذ عام ٢٠٠٣ لحد الآن ، وحتى ما قبل ذلك ، نجد إن مفهوم الإنتماء للوطن في حقيقته عند العراقيين ما هو إلا عبارة عن إنتماء يضاف اليه مفهوم الولاء والخضوع والخنوع والإنصياع لرمز معين مدني كان أم ديني أم مرجعي أو حتى شخصية معنوية أو خرافية . فالولاء المطلق والفداء والإنتماء للديكتاتور قبل الوطن في المرحلة التي سبقت عام ٢٠٠٣ ، والولاء المطلق والفداء والإنتماء لقائد الضرورة الذي بذر وسرق موارد الدولة وسقط ثلث العراق بيد الإرهابين وتحولت محافظات الى أنقاض في مرحلة لاحقة ، والولاء المطلق والأعمى لشرائح كبيرة من المجتمع العراقي يتجاوز المليونين لرمز ديني جاهل ومتخلف لا يفهم من أمور الحياة سوى الغيبيات تتبعه تلك الأعداد الغفيرة من القطعان البشرية بكل سذاجة وتخلف وهو الذي حقق أعلى المقاعد في مجلس النواب العراقي . وهنا ليتصور المواطن العادي البسيط مستوى قياداته التي تتحكم كلياً بمقدرات الوطن وهم بهذا المستوى وكيف يمكن أن يتحقق التقدم والتحضر بقيادة هؤلاء الجهله . يضاف الى ذلك الولاء المطلق للشرائح الأخرى لرؤساء المافيات والحشد الشعبي والعصابات المسلحة والمنظمة والعشائر وغيرهم كثيرون ممن صرحوا علانية بولائهم لغير الوطن وهم في أعلى سلم الحكم والقيادة . هل يتطلب تسميتهم ؟ فهم معروفين للجميع .
الخلاصة ، ان الجواب على إستحالة تحقيق أي تقدم أو تطور أو تحضر حقيقي في العراق هو إن معظم المسؤولين عن إدارة شئون العراق إنتمائهم الحقيقي هو لغير الوطن وإنما أولاً لطائفتهم أو حزبهم أو رمزهم أو مناطقهم أو قوميتهم أو ما شابه عدا الولاء للوطن .