18 ديسمبر، 2024 8:57 م

لماذا لا يشعرون بالذنب ؟

لماذا لا يشعرون بالذنب ؟

الكذبة تصنع الندبة … لذلك كل يوم تصيبنا الندبات دون رحمة أو شفقة.
قرأتُ منذ مدة قصة منقولة عن الدكتور علي شريعتي رحمه الله قال فيها : عندما كنت خارج البلاد ربطتني علاقة طيبة مع جاري، كما ان المنزل الذي استأجرته كان منزله، في يوم من الايام طلب مني ان ابقى في منزلهم مع طفلتهم لفترة قصيرة.. لأنه وزوجته أرادوا الذهاب الى السوق وقد وافقت،، وانا في بيتهم وقع قدح من يدي ابنتهم وانكسر.. فتغير لون وجهها وظهرت عليها علامات الخوف والارتباك ….
قلت لها : مابالك
فقالت : اخاف ان تغضب مني والدتي
فقلت لها : انها مسألة بسيطة سأقول لها ان القدح وقع من يدي وانكسر وسأشتري لكم منه.
وبالفعل.. اخبر والدة الطفلة عندما انه هو الذي كسر القدح وسيشتري لهم .
وهنا تأتي المفاجأة، لقد جاءت والدة الطفلة في صباح اليوم التالي وقالت لي بلهجة شديدة : لقد جاءتني ابنتي ليلة امس وقالت لي انها لاتسطيع النوم لان ضميرها يؤنبها واعترفت انها هي التي كسرت القدح وليس انت.. لقد علَّمت ابنتي الكذب وهي لم تكذب معي قط بكلمة واحدة ابداً .
يكمل : لذلك تركت المكان وانا اشعر بالخجل ، لأنني اولاً نقلت فكرة سيئة عن المسلمين للغرب … كوننا نعتبر هذه المسائل هينة، ثانياً أدركت انها جريمة .
لقد أثارت لدي قراءة هذه الكلمات وحكمة الحادثة اموراً عديدة…
١- حسن التربية، صلابة القيم، حلاوة الاخلاق، اجادة التصرف، شجاعة المواجهة .
٢- نمارس بأستمرار الكذب، وآل الأمر ان يتحول لدينا عادة لها مبرر انساني وأخلاقي وفق قاعدة ( الكذب الأبيض غير المقصود ) أو ( الكذب المضطر ) .
أياً كان .. ذلك لايمحي قضية أننا مجتمع كثيراً ما نكذب وفي الكذب بارعين ولسنا خيرين ونقول اننا مؤمنين ولن يدخل الجنة غيرنا نحن المسلمين!! نعم فنحن المصلين القائمين الصائمين لسنا للخمر شاربين ليس المهم ان نكون صادقين و مخلصين أو عن الزنا واكل السحت مبتعدين، المهم أننا للشهادة شاهدين ولبعض الآيات حافظين فنحن مسلمين… على الهم والغم صابرين وأملنا في الجنة داخلين .
أتساءل إن كنا لانكذب ؟ كم ستكون حياتنا افضل ؟
واتساءل؟ الموظف المرتشي والسياسي السارق والحاكم القاتل لو كان لديهم ضمير يؤنبهم كتلك الطفلة التي لم تستطع النوم لأنها كذبت بكسر قدح زجاج هل ستحدث أو تستمر لدينا أزمة!! .
الضمير يولد مع تنشئة الفرد .. فإذا كان ضمير الفرد كبير صغر كل شيء واذا مات .. مات معه كل شيء .
نواجه ازمات حقيقية متتالية ليست اقتصادية او سياسية بل أزمة ( صدق، ضمير، نزاهة) ، أعتقد أن غيابهم بسبب غياب حسن الأخلاق وحسن الضمير .
اصبحنا نمتهن الكذب ونحترف الكذبة وقلما نشعر بالذنب.. وكل يوم تزيد ندبة من كذبة .