23 ديسمبر، 2024 2:36 م

لماذا لا تنجح مثل هذه الانتفاضات والثورات في العراق .. وهل العراق استثناء ؟

لماذا لا تنجح مثل هذه الانتفاضات والثورات في العراق .. وهل العراق استثناء ؟

حَدثت وتحدث الكثير من الثورات في شتى بقاع الأرض، ومؤخرا وليس آخراً، حدثت ثورات في أجزاء من وطننا العربي الكبير، لأسباب (شرارات) منها، شاب يحرق نفسه لعدم وجود وظيفة، أو ارتفاع مستوى الأسعار، أو ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، أو انتهاك الحريات الشخصية، أو الإقصاء والتهميش، أو تدني مستوى المعيشة وزيادة نسبة الفقر، وغيرها الكثير من الشرارات. وآخر ما طالعتنا به وسائل الإعلام المظاهرات العارمة في السودان بسبب رفع سعر المحروقات، النفط ومشتقاته، ونجحت كل هذه الانتفاضات والثورات، إلا في العراق فلماذا ؟

لا يوجد بلد في العالم عانى أو ذاق المُر مثلما ذاقه العراقيون، بسبب الحروب التي، إما أن تكون فُرِضت عليه أو مشى هو إليها بنفسه. فلا ننسى الشهداء الذين سقطوا في حروب ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، ولا ننسى الحصار اللعين الذي أكل لحم العراقيين ونخر عظامهم، ثم جاءت سنة 2003 ، وما أدراك ما هذه السنة اللعينة المنحوسة، حيث تم احتلال العراق، وفرح بعض العراقيين، ولا أقول الكثير أو القليل لأن هذا ليس هو موضوعنا، أقول فرحوا برؤية مظاهر الديمقراطية من الستلايت والفضائيات والصحف والموبايلات، ولكن يا الفرحة لم تكتمل، فقد تدمرت البُنى التحتية، ونُهبت أموال العراقيين، وسُرقت آثارهم ومخطوطاتهم وأرشيفهم، واستشهد أكثر من مليون وربع المليون عراقي وتعوق الكثير وترملت أكثر من مليوني امرأة وأصبح لدينا خمسة ملايين طفل يتيم، وتدهورت الصحة والزراعة والصناعة والتعليم، وانعدم الماء الصالح للشرب، وغادرتنا الكهرباء إلى غير رجعة.

ازداد الفقر، وانتشر الفساد المالي والإداري، وكثر السراق، وبنى الناس بيوتهم في المقابر وتحت الصفيح، وانتشرت أمراض السرطان والتشوهات الخلقية و…. و.
تولى أمرنا بعض المفسدين، الفاشلين مزدوجي الجنسية عديمي الضمير، فلم يفكروا بالشعب ولا الوطن. فكروا بشيء واحد وهو مَنْ يمتلك أكثر من رفيقه من الملايين والمليارات، تولى امرنا رعاع وأراذل القوم (مع كل الاعتذار للقلة القليلة من الشرفاء) الذين اشتركوا وحاولوا ، فكان مصيرهم إما القتل أو الفشل أو الانتظار والتنحي جانبا.

مشاهد قتل الأخ لأخيه والجار لجاره أصبحت روتينا يوميا، لا القاتل يعرف لماذا قتل أخيه ولا المقتول يعرف لماذا قام أخوه بقتله، كل ذلك وغيرها من المآسي حدثت والشعب لا ينتفض ولا يثور.
عام 2011 انطلقت المظاهرات وقلنا (بشراكم يا عراقيين)، ولكنها انطفأت، انطلقت مظاهرات أخرى في البصرة وذي قار وقلنا (هذه هي) وماتت، انطلقت بداية 2013 في الفلوجة والرمادي وامتدت إلى بغداد وديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى ولا زالت مستمرة، ولم تؤت أكلها إلا لمنفعة بعض السياسيين الذين ركبوها. لماذا اذن لم تنجح مثل هذه الانتفاضات.. وهل العراق استثناء؟
السبب الرئيس والأهم، ليس نقصا في وطنية العراق أو خللا في شجاعتهم، فهم أهل الشجاعة وبيتها وهم جمجمة العرب ورمح الله الذي لا ينكسر، بل السبب هو في المُحتل الأمريكي وما جاء به من صيحات جديدة المحاصصة، الإقصاء، الاجتثاث، الفدرلة والأقلمة، وفوقها وأهمها على الإطلاق الطائفية، ومع الطائفية جاء لنا بوجوه لا تعرف غير مصطلحات (الطائفة والمذهب والمُكون)، هؤلاء الساسة الجُدد زرعوا بين الشعب ثقافة غريبة هي ثقافة الخوف من المكون الآخر أو المذهب الآخر، وثقافة الانتقام من الآخر وعدم الاستعداد لقبوله.
ساسة العراق الحاليين (إلا من رحم ربي)، لعبوا ويلعبون بقوة وقسوة على أوتار الطائفية والمذهبية والعرقية، ونجحوا للأسف في زرع هذه الثقافة وهم يحصدون ثمارها، كما رسموها وخططوا لها.

فإذا انتفضت محافظات الجنوب والفرات الأوسط، سكتت محافظات الوسط والغرب، وإذا انتفضت محافظات الوسط والغرب سكتت محافظات الجنوب والفرات الأوسط، والذين يعتلون المنابر هنا وهناك يُنفذون رغبة وطموحات الساسة الجُدد من حيثُ لا يشعرون، من خلال الشحن الطائفي.
ترى رئيس الوزراء أو الوزير أو القائد العسكري أو رئيس الحزب أو رئيس الكتلة يذهب لحضور احتفالية دينية أو افتتاح مشروع ويعتـــــلي المنبر ليلقي خطبته الشهيرة وإذا بها خطبة مذهبية، طائفية، عرقــية بامتياز.

مربط المقال او مربط الفرس، كما يقول أهلنا، إن انقسام الشعب العراقي، وللأسف، طائفيا بسبب الاحتلال وعملائه هو الذي يجهض أي ثورة أو انتفاضة.

اصحوا يا أحبتي وأهلي العراقيين، وإلا ستستمرون تأكلون لحم بعضكم بعضا إلى قيام الساعة.