-1-
تُسارعُ الشعوب الحيّة ، والامم المتقدمة حضاريا، الى تكريم رجالها المبدعين ، وأفذاذها النابغين في الحقول العلمية والعملية … ، اعترافا منها بمكانتهم السامية، وقدراتهم المتميزة، وتثميناً لجهودهم في خدمة الفكر والانسانية .
وهذا المسلك الحضاري هو ما يقتضيه الايمان بأهمية الإبداع والابتكار في التطوير والتقدم، في شتى المسارات الفكرية والعلمية والثقافية والادبية والفنية والزراعية والصناعية …
انّ التكريم يستبطن معنى الرغبة والاشتياق الى الارتقاء الى القمم العالية بدلاً من المراوحة في السهول والوديان …!!
-2-
وتظهر آثار الموضوعية حين يتم التكريم لمن هُم ليسوا من أهل الديار..!!
وهكذا يكون التكريم عابرا للحواجز المذهبية والدينية والقومية، ذلك انّ التكريم ينطلق من المعطى الانساني، مجرداً عن كل الدوافع والخلفيات الأخرى، وهو ما يضفي عليه بعداً استثنائيا مهماً يجب ألا يغيب عن الاذهان …
-3-
لقد اقبلت جامعة ( كوفنتري) البريطانية مؤخراً ،على تكريم “رفعت الجادرجي” احد ابرز المعماريين العراقيين – ومنحتْهُ جائزةَ { تميزِّ
للانجاز المعماري مدى الحياة} واعتبرته من بين أهم المعماريين والمفكرين المؤثرين في الشرق الاوسط ، وأحد فرسان الجيل الذهبي من المعماريين والفنانين والمفكرين والمثقفين الذين اسسوا نواة المجتمع المدني الحديث في العراق .
-4-
ولا نذيع سراً اذا قلنا :
إنّ العراق هو من أغنى بلدان العالم بالمفكرين والمبدعين والعلماء والخبراء في مختلف الحقول والمجالات .
ولكنه – للاسف – قلَّ أنْ يحتفي بِرمز من رموزه في حياته …
-5-
العادة في العراق تأبين الراحلين ، والبكاء عليهم بدمع سخين …
أما في حياتهم فليس لهم الا المعاناة المرّة ،وربما اختاروا “الهجرة” على الاقامة في ربوع الوطن …!!
يقول الشاعر :
ترى الفتى يُنكِرُ فضلَ الفتى مادام حياً فاذا ما ذهبْ
لجَّ به الحرصُ على نكتةٍ يكتبها عنه بماء الذهبْ
ان الارقام الصعبة يُخشى منها، ولذلك يتم التواطؤ على إبعادها عن المسرح مهما أمكن ، لتبقى الساحة مفتوحة أمام أشباه الرجال …!!
انه اللؤم بعينه …
وانها الانانية المقيتة التي تكره الخير للاخرين ….
وانه الفهم البليد الذي يختار للبلاد الجمود والتقليد …
-6-
لقد كان الدكتاتور المقبور لا يطيق أنْ يرى رجلا عراقيا بارزاً تنجذب اليه الاضواء .
لقد كان يرغب أنْ يكون هو وَحْدَهُ الآمرَ الناهي ، والبارز في كل الميادين حتى في ميدان كتابة القصة ..!!
وما على الاخرين الا السمع والطاعة والتغني بمواهبه وقدراته …!!
والآن وقد مضت اثنتا عشرة سنة على رحيله الى الجحيم ،لماذا لم ينعم المبدعون بما هم أهلهُ من التكريم ؟
-7-
اننا ومن موقع الحب للوطن ولأبنائه المبدعين ، ندعو الى تكثيف العناية يذوي المواهب والطاقات الخلاّقة وتكريمهم والافادة من خبراتهم وابداعاتهم، وفي ذلك ما يحجّم رغبتهم في مغادرة الوطن ، وتوظيف مواهبهم خارج حدوده …
نقول هذا وإنْ كنا لا نتوقع الاستجابة السريعة …
وقد قيل قديما :
لقد أسمعتَ لو ناديت حياً
ولكنْ لا حياة لمن تنادي
-8-
إن المشغولين بحصصهم من المكاسب والامتيازات لا يفكرون بغيرهم ..
وهذه هي الطامة الكبرى .