منذ القرن الرابع عشر الميلادي، يتسيّد الغربُ، العالم، مكلّلا انتصاراته التاريخية باكتشاف امريكا التي هرع اليها الاوربيون، للاستيطان فيها، وإعمارها لتصبح الدولة الأقوى في العالم.
لم يكن ذلك الانجاز محض صدفة، اذ تزامن مع اندحار العرب المسلمين في اسبانيا، فكأنّ أمريكا بُنيت على أطلال غرناطة، رمزاً، وروحاً، بل انّ الذي موّل رحلة البحار كولومبس الاستكشافية هي ملكة إسبانيا، ايزابيلا، التي انتصرت على المسلمين، وأجْلتهم من أرض الأندلس لاكتشاف مسالك إلى الهند، لا تمرّ عبر نفوذ المسلمين.
سنة بعد سنة، يعزّز الغرب تفوقه، ففي العام 1488 قلَب الأوروبيون، الجغرافيا باكتشاف رأس الرجاء الصالح، ودار ماجلان حول الكرة الأرضية في العام 1519، وفي السنوات 1768 -1771 اكتُشفت نيوزيلندا، ونجح غريغوري بلاكسلاند في العام 1813 في الوصول الى أستراليا.
صَاحَب هذه الاكتشافات، اختراعات مهمة في العلوم، وتحرّر العقل الأوربي رويدا من الخرافة، والتراث الاعتقادي العتيق، وحلّ التفكير الابتكاري المستقل، محل الجمود الفكري المحمي بالغيبيات والعرفيات. مقابل ذلك انهارت الممالك الإسلامية، وزحف الجهل في المجتمعات، وسيطرت الأمية العقائدية على الافراد الذين أصبحوا أسرى ايديولوجيات،
عقِمت عن إنجاب مشاريع قادرة على الحياة بروح العصر.
بل انّ جلّ الصحوة الذي شهدتها بعض الدول العربية والإسلامية على تواضعها، مثل انشاء المطابع والصناعات هو من ثمار الغرب.
وحيث يغطّ العرب في نوم عميق، وانهيار تام في الاستجابة لتحديات العصر، توصّل علماء الغرب في 2007، الى طريقة إعادة برمجة خلايا الجلد إلى خلايا جذعية، دون استنساخ أو تدمير الأجنة. وصمّم جهابذة الفكر العلمي الغربي الخلاق، الكمبيوتر العملاق بسرعة أكثر من كوادريليون عملية في الثانية الواحدة، عن طريق محاكاة الدماغ البشري. وينتظر العالم في العام 2020، انطلاق نظام الهايبرلوب، فائق السرعة بنحو 1,200 كيلومتر في الساعة.
واكتشف العلماء، العشرات من الكواكب المماثلة للأرض، فيما تستعد الصين لتدشين طريق الحرير، بعد أن أضاءت الجانب المظلم من القمر، وارسلت قطار بضائع يقطع مسافات هائلة، من دون توقف، الى إنكلترا.
مقابل هذه الانقلابات العظيمة، يزدهر الإرهاب والطائفية، والتجهيل، والفساد، والتفسخ في مجتمعاتنا. وبدلا من ظهور اكتشاف جديد، ينفع الناس، يولد امّا تنظيم إرهابي، أو فكر ينسخ الماضي الى العصر، او نخب متعصبة ومتطرفة تقود الناس الى التجهيل، وتُفسح لها شاشات الفضائيات ونوافذ وسائل الاعلام.
العالم يفكّر في المشاريع الثوروية الكبرى التي تغيّر وجه العالم، ولا زلنا نفكر بأسلوب المؤامرة، فشركات النفط
التي تنقب عن النفط في بلادنا، والمصنع الذي يستثمر في أرضنا، والبضاعة التي تٌسوّق من هنا وهناك، كلها مؤامرات ودسائس، يجب ان لا يُسمح بها. بل حتى قناة السويس، تم تأميمها على عجل، بدوافع الحماسة الثورية فلم ينتظر عبد الناصر بضع سنوات، لكي تصبح القناة ملكا لمصر وفق المعاهدة، الأمر الذي أدى الى الحرب، فيما صدام حسين طرد شركات النفط المستثمرة، لكي تؤول مليارات الدولارات من النفط الى حروبه الخاسرة.
لم يكن التطور الغربي والتخلف الإسلامي العربي، محض صدفة، بل نتيجة طبيعة لتحرر العقل الغربي، واخضاعه الى قوانين التطور، وتحريره من العبودية الفكرية التي تفتك اليوم بالعقل المسلم.
هذا هو السبب الذي يعجّل في ارتقاء الغرب واليابان والصين، والنجاح بشكل مذهل في تنوير الأفكار، وتهذيب السلوكيات، وجعل الفرد مؤدلجا بمفاهيم إنسانية متحضرة، يفكر بآليات عصرية تحليلية، علمية، اجتهادية، تنبذ الجمود، بالتركيز على التربية والتعليم، بعيدا عن الوصايا الأيديولوجية على اختلاف مسمياتها، ولم يكن لينجح ذلك، ما لم تتوفر البيئة الديمقراطية والمجتمع العادل، الضامن لحقوق الإنسان.