19 ديسمبر، 2024 3:20 ص

لماذا فاز المالكي

لماذا فاز المالكي

الحكم في العراق أمرا غاية في السهولة والاستمرار به غاية في التعقيد والحفاظ عليه أمرا مستحيلا . هذا ما أردت ان أوضحه قبل الدخول في تفاصيل المقالة لماذا فاز المالكي . من المعروف ان الموقع الجغرافي للعراق ومنذ اقدم العصور وليومنا هذا يعد من اهم مفاتيح النفوذ للامبراطوريات الكبرى ويعد أيضاً نقطة الوصل بين اهم طرق التجارة العالمية فضلا عن هذا ومنذ اكتشاف النفط عد العراق من اهم المناطق في العالم من حيث الخزين الاستراتيجي للنفط الخام .
ولذلك كانت ارض العراق مسرحا حافلا للصراعات الدولية والإقليمية للظفر في ضمه والسيطرة عليه . ومنذ بروز العراق الحديث كدولة عصرية في بدايات القرن العشرين كانت معضلة الحكم فيه هي المشكلة الأكبر . اذ ان حكم العراق يعد وكما ذكرنا سابقا من نقاط ، المفتاح للولوج الى ارض السواد وبلاد ما بين النهرين . ولتنوع بيئته وجغرافيته وطبيعة المكونات الاجتماعية التي تعيش على ارضه كان من الصعب إيجاد حاكم يتفق عليه العراقيون ، فكان ان اختير له ملكا من ارض الحجاز يعتقد وحسب تقارير المستشرقين ان له مقبوليه لدى العراقين لسببين أساسين الاول هو من خارج التوليفة الاجتماعية للعراق والثاني يعود الى اصله الهاشمي الذي يعد رمزا مقبولا لدى عموم الشيعة والسنة . فكان ما كان من احداث حتى جائت حركة التحرر التقدمية وموجات اليسار الاشتراكي بتنوعها وغيرت الكثير من ما كان قد اعتمد سابقا في خارطة سايكس بيكو ، فسقطت تلك الأنظمة الملكية والتي تعد صنيعة الاحتلال البريطاني آنذاك وتسلمت الحكم طبقة الثوار والعسكر والأحزاب الاشتراكية لتبدأ صفحة جديدة ودموية في حكم الشعوب بالحديد والنار وكانت من اهم سمات تلك الحقبة هي تمجيد حكم الفرد الرمز ومصادرة حقوق المجتمع ورهنها بلحق المطلق للقائد . ثم جاء زمن اجتثاث الدكتاتوريات الثورية والعسكرتارية فكان ما حل بالعراق برهان ساطع على ذلك التحول . ولكن مالذي حصل بعد ذلك لقد عمت الفوضى العارمة وبدا المشهد السياسي كسيح غير قادر على استيعاب ما حصل واختلف السياسيون بكل شي وساد الفساد والنهب المنظم للثروات جميع مرافق البلد وبات الشعب ومقدراته بيد حفنة من السراق وقطاع الطرق والعصابات المسلحة وسط دهشة الجميع بما فيهم من رتب للأمر هذا وجاء بهؤلاء لسدة الحكم واقصد الولايات المتحدة الامريكية . ووسط تلك الأجواء الحالكة بالظلام وتنامي بوادر حرب أهلية لا تبقي ولا تذر فكر الأمريكان بعدم جدوى بقاء قواتهم وثقلهم العسكري في البلد لذلك بداوأ بالانسحاب ، فما كان من المالكي الا انتهاز تلك الفرصة الذهبية لكي يجير هذا الامر له فكانت الاتفاقية الأمنية ، وبدا المالكي بالتهيؤ لقطع الطريق على المليشيات وتصفية المجاميع المسلحة التي كانت مهيمنه على اهم مدن العراق كالبصرة وبغداد والنجف وكربلاء والناصرية والموصل وصلاح الدين والأنبار وبابل . وكان له ما أراد بفضل تكاتف جميع الفعاليات المدنية والاجتماعية معه لتحقيق هذا الهدف المهم في حياة واستقرار أبناء تلك المحافظات . ومرة اخرى كانت تلك الإنجازات تحسب له وبدأت مرحلة شبه الاستقرار الأمني وتم فتح الطرقات والأسواق وبدأت عجلة الحياة الاقتصادية تدور ببطيء ولكن بوتيرة متصاعدة وبدأت التشكيلة السياسية الحاكمة اكثر تماسكا ووضوح . فبدأت مرحلة الولاية الثانية للماكي على هذا النحو ، ثم بدأت الخلافات الجوهرية بين الفرقاء السياسين لا على أساس مصالح الشعب او على أساس مستقبل البلد السياسي او الاقتصادي بل كانت على تقاسم الكعكة والظفر بالمناصب والامتيازات وكان الشعب مراقب جيد لذلك ، لذا لم تنطلي عليه شعارات السياسين البراقة وكلامهم المعسول فبدا العقل العراقي العام والذاكرة الجمعية له بحفظ ذلك حتى جاء فوز المالكي الأخير بإرادة أكثرية الشعب لا لكفائة المالكي وعبقريته ولا ولاء لحزبه الذي فشل فشل ذريعا في الانتخابات وإنما لمعاقبة لهؤلاء السياسين الذين باعو مصالح البلد بأبخس الأثمان وفضلوا مصالحهم الخاصة. وكذلك لإيمانهم بان ما فعله المالكي في الولاية الثانية من استقرار نوعي للبلد من الممكن تطويره في الولاية الثالثة بنفس هذا الشخص والذي أيضاً على مايبدو كان قد روج لفكرة الرمز التي يحبذها العراقيون رغم سلبياتها. وكأن العراقيين هنا أيضاً لا يحبذوا التجريب ًوالمجازفة بالتغير وإنما يفضلوا المجرب حتى وان فيه سلبيات عن الغير المجرب الذي ربما لا توجد لديه سلبيات .

أحدث المقالات

أحدث المقالات