17 نوفمبر، 2024 1:47 م
Search
Close this search box.

لماذا كثر (المنافقون) في هذا العصــر؟

لماذا كثر (المنافقون) في هذا العصــر؟

همساتٌ كونيّةٌ(186)
وهل كثرتهم بسبب النفس أم الشيطان؟
جميع المناهج الفلسفية في المراحل(ألسّتة)(1) عبر التأريخ و التي إنطلقت منها حكومات الأرض المتنوعة حتى عصر “الديمقراطية” اليوم؛ كانت خاطئة و ناقصة و غير مجدية بل و مدمّرة لأنها لا تُناسب سوى مصالح الفاسدين و أحزابهم, لذلك خلّفت المآسي و الظلم وآلنهب وإزدادت و تعقدت يوم بعد آخر حتى تمّت سيطرة (المنظمة الأقتصادية العالمية) على حكومات الأرض و شعوبها بحكم الأقتصاد ولقمة الخبز التي باتت بإيديهم في كلّ قارات العالم ولذلك برزت فلسفتنا الكونية كبديل لا بديل له لنجاة البشرية.

ففي زمن رسول الله و ما قبله كان عدد المنافقين لا يتجاوز السّبعين منافقاً, كشف الباري أسمائهم له(ص), لكن إرادة الله و ظروف الرسالة و متطلبات الحفاظ على أصله, أمر رسوله بآلكتمان حفظا على بيضة الأسلام, و ذلك العدد لم يكن يُشكّل خطراً بآلقياس مع عدد المسلمين الذين جاوزوا الربع مليون إنسان مسلم في الجزيرة العربية أنذاك, إلا أنّ نسبتهم في هذا العصر يكاد يكون العكس .. بل أقل من القليل بآلقياس لعدد سكان الأرض البالغ 7 بليون خصوصاً بلاد العرب و المسلمين لأسباب عديدة معروفة تَمّ عرضها, حيث أصبح معظم الناس منافقين يتنفسون الكذب و الأفتراء و النميمة مع الهواء بلا وجدان ولا ضمير ولا إنصاف في مقابل النسبة القليلة جداً من الصابرين الذين بقوا صالحين رغم الظلم و آلكذب .. يُعارضون حكومات الأرض الظالمة.

إنّ السبب في إنتشار النفاق في عصرنا هذا هو فقدان القيم و الكرامة و حاجة الناس للغذاء و المال والسكن والأمن لأدامة العيش كما الحيوانات على الأقل بل حاشا اكثر الحيوانات التي ما زالت الرّحمة والوفاء في قلوبهم باقية لأصحابهم وآلمشكلة إن ذلك العوز و الفقر والأملاق وإنعدام الخدمات بسبب إنتشار الفساد سببه الحكومات التي تحكم بقوة النفس لا بقوة الله.

والسبب الأساسي ليس هو الشيطان كما يدعي بعض المفكرين و العلماء و المراجع, بل هي (النفس) التي تستأسد بسبب آلجهل و الشهوة و حب التسلط و لقمة الحرام التي صارت هي الهدف و العلة الخفية في حياة الناس .. فتولّد الفساد و ألحرام و النهب و البيانات و القوانين الجاهلية التي إتفق المتحاصصون في مختلف الحكومات عليها لأجل جيوبهم و شهواتهم و قصورهم, بعد تعينهم من قبل (المنظمة الأقتصادية العالمية) ألتي سيطرت على منابع الطاقة بسببهم و بدأت تُشجّع و تدفع الناس أكثر فأكثر للعبودية و الشهوة بدل التحرر و الخير و المساواة و العدالة لإفتقادهم إلى الكرامة و الضمير و تمسكهم بدين مشوّه و شكلي .. حتى بدأت تأمر بآلمنكر و تنهى عن المعروف, بعد ما كانت ترى المعروف منكراً و المنكر معروفاً و قبل هذا تركهم للأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر. كل هذا لتضعيف إرادة الخير في الأنسان و تقوية و إثارة الشهوة في النفس للبقاء و الأستمرار بآلحكم و التسلط على الناس!

لذلك لا يعجبهم نشر الوعي و الحقائق, لأن الواعين وحدهم من يطالبون بحقوقهم و يرفضون أن يكونوا مأمورين و خاضعين لقيادات الأحزاب و الحكومات التي تأتمر بأوامر الأسياد لأجل الهيمنة على منابع الطاقة بحسب ما يريدون, و هكذا تكون النفوس الضعيفة هي السبب في رسم المصائر السيئة و ليس الشيطان.

إن ألشيطان نفسهُ حين عصى الله؛ كان بوحي من نفسه .. حيث لم يكن هناك شيطان يغويه سوى النفس التي إستكبرت فأصبحت منبع الخبائث و الأنحراف و الظلم و لا تستكين ما لم تُقوّم كما بيّنت في آلهمسة السابقة بآلتقوى و المعرفة!

إذن معركتنا الحقيقية إن أردنا الأستقامة و الفوز و النّجاة هي مع النفس .. لأنها هي الشيطان الأكبر و الأخطر الذي يجب مراقبته و محاربته على الدوام..

لكن كيف تحارب آلنفس!؟
إن كلمة (نفس) في منتهى التعقيد و التركيب و الخطورة خصوصاً إن لم تُلجم و تُهدّب ويُكبح جماحها في البشر, و هي ذاتها التي تكون حاجزاً لأنتقال الأنسان من البعد البشري إلى الأنساني ثم الآدمي إن كان محظوظاً, وقد أشار الباري لذلك بآلقول:

[ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل ألوريد] سورة ( ق), وفوله تعالى:( و نفس و ما سوّاها) و غيرها كثير.
و قد سألني الكثير من الناس أيام الخير ومنهم الأسرى العراقيين الذين ندم أكثرهم على المشاركة في الحرب ضد دولة الأسلام أيام كنت مبلغاً في معسكرات الأسر بإيران و طهران؛ حيث كانوا يسألوني:
[لماذا نحن الذين تُبْنا و آمنّا بآلله تعالى و نذكره و نسبحه كما الكثير من الناس و نُصلي و نحضر الجّماعة و نقرأ القرآن و نتصدق؛ لكن مع كل ذلك نقع في المعاصي و الذنوب و الغيبة و الكذب و حتى النفاق أحياناً!؟

أجبتهم: تزكية النفس مسيرة طويلة نهايتها مكارم الأخلاق و بعدها العرفان و الفلسفة حتى الذوبان في الله .. وأنتم تحاربون و تُركّزون على عدوٍّ ضعيف واحد إسمه (الشيطان), الذي لا يُعدّ شيئاً بآلقياس مع النفس ألتي إن لم نسويها بالحقّ؛ فأنها تُعادل قوّة ألف شيطان و شيطان بحيث تدمّر صاحبها, لذا عليكم التركيز و مراقبة النفس التي حذّرنا منها الله تعالى في آيات عديدة, منها: [و نفس و ما سوّاها فألهما فجورها و تقوها], و إن السبب في إرتكاب المعاصي ليس الشيطان حصراً, بل لضعف معرفتنا و تعصبنا للمذاهب و التقليد الأعمى تركنا العدو الحقيقي و ذهبنا إلى عدو ضعيف لنلقي عليه اللوم و التهمة و العلة الأساسية، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز:

[إن كيد الشيطان كان ضعيفا]. فالعدو الحقيقي هي النفس .. التي عدّها آلبعض بالقنبلة الموقوتة، و اللغم ألمدمر المخفي في وجود كل إنسان و مخلوق حيّ و النفس هي المسؤولة عن كل ذنب يرتكب, بدليل قوله تعالى يوم القيامة:

[اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا](سورة الأسراء).
وقوله تبارك وتعالى: [اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب] سورة (غافر).
وقوله تبارك وتعالى: [كل نفس بما كسبت رهينة] سورة (المدثر).
وقوله تبارك وتعالى: [علمت نفس ما أحضرت]سورة (التكوير).
قول العلماء : أن الأصنام التي كانت تعبد من دون الله, هي: اللات ، والعزى ، ومناة ، وسواع وود ، و يغوث، ويعوق ونسرى و غيرها قد هُدمت ما عدا إلهٌ مُزيف ما زال يُعبد من دون الله ، ويعبده كثير من البشر حتى المسلمين!
يقول الله تبارك وتعالى: [أفرأيت من اتخذ إلهه هواه…] و معنى ذلك أن هوى النفس إذا تمكن من الإنسان فإنه لا يصغي لشرع ولا لوازع ديني أو وجداني ولا لآمرٍ ولا لِناهٍ ولا لداعيةٍ ولا لعالمٍ و لا حتى لفيلسوف، لذلك تجده يفعل ما يريد و يقول ما يشتهي. و لو نظرنا إلى الجرائم الفردية التي تقع اليوم أو التي ذكر بعضها القرآن الكريم, كجريمة ( قتل قابيل لأخيه هابيل ) , وجريمة (امرأة العزيز وهي الشروع في الزنا), و جريمة ( كفر إبليس), لوجدنا أن الشيطان برئ منها براءة الذئب من دم يوسف, ففي جريمة ( قتل قابيل لأخيه هابيل ) يقول الله تبارك وتعالى: [فطوعت له نفسه قتل أخيه] وعندما تسأل إنساناً وقع في معصية ما ! وبعد ذلك ندم وتاب ، ما الذي دعاك لفعل هذا سوف يقول لك : (أغواني الشيطان وكلامه هذا يؤدي إلى أن (كل فعل محرم وراؤه شيطان) فيا ترى .. الشيطان عندما عصى الله ، من كان شيطانه؟
إنه مثلما يوسوس لك الشيطان ، فإن النفس أيضاً توسوس لك ، نعم (إلا ما رحم ربي, إن النفس لأمارة بآلسوء) بشرط التوبة الصالحة و العمل الصالح و تفعيل إرادة الخير للجميع لا إرادة النفس الشريرة التي تعتمد على العقل بعيدا عن القلب والعواطف, خلاصة الكلام, هي إنّ السبب في المعاصي والذنوب إما من الشيطان وإما من النفس الأمارة بالسوء, و الشيطان خطر .. لكن النفس أخطر بكثير .. إلا أنّ المفارقة الوحيدة بين آلشيطان والإنسان هي النسيان الذي قد يُنسيك الثواب والعقاب ومع ذلك تقع في المحظور لتقرر خيراً أو شراً, وسبب النسيان عند الأنسان يعود إلى أنّ الشيطان أذكى مخلوق(2) بعد الله تعالى والنفس ضعيفة لذلك قال تعالى:
[وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيم]. سوره يوسف(53).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد بيّنّا في الحلقات الماضية المراحل الفلسفية الستة التي مرّت على البشرية منذ عصر الأغريق نهاية القرن الماضي, و عقب بيان فلسفتنا الكونيّة مع بدء الألفية الثالثة, إضيفت مرحلة أخرى لتكون المرحلة السابعة و النهائية تمهيداً لتطبيق العدالة المفقودة في الأرض بسبب الحاكمين من قبل الأحزاب التي أفسدت في الأرض و كرّست الطبقية و الفقر و العوز.
(2) بعض الفلاسفة العرفاء قالوا: بأنّ الشيطان لم يسجد لآدم(ع) لأنهُ إعتقد بأن الله وحده يستحق العبادة ولا يجوز السجود لغيره, لذلك إعتبروه سيّد المُوحّدين لموقفه هذا الذي كلّفه الكثير الكثير, إلاّ أنّني أعتبر موقف الشيطان ألسّلبيّ من مسألة السجود رغم معقوليّة المُدّعى المذكور؛ بأنه يُخالف مُراد الله, الذي لا يُطاع من حيث يُعصى مهما كان السّبب, وهو الأعلم.

انقر هنا من أجل الرد أو الرد على الكل أو إعادة التوجيه

أحدث المقالات