العلمانيون والكفار اكثر غيرة على الاسلام من شيوخه .
كنا قد تعودنا سابقا على رؤية رجال الدين وهم يعتلوا منابر الجوامع ويبدءوا خطبهم العصماء بالتهجم على الممارسات والسياسات الخاطئة التي يمارسها ساسة بلدانهم حسب ما كانوا يرون , وكان يكفي ان تعلو نبرة صوت الخطيب ويصرخ حتى تبدء جموع المصلين والمستمعين بالتكبيروالعويل مع كل كلمة تنطلق من حنجرة الخطيب بصوته الجهوري . حتى اصبح معيار الخطيب الجيد هو مقدار تهجمه على سياسيات الحكومات وباتوا يتنافسون في ذلك ايما منافسة , وكانت اكثر الجوامع روادا اكثرها تداولا للسياسة واكثرها تهجما .
استمرت هذه ( الموضة) الى ان ظهرت داعش على الساحة وسيطرت على اجزاء واسعة في المنطقة , لتهدء هذه الاصوات بقدرة قادر, وينحسر اهتمامهم عن السياسة وتعطى المساحة الاكبر في خطبهم للامور الفقهية … ليس في الجوامع فقط , بل وحتى رجال الدين والدعاة ( الاعلاميين) الذين لا تكاد تخلو فضائية منهم , اصبح شغلهم الشاغل الاهتمام بالسيرة النبوية والاراء الفقهية في مسائل الشرع وكذلك الحديث عن الاخرة واهوالها .. حتى يتخيل للمتابع لهذه البرامج انه يعيش في عالم غير العالم الذي يعيش فيه هؤلاء .
في ظروف كالتي تمر بها المنطقة ومع المؤامرة التي تستهدف الاسلام وتنفذها تنظيمات متطرفة شوهت هذا الدين السمح واستبدلته بدين كل ما فيه هو القتل والذبح , اوالجلد وقطع اليد , نرى ان شيوخ الاسلام ورجالاته يعيشون حالة من الهدوء النفسي والرضا يحسدون عليهما , دون اكنراث بالمسلمين الحائرين بين هذا وذاك , ممن التبس عليهم دينهم ولم يعودوا يعرفوا اين الصح واين الخطأ .
كيف يمكن لرجال دين يعتبرون انفسهم غيارى على هذا الدين ان يصمتوا صمت القبور على ما يحدث في المنطقة وعلى ما يلاقيه الاسلام على يد هذه التنظيمات ؟ هل يمكن ان نكون نحن المخطئون وان يكون الاسلام هو هذا الذي تدعو اليه داعش ؟ ان كان هذا هو الاسلام فلم الخجل من الاعتراف .. وان كان لا فلم يحجمون عن قول الحقيقة ؟
قد يقال بان اغلب رجال الدين المسلمين قد اظهروا مواقفهم الرافضة لداعش , فنقول .. قد يكون هذا صحيحا لكن ..هل يكفي الرفض اللفظي والكلامي في قضية خطيرة مثل هذه دون ان يكون هناك موقف جاد وحازم للتعبير عن هذا الرفض ؟ لقد كنا نرى سابقا رجال الدين هؤلاء وهم يقومون بحملات جماهيرية ضخمة ضد اشياء اقل ما يقال عنها انها تافهة ويخصصون لها جل اوقاتهم وامكاناتهم , بينما في ازمة تشويه دين بكامله يقتصر موقفهم على رفض كلامي وهذا ايضا يكون فقط في حال سؤالهم عنها .
ما يدعو للاستغراب هو ان بعضا من (شيوخ الاسلام) واثناء ثورات الربيع العربي كانوا يستنهضون حماس الشعوب العربية للثورة على حكامهم ويفتون لهم بالجهاد ضدهم , مع ان الجرائم التي ارتكبها الحكام العرب لم ترتقي في بشاعتها لما ترتكبه داعش من جرائم , وطوال عقود من الزمن لم تشوه تلك الحكومات العربية ( الدكتاتورية) الدين الاسلامي مثلما شوهته داعش في ثلاث سنين . وما يدعو للاستغراب ايضا ان قسما من هؤلاء الشيوخ كان قد جن جنونهم عندما ازيح حكم الاخوان في مصر ( وهم في احسن الاحوال جماعة او فصيل سياسي ) واصفين من قاموا بهذا التغير بالمرتدين والكفرة , ومحرضين الشعب المصري على حكومتهم الجديدة واعلان الجهاد عليها, في حين انهم ظلوا ساكتين ازاء ممارسات هذه
المنظمات الارهابية وهي تحاول اسقاط الاسلام بالكامل كدين وليس فقط حزب او جماعة . وهنا نود ان نتسائل ..الا يستوجب خطر داعش اعلان الجهاد عليها من قبل هؤلاء ؟
من الممكن تفسير الصمت المطبق منهم على ظاهرة داعش وتصرفاتها في ثلاث احتماليات :-
* فاما ان يكون شيوخ الدين الاسلامي ودعاته جبناء لا يجرئون على قول الحقيقة خوفا على حياتهم من هذه التنظيمات المتطرفة , وهم بذلك يتصرفون عكس ما كانوا يدَعون ويدعون الناس اليه من قول الحق حتى لو كلفهم حياتهم .
* او انهم يعرفون في دواخلهم ان هذا هو الدين الاسلامي , راضين ومقتنعين بما تقوم به هذه المنظمات المتطرفة جملة وتفصيلا , وحينذاك يجب على الحكومات واجهزتها الامنية معاملتهم مثلما تتعامل مع اي ارهابي اخر بتطبيق احكام الارهاب عليهم .
* او ان حكوماتهم ضالعة في اعمال داعش فلا يستطيعون الخروج عن اوامر حكامهم , وهم بذلك يوالون الحكام على حساب الحقيقة والدين , دون شعور بالمسئولية الملقاة على عاتقهم باعتبارهم رجال دين , وهذه الحالة تدخلهم في باب النفاق دون لبس .
فاذا احسنا الظن برجال ديننا واخذنا الاحتمال الاول على ان الجبن هو ما يدفعهم للصمت (مع انه احتمال معيب) .. فنقول لهم : –
من المخجل ان تنزووا جانبا وترفعوا راية ( صم بكم عمي فهم لا يفقهون) في الوقت الذي تتداعى جيوش امم وشعوب كنتم تقولون عنها انها كافرة لتدافع عنا وعن ديننا ( حتى وان كانوا يدافعون بذلك عن انفسهم ضمنا ) . معيب ان ينبري رجال سياسة اوروبيون ( كفرة) ليبرئوا ساحة الاسلام من هذا الفكر المتطرف , وان يظهر فنانون عرب علمانيون ( مرتدون ) لينتقدوا ممارسات داعش المنحرفة , بينما تختبئون انتم وراء المنابر لا تنبسون ببنت شفة وكأن الامر لا يعنيكم …. من العار ان فنانة امريكية كنتم تقولون عنها انها ( موم…..) تدافع عن الاسلام وتقول ان هذا التطرف لا يمثله , بينما انتم منهمكون غارقون في اثارة المذاهب الاسلامية بعضها على البعض الاخر لتسفك المزيد والمزيد من الدماء وتدخل جيوبكم المزيد المزيد من الاموال …
تبا لكم ولما تدعون …. الا تخجلون ؟