لم يدر في خلدي أن تهنئتي بقدوم السنة الميلادية الجديدة ، ستجعل من صديقي وزميلي الذي دامت ( عشرتنا ) اكثر من اربعين عاما ، شخصا فاقدا لهدوئه المعروف ، وتحول الى انسان مكفهر الوجه ، حيث استقبل تهنئتي ببرود يشبه الاستهجان ، وحين سألته عن موقفه هذا ، قال بصوت مخنوق : انك تهنئني بغلق صفحة من حياتي ، واستقبال اخرى تقربني الى ما لا أريد … اليس للإنسان عمراً محدداً ؟
وزاد في قوله : انا الان في عمر ، أتوسل أيامه ان تطول ، وساعاته ان لا تنتهي … ولا اريد من يشعرني بأني تقربت من نهاية مشوار الحياة وانا حي ، رغم أن الموت حق !
اعادتني حالة صديقي ، الى خارطة جدلية الحياة التي نعيش : في مرحلة الطفولة ، نتمنى ان تسرع الحياة ، لمسك خيوط الصبا والشباب ، ثم نحث الخطى لبلوغ الرجولة ، وبعدها تبدأ تخيلات ما بعد ذلك !!… لكن العاقل هو من يفهم حقيقة البداية والنهاية في كل شيء.. مثل الربح والخسارة … فالربح يثير الفرح ، والخسارة تسبب الألم ..
لقد نسى صديقي ان شخصين فقط يقولان الحقيقة : عدو فقد أعصابه ، وصديق محب فعلا ، فالحقيقة دوما مؤلمة، والبحث عنها أشد إيلاما ، كما نسى صديقي ، ان الغد ربما يكون افضل ، رغم انه يقربه من النهاية المحتومة التي تقلقه ، شريطة قدرته على صنع هذا الغد ، وأن يفكر بشكل ايجابي ، ففي حياة كل منا لحظة، لا تعود الحياة بعدها كما كانت… هي سيرورة الدنيا منذ الخليقة ، فعلينا ان لا نرتعب من الآتي ، ولا نجزع منه … فهو الحقيقة الاكبر ، والمصير الذي لا يخطئ . والذكي ، من يدرك ان الحياة خداعة، فهي تسرنا دقائق ، وتقلقنا ساعات ، ولا يمكن تأمين مكرها ، فهي مثل أمواج البحار ما تفتأ تهدأ ثم تعود الى الهيجان !
لزميلي العزيز اقول : عش يومك ، ولا تفكر بالغد إلا بما هو نافع وخير، وتأكد ان هناك من يشعر بك دون أن تنطق بكلمة ، وهناك من لا يسمعك ولو تحدثت أمامه العمر كله ، فلا تضيع وقتك في التفكير بما هو آت فعلاً !