إن حكومة الاغلبية السياسية وفق المعطيات التي تقدمت باتت تشكل الحل المتبقي لأنقاذ التجربة السياسية في العراق, كما انها تمثل التجلي الحقيقي لمعنى التغيير الذي طالبت به المرجعية الدينية وصوَّتَ لأجله اغلب ابناء الشعب العراقي في الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً والتي تكللت بفوز ساحق لقائمة إئتلاف دولة القانون وحلفائها التي رفعت شعار تشكيل حكومة الاغلبية السياسية. اننا نعتقد ان التغييرالذي يتطلع اليه الشعب العراقي يكون على عدة مستويات: المستوى الاول بتغييرالاشخاص الفاشلين في السلطتين التشريعية والتنفيذية وهذه المهمة يُفترض ان يتكفل بها الناخبون من خلال عدم التصويت لهؤلاء الفاشلين وانتخاب مَن يتحلى
بالكفاءة والنزاهة, وهذا ما ستكشف عنه نتائج الأنتخابات البرلمانية وكذلك التشكيلة الوزارية القادمة التي يُفترض بها ان تضم وجوه جديدة كفوءة ونزيهة, اما المستوى المستوى الثاني فيتمثل بتغيير السياسات السابقة التي انتهجتها الحكومات في ادارة الدولة, واتباع سياسات ناجحة وهذه مهمة مجلس النواب القادم وبالتنسيق مع الحكومة, اما المستوى الثالث من التغيير فيتمثل بتغيير الآلية التي اتبعت عند تشكيل الحكومات خلال السنوات العشرة التي مضت من عمر العملية السايسة ونعني بها آلية (التوافق السياسي) التي اثبتت الايام والسنوات فشلها, ذلك الفشل الذي دفع ولايزال يدفع العراقيون ثمنه موتأً, وفقداناً للأمن, وقلة في الخدمات وتفشي للفساد.
أن تغيير آلية (التوافق) هي مهمة القوى السياسية الفائزة في الانتخابات, وان على هذه القوى ان لا تستغل _كما عودتنا_ هذه المهمة للإبتزاز السياسي. ان القوى السياسية العراقية اليوم تقف امام اختبار عسير وهو اما ان تقدم مصلحة الوطن والناخبين على مصلحتها الفئوية الضيقة وتقرر المضي قدما في اعتماد آلية الاغلبية السياسية لتشكيل الحكومة المرتقبة وبذلك تثبت انها قوى وطنية, او تقدم مصلحتها الفئوية على مصلحة الشعب فتتسبب بمزيد من المعاناة له.
لقد أخذ (التوافق السياسي) فرصته كاملة خلال السنوات التي مرت, ونحن نعتقد جازمين ان الاسباب التي كانت تقف وراء اعتماده عند تشكيل الحكومات السابقة قد انتفت بعد أن تبين الخيط الابيض من الاسود, فلم يعد هناك خوف من اقصاء او تهميش مكون معين من مكونات الشعب العراقي, اذ الكل أخذ حقه واكثر سواء من جهة مشاركته في التشكيلة الوزارية, او من جهة وجوده تحت قبة البرلمان. ولقد آن الاوان لكي يتمتع العراقيون بالأمن والامان, وان يعيشوا كبقية شعوب الدول الديمقراطية بسلام وهذا لا يتحقق الا بإتباع الاساليب المعمول بها عند تشكيل الحكومات في الانظمة الديمقراطية اي عبر تشكيل حكومة اغلبية سياسية تحدد فيها المسؤوليات لكي يسهل محاسبة المقصرين.
*[email protected]