الدولة العلمية والثورة- ج2-6
مسببات اخرى لتداعي تلك الانظمة واسباب سابقة يتم تحديدها الان بشكل اوضح:
1. اولا. اهملت تلك الدول التعاون الاقتصادي والعلمي مع الدول المتقدمة الراسمالية بشكل خاص وفي حدود كثيرة, للحصول على التكنولوجيات والخبرات المتطورة اللازمة للتقدم, بسبب ان تلك الدول وقفت مع اسرائيل ضد العرب, اي ان الموقف السياسي سيطر على كل شي وتم قفل كل المنافذ المتاحة المفيدة, بشكل عام كانت العلاقات الامريكية والاوربية مع تلك الانظمة بسبب القضية الفلسطينية مع تلك الانظمة متازمة! او مقطوعة او بين بين!
2. ثانيا. تامر بعض تلك الدول ضد البعض الاخر وصل لحد استخدام الاحزاب الدينية الرجعية في العمل ضد بعضها كما حصل عندما دعم صدام الاخوان المسلمين في سوريا ودعم حافظ اسد وبعده بشار الاحزاب الاسلامية العراقية الرجعية المرتبطة مما اضعف ذلك النظامين.
ووقوف سوريا وليبيا مع ايران في الحرب العراقية الايرانية ووقوف نظام صدام ضدهما.
3. ثالثا. اهملت تلك الدول تطوير الزراعة والصناعة والثقافة والصحة والتعليم بنسب متفاوتة ودخلت مستنفع زيادة السكان حيث كان البعض يبشر به كقنبلة تهدد اسرائيل! ثم انفجرت تلك القنابل في الداخل وجيرت لصالح الاسلام السياسي الذي يعيش في اجواء الفقر والفاقة والجهل والمرض والتخلف.. الذي تصنعه زيادات السكان!!!….
بل ركزت تلك الدول على الجانب العسكري فقط بنسب متفاوتة واهملت حاجات الانسان الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والنفسية! واهانت كرامة الانسان بشكل كبير!
4. رابعا. لم تسمح بوجود معارضة وطنية علمانية قوية معتدلة او حتى منظمات مهنية فعالة او منظمات مجتمع مدني حقيقي تساعد الدولة في اعبائها او تحل محلها عند اسقاطها بل حل الاسلام السياسي محلها بسرعة لانه لم يكن هناك بديل منظم وطني وقوي! وكانت تلك الاحزاب الاسلامية هي مجرد ذيول لدول معادية طامعة تنتظر الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة! وتحطيم الدولة والمجتمع لعدم ايمانها بمفهوم الوطن او الشعب او الحرية او الديمقراطية! بل عبادة فرد او افراد خارج الحدود او داخلها! وان الحاكمية لله وليست للشعب! والله محبوس عندهم وهم يقررون ماذا قال ومامعنى ماقال قبل 1440 سنة عن تجمعات بدائية بدوية عشائرية قبلية متخلفة تعيش شروط الصحراء الصارمة الوحشية وقوانينها ليتم تعميم تلك التجربة البائسة المروعة الوحشية على كل مكان وزمان!! في احط واقذر تفكير عرفه البشر عبر تاريخهم!
5. خامسا. لم تنتبه ان تحرير فلسطين! حتى بالنسبة للمؤمنين حقا بهذا الشعار, فان هذا الواجب قد يستغرق قرون لتحقيقه! وليس عقود او سنوات كما حاول البعض عمل ذلك! وكانت له شروطه الصارمة وستراتيجياته وخططه.
ان كل هدف يجب ان يتم تحقيقه بهدوء وتوءدة ..وهذا الامر بعيدا جدا عن العقلية العربية السائدة وصفاتها النفسية والاجتماعية والاخلاقية والقيمية! فضلا عن النخب التي وصلت للسلطة وحملت معها كل امراض وعلل المجتمع ولم تستطع الانفكاك عن ذلك بل كانت تعتقد ان التمسك بتلك القيم والثقافات هو الحامي لها!! وان كانت ضد مفهوم وقوة الدولة مما ادى لتداعي تلك الدول عند اول منعطف حاد!
فالصين التي تنادي بهدوء بعودة هونككونغ وتايوان حققت الهدف الاول بهدوء وابداع وبلا خسائر بل بارباح عظيمة وفق شعار مبدع وهو دولة واحدة بنظامين .. وقد وافق القوميون او البعثيون على ذلك في وقتها وكانهم انتبهوا متاخرا لذلك اي ان الوحدة العربية يمكن ان تكون بصيغة دولة واحدة بعدة انظمة وهذا يدل على جمود الفكر العربي السياسي المحافظ والثوري والثوروي كذلك! وتخلفه عن النتاج الفكري والسياسي العالمي المبدع!
لقد حققت الصين كل ذلك عندما وضعت العقل والابداع فوق الايديولوجيا الجامدة وعندما امنت بالاهداف ولكن لم تومن بالوسائل الجامدة! اي ان الماركسية اللينينية قد تم تطويعها لصالح البيئة الصينية ولصالح العقل والمنطق قبل ذلك وليس مجرد فهم جامد للايديولوجيا القاهرة الجامدة, لاعلاقة له بالواقع والظروف والامكانات! والمرونة الثورية!
ذلك الجمود طبع الثوريين العرب وغيرهم, واصبحت الثورية مجرد ممارسات مقرفة ومقولات تحفظ والتي يكررها عادة عتاة الثوريين والثورويون العرب ممن حفظوا على ظهر قلب مقولات قادة الثورات العالمية دون ان ينتبهوا ان وضع كل دولة يختلف عن اوضاع دولة اخرى وان الاهداف يمكن الايمان بها بلا جدال تقريبا اما الوصل للهدف بطريقة واحدة لاتتغير لان فلان او علان دعا لها, فهذا هو احد الاسباب الكبرى لهزيمة القوى اليسارية العربية وغيرها والثورية منها بوجه خاص!
وربما يمكن تحقيق الاهداف الكبرئ بالصبر والعمل الدووب والتطور الاقتصادي والسياسي والعسكري بدلا من خوض الحروب الخاسرة مع اسرائيل… ان فلسفة الحكم العربي هي فلسفة عاطفية تجارية للحكام الغرض منها التجارة السريعة كما تتاجر الاحزاب الاسلامية بالدين وقد سقطت تلك باول اختبار لها عندما وصلت للسلطة في غفلة من الزمن..
الواقع كما قلت ان هناك اهدافا كبيرة لاتتحق الا بعد قرون ان تم العمل من اجلها بمثابرة واخرى تتحقق بعد عقود واخرى تتحق بسنوات واخرى تتحقق بايام واخرى قد لاتتحقق حتى ولو بعد قرون!
ربما المهم وضع جدول للاهداف وللامكانات الحالية والمستقبلية وتوازن القوى والوضع الدولي بدلا من العمل وفق نظرية ان (ينصركم الله فلا غالب لكم) او ( ان الله والتاريخ معكم) او ( ليش هوه القدس مايستاهل الضرب) والتي اثبتت فشلها الذريع في قيادة دولة فضلا عن قيادة قطيع من الماشية!
ان ارقى ستراتيجية كما عرفها سياسيون وعسكريون هي الستراتيجية غير المباشرة او ستراتيجية التقرب غير المباشر,التي تستلزم الوقت ولكنها تحقق الانتصارات باقل قدر من الخسائر.
6. سادسا. الحروب الجانبية التي دخلتها تلك الانظمة مجبرة او مختارة ومنها حروب صدام العبثية التي كان يمكن تجنبها على الرغم من حجم الاستهتار الايراني والكويتي كذلك!
قوضت تلك الحروب امكانات تلك الدول بشكل كبير وابعدتها عن الهدف الاساسي! ومنها حرب عبد الناصر في اليمن ( وقد عادت الان اليمن للحكم السلالي) وللحرب الاهلية بدعم ايراني صارخ من اجل التوسع والهيمنة على الدول العربية تحت شعار تصدير الثورة! وكانك يابو زيد ماغريت, ولم تكن لليمن السعيد الفقير اي وزن ذو تاثير في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي! عدا الوزن المعنوي والسياسي, حتى تستهلك من اجله امكانات مصر العسكرية والمادية والسياسية في هذا الصراع وقد كان ذلك احد اسباب هزيمة حزيران!
ربما كان تحويل او تحول دولة ثرية قليلة السكان الى دولة ثورية هو عمل اكثر جدوى وفائدة من الانخراط في حرب اليمن, لتوجيه تلك الامكانات الثرة في تلك الدولة او الدويلة لصالح الانظمة العربية الثورية وهذا ماحصل عندما تحولت امكانات دول مجهرية ولكنها امكانات اقتصادية كبرى في خدمة الاسلام السياسي!
وقد فات ذلك عن فكر وتفكير وتخطيط الماركسيون العرب والقوميون العرب وغيرهم!
اذن ذلك درس مهم يجب حفظه!
وحرب القذافي العبثية في تشاد والصراع الجزائري المغربي حول الصحراء المغربية والصراع بين اليمن الشمالي الذي انتهى بالقضاء على الدولة العربية الماركسية الوحيدة في الجنوب التي ظنت ان اليمن الجنوبي هي المانيا الشرقية وان اليمن الشمالي هي المانيا الغربية, وراحت تقلد الوحدة الالمانية التي حصلت عام 1989! وانتهت الى حرب اهلية وابتلاع الشمال للجنوب وهروب قادته للخارج!
اي ان التقليد الاعمى للاخرين وللمتغيرات الدولية كان احد اسباب سقوط تلك الانظمة!
وانغماس النظام السوري في الحرب في لبنان وتحول الجيش السوري الى اداة فساد واحتلال في لبنان ودعم صدام لميشال عون في مقابل ذلك … الخ!
7. سابعا. الاستهتار الفكري والقيمي والاخلاقي لبعض تلك الانظمة مثلا حرب احتلال الكويت الكارثية وتوريط البلاد بكارثة وهي محاصرة من ايران والحركة الكردية في الشمال والنظام السوري في الغرب والان جاء الدور للجنوب العربي! والعراق محاصر ولامنفذ بحري حقيقي له يليق به كدولة لها تاريخ عميق وحضارات كبرى! وهذا لايسمح له بحرب استنزاف او حرب طويلة.
اما الحرب الايرانية العراقية فقد صمد العراق فيها بسبب الدعم العربي والمنفذ الاردني والديون الخارقة لان النظام السوري اغلق خط الانابيب النفطية الذي كان يصدر مليون برميل يوميا! وبقى لديه فقط الخط التركي عاملا وهو يحمل مليون برميل ويوميا ثم بنى صدام خطا مع السعودية لم يكتمل خلال الحرب ولم يعمل ولما احتل صدام الكويت احتلت السعودية هذا الخط ايضا ولم يتحدث عنه احد من زمرة الفساد والتجسس الحاكمة بعد 2003 بل تحدثوا طويلا عن بناء قبور البقيع!
اما الكويت التي باعها البعثيون عام 1963 بلا ثمن او بثمن بخس وسمحوا لها بالانفصال والانضمام للامم المتحدة لرغبة عبد الناصر المبطنة في العداء لعراق قوي! متمدد وفق فلسفة سقيمة كانت تعتبر ان دول الخليج المجهرية يجب ان تتمع بالاستقلال والحماية وقد تحولت تلك الدول الى اخطر منشا للارهاب والتخريب طال كل الدول العربية الكبرى!
ثم عاد صدام لاحتلال الكويت والدعوة بانها عراقية! مع ان الوضع الدولي والاقليمي لايسمح بذلك وربما كان ذلك ممكنا عام 1980 بدلا من الحرب مع ايران اي ان ذلك النظام او الانظمة لم تقرا او تتفهم المتغيرات الدولية ابدا!
وقد كان على صدام فور بدا الحشد العسكري في السعودية ان لاينتظر استكمال تلك الحشود لتهاجم وتدمر العراق بل كان يجب عليه مهاجمتها بدلا من الانتظار وكان عليه ان لايقبل بشروط وقف اطلاق النار التي اقرت التفتيش الدولي والتخريب للمنشئات العراقية وانتهى الامر بعد تدميرها تماما الى اتهامه كذبا بسبب تلفيق المعارضة العراقية الداعرة بان لديه اسلحة وامكانات كتلوية ثم جرى, بعد حصار مريع دمر العراق والمجتمع بعد 13 عاما اوجد مع حملة صدام الايمانية القاعدة المادية للاسلام السياسي المتخلف! وستحمل صدام وامريكا بناء تلك القاعدة وتتحمل امريكا تمكين تلك القاعدة من الاستيلاء على السلطة بواجهات من مزدوجي الجنسية من جواسيس وعملاء وزبالات, وبعد الحصار ذلك تم احتلال العراق وتم تدمير البلاد ونهبها وتدمير تاريخها وتسليمها لاوباش ايران والحركة الكردية وعملاء وجواسيس الدول الاجنبية من المتسكعين على الارصفة في تلك العواصم ومراجعي السفارت ومزدوجي الجنسية متعددي الولاء للخارج!
وفعل القذافي ذلك عندما دمر برنامجه النووي ومن ثم تم القضاء عليه وكاد النظام السوري يسقط لولا الدعم الروسي الحاسم…
فقط نجت كوريا الشمالية الشيوعية التي دفعها التهديد الامريكي لانتاج السلاح النووي والتهديد به! وهي دولة ضعيفة الامكانات الاقتصادية ومغلقة ولكنها تتملك صناعة عسكرية قوية ضمنت امن البلاد وهزت اقوى دولة في العالم!
8. ثامنا. بطالة مقنعة وادارات بائسة وقيادات عسكرية متخلفة وانظمة تدور حول نفسها في مدارات مرسومة سلفا او مدارات عبثية لايعرف احد اين ستنتهي, وقياداتها مصابة بحب الظهور والتفاخر والتباهي وجنون العظمة والدموية كثيرا وتقديس الشعارات وليس الاهداف وعدم فهم الممكن واللاممكن ولافهم عميق للوسائل الحقيقية والوسائل الوهمية! ولافهم للمتغيرات الدولية وامكانات دولها!
9. تاسعا. عدم التفكير باعداد اجيال جديدة للقيادة وتعزيز دور المواهب والنبواغ من الشباب ومدارس المتميزين لتسليمهم قيادة الدولة مستقبلا, بل سلمت او بدات بتسليم ابناء الحاكم والاقرباء من الاغبياء والعاهات او انصاف الاميين والجهلة مقاليد الامور من اجل استمرار ذلك الارث المتخلف العشائري والقبلي ..باعتبار ان الدولة هي ملك لذلك الحاكم وارث لعائلته من قبله!
هذا الامر, امر حكم العائلة والعشيرة يتعلق بالجزء الشرقي من تلك الانظمة مع ليبيا في الغرب!
وهكذا بدات تلك الانظمة تدور في حلقة مفرغة خارج التاريخ والجغرافية والمنطق وانتهت الى تلك النهاية الماسوية غير ماسوف عليها!
10. عاشرا. اصبحت تلك الدول منتجة وطاردة للكفاءات بشكل متزايد مع زيادة ازماتها ومشاكلها الاقتصادية وانعدام الديمقراطية والحرية فيها.. والان دول طاردة للكفاءات لانها لم تعد تنتج ذلك بعد كل الخراب الذي وقع والتخريب المتعمد لكل مناحي الحياة فكل كفاءة على الاغلب تحتاج الى حرية وتقدير ومدخول جيد واحترام وسلام وامن وذلك غير متوفر على الاغلب لكون تلك الدول هي دول متازمة دائما .. وعندما تكون تلك الدول بهذا الوضع تتضائل اي فرصة للتقدم الحقيقي! اي ان التقدم بحاجة الى سلم دائم او ديمقراطية حقيقية وتنمية وتطور ورفاهية وتاكيد على النوع لا على الكم (الذي سارت عليه تلك الانظمة على الصعيد الداخلي) كما هو حال اسرائيل!
11. احد عشر. الانفاق العسكري المذهل دون الاهتمام بترقية الانسان المقاتل وتطوير التقنيات والاستخدام الامثل للسلاح والحفاظ عليه وتطويره ورفع المستوى العملي والاداري والقيادي لان الوساطة والمناطقية والحزبية وغيرها هي من تحدد من يشغل المناصب القيادية ومادونها التي هي عماد الدولة الفعالة ان كانت تقودها للتطور او للتخلف!
وهكذا راينا تلك الجيوش في كثير من الحالات تترك دباباتها المتطورة الغالية والياتها وتهرب حتى دون ان تقوم بتدميرها خشية وقوعها بيد العدو ليستخدمها ضدها!!
لان قادتها على الاغلب اغبياء وجهلاء ومتعجرفون وادارتها متخلفة وادارياتها ودعمها اللوجستي فقير ورواتبها منخفضة وقضيتها لم تعد تومن بها! وهي تقاتل تحت نظام فاشل عشائري او قروي وضع العشيرة والعائلة فوق الدولة وتركهما يستهتران باعلى درجاته بلا قانون ولاعدل ولارادع..
لابل ان تلك الجيوش لم يجعلها شي اخر تتماسك وتستمر في القتال الا الاعدامات والقمع والتصفيات وعقاب الاهل! والمغريات المادية دون ان تقاتل بشكل عام (عدا حالات خاصة) بداعي الدفاع عن الوطن او الحرمات او الاهداف الوطنية الواضحة مع ان تلك الجيوش كانت افضل كثيرا من حيث الاداء والقوة والتدريب والعمل من الجيوش التي تلت مرحلة تدمير تلك الانظمة وانتاج جيوش جديدة كسيحة غارقة في الفساد والمحسوبية والرشوة والتامر وسيطرة المدنيين المتحزبين من المرتبطين بالخارج وقد كانوا من سقط المتاع!