البصرة العطشى المحرومة من الماء الصالح للشرب والإستخدام العام , يأتيها الذين يعيشون في صناديق ملونة ذات جدران من النار , ويتكلمون مع أهلها وكأنهم يتحدثون بلغة عالم آخر, ويتساءلون بعدم شعور بالمسؤولية وبلا إحساس أو تآلف عاطفي مع الإنسان المعاني من ويلات الظلم والحرمان , وكأن كبيرهم ينظر إليهم وهم في ذروة تظاهراتهم , ويتساءل : لماذا هم هائجون؟ , فيأتيه الجواب: إنهم عطشى ولا يوجد ماء يصلح للشرب؟ فيقول مستفهما : “لماذا لا يشربون ماء المطر”؟!!
تلك بإختصار خلاصة ما جرى ظاهريا في البصرة الشماء , التي عبّرت عن الصرخة الصادقة الأصيلة المكبوتة في أعماق العراقيين أجمعين , والتي أظهرت جذوة وهاجة ستكون حتما ذات لهيب , رغم إرادة العمائم والكراسي وقدرات القمع والخداع والتضليل.
فعلتها مثلهم ماري إنطوانيت في فرنسا وإنتهت إلى المقصلة وتدحرج رأسها وإنفصل عن جسدها وما كانت تدري إلى أين هي ذاهبة!!
فالمستورَدون من أصقاع الدنيا والحاملون لجنسيات بلدان أخرى لا صلة بينهم وبين البلاد والعباد , وإنما صلتهم بأسيادهم وجيوبهم والكراسي التي وضعوهم عليها وجعلوهم بها يتسيدون , وما هم إلا أدوات لتنفيذ أوامر ومناهج إلى حين.
وهم جميعهم مثل “أطرش بالزفة” , لا يفقهون بالسياسة ولا بالإدارة ولا بأي شيئ نافع للناس , فلا يوجد ساسة ولا قادة ولا إداريين ولا أشخاص ذوي خبرات معقولة في إدارة بضعة أفراد , إنها مأساة تجميع أناس من شوارع الإعتياش على المعونات الإجتماعية في البلدان الأجنبية , وتدريبهم وتأهيلهم لكي يكونوا مخلصين لمصالح البلدان التي يحملون جنسياتها , وما الوطن الذي فيه يتسلطون إلا وسيلة لجمع الأموال والإستحواذ على حقوق الآخرين وممتلكاتهم , بإسم الدين الذي يعرفون كيف به يتاجرون , وكيف لعمائم الكراسي أن تبرر وتسوغ الفساد والظلم وسرقة المال العام , لأن مصالحها متصلة بالكراسي القابعة في أحضان قوى الإفتراس العالمي والإقليمي.
فالجميع ليسوا بساسة , وإنما تأتيهم الإملاءات وعليهم التنفيذ الدقيق , وإلا سيلقى الواحد منهم نهايته العاجلة!!
قد يكون الكلام قاسيا لكن الحقيقة أقسى وأمر وأشنع , فليس من المعقول والمقبول أن تعاني البلاد من إنعدام الخدمات الأساسية على مدى أكثر من عقد ونصف , وأصحاب الكراسي لا يأبهون وينشغلون برغباتهم ومحاصصاتهم وإمتيازاتهم وما يسرقونه من حقوق المواطنين.
وليس من المقبول أن يسقط أكثر من مئتي إنسان يطالبون بحقوقهم المشروعة , ويُحسَبون وكأنهم أرقام على طاولة العمائم والحكام!!
هل يحصل هذا في أي مجتمع في الدنيا؟!
وماذا سيجري لو أن الماء والكهرباء إنقطعتا عن مدينة في دولة متقدمة لبضعة ساعات وليس أياما وشهورا وسنينا؟!!
ألا تراقبون وتشاهدون ما يجري في مجتمعات الدنيا؟
أما ترون أن التقصير في توفير الماء والكهرباء في إحدى ولايات الدول الكبرى لا يزال يقض مضاجع إداراتها؟!!
إن الحرمان من الماء والكهرباء جريمة بحق الإنسانية يعاقب عليها القانون وتدينها منظمات حقوق الإنسان , التي تصدح بإعتراضاتها وتنديداتها إن حصل أي شيئ من هذا القبيل لأي مجتمع , إلا المجتمع العراقي فأنها صماء بكماء , مما يشير إلى أن الأمر مرسوم والإعتراض عليه ممنوع , يا قارئي ممنوع , ما دام في البلاد مَن هم ألد أعداء العباد!!