أظهرت نتائج الامتحانات العامة ان نسبة الرسوب في امتحان الدور الأول للفرع الاحيائي كانت 72% وهي نتيجة اطلق عليها احد خبراء التربية المحدثين الدكتور أحمد الجعفري “اسوأ نتيجة في تاريخ الامتحانات العامة في العراق”، ولربما وحسب اعتقادي كانت أسوأ نتيجة في تاريخ الامتحانات العامة في العالم، رغم ما ذكرته الوزارة بلسان وزيرها بان هذه النسبة فيها “إيهام” وان “النسب الكلية تحسب بعد الدور الثاني”!تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي هذه النتيجة الكارثية، وتمت مناقشتها، وتبادلت حولها الآراء واتفقت واختلفت الأسباب، ودار معظمها حول ضعف التحصيل الدراسي للطالب، وضعف التكوين المعرفي للاستاذ، وهزال طرق التدريس، وحرارة الجو اثناء الامتحانات، ونسب التأجيل العالية للدور الثاني، ودخول التعليم الأهلي كمنافس للتعليم الحكومي، وفساد المسؤولين، وأوضاع المناطق التي احتلتها داعش، وعدم وجود دوافع اجتماعية، او وظيفية كافية للطلاب، وسوء المناهج والأوضاع المزرية للمدارس.. الخ من الأسباب التي اعتدنا على سماعها، ولم نعتد على مناقشتها بصورة علمية، ولا الى توفير الدراسات حولها، وتقديم العلاجات الناجعة لها.احد الأسباب الغربية والتي ذكرها أحد المطلعين على أمور التربية والتعليم تعود الى مأزق “الكلية الطبية” الذي وقعت فيه الوزارة بعد تقسيم الفرع العلمي الى احيائي وتطبيقي. وكما يبدو فأن الوزارة لم تجد طريقة أفضل من وضع أسئلة لا تتناسب مع مستوى التحصيل الدراسي للطالب للتقليل من اعداد الطلبة المتوقع حصولهم على معدلات عالية تؤهلهم للقبول في الكلية الطبية والذين سيصعب استيعابهم في الجامعات العراقية.
القدرات العقلية للطالب العراقي
لربما أهم الأسباب التي لم تحظ بالاهتمام الكافي، تكمن في ضعف القدرات العقلية المبنية على الحفظ والاجترار عند الطالب العراقي، بدلا من إمتلاكه لقدرات عقلية مبنية على التفكير الناقد. بما ان الامتحانات في العراق مبنية بالأساس على تقييم قابليات الحفظ واجترار المعلومات، وعلى امتحان الذاكرة قصيرة المدى، فإنها بهذه الطريقة غير ملائمة لقياس ملكة الذكاء للطالب العراقي ومعلوماته. عقلية العراقي لربما تكون في جوهرها وطبيعتها مبنية على ملكة التفكير والفهم والتساؤل والتجريب والنقد، وهي مستويات معرفة عقلية عليا لا تقيسها الامتحانات العراقية ولا يشجع نموها النظام التربوي العراقي. وما يؤيد هذا الرأي هو تجربة العراقي في الدول الغربية حيث تتمثل في نجاحه وتفوقه وإبداعه في المدارس والجامعات الغربية، حيث تتبنى هذه المؤسسات التربوية نهج التفكير النقدي، وفيها تم نبذ نهج التلقين والحفظ الببغاوي منذ بدايات القرن الماضي. ولي في هذا المجال اقتراح بسيط : تخلصوا من نهج التلقين، واعتمدوا نهج التفكير الناقد لتحصلوا على نسبة نجاح عالية جدا و اكثر، ولتبنوا جيلا من المبدعين والمفكرين والقادة الحقيقيين. ومهما كانت نسبة المؤجلين للدور الثاني، والتأجيل كما يبدو أسلوب شائع في العراق غرضه بسط فترة الامتحانات لزيادة فترة الاستذكار والمراجعة، فان ذلك لا يعفي النظام التربوي من الخطأ الذي يرتكبه في الاعتماد على التلقين واجترار المعلومات السطحية خلال امتحان لا تزيد فترته عن ساعتين او ثلاث يتم فيه تقييم معلومات ومعارف وفهم الطالب وقدراته الذكائية وتحصيله الدراسي كاملا. أليس من المعقول ان يتم معاقبة الفاشل في النجاح في الدور الأول بدلا من مكافئته كما كان معتادا عليه في السابق حيث تخصم من معدل الطالب التراكمي خمس درجات من كل درس نجح فيه في الدور الثاني، أو ان تحسب درجة النجاح الصغرى مهما حصل الطالب الناجح من درجة اعلى او لربما احتساب “المعدل التراكمي” لسنوات الدراسة الثانوية ولربما المتوسطة أيضا. لكن هذا لن يغير كثيرا من الواقع الحالي لنظام التربية، ولن يُحسن من اساليب التعليم والتعلم فهو بأحسن الاحوال لن يوفر لنا إلا ترتيب اكثر عدالة لقابليات الطلبة الببغاوية وتقييم للذاكرة القصيرة المدى. ما هو مطلوب من الدولة وبصورة عاجلة هو معالجة الأزمة التي يمر بها النظام التربوي موضوعيا لتكون نتيجة هذه المعالجة برنامجا اصلاحيا شاملا من خلال الوقوف عند مختلف جوانب مسببات هذه الأزمة وباعتبار هذه المعالجة موضوعا اجتماعيا وسياسيا يهم مستقبل العراقيين، ومستقبل تقدم العراق بشكل عام. ان مسألة اصلاح التعليم بالعراق لم تعد مسألة تقنية تربوية بحتة، بل هي مسألة سياسية، أي انها ليست مجرد مسألة اصلاح الأدوات والبرامج والأنظمة الإدارية، فحال التعليم حاليا هو انعكاس لما وصل اليه الوضع السياسي والاجتماعي العام في العراق. وكجزء من هذه المعالجة أدعو وزارة التربية الى عقد مؤتمر تربوي عام يركز على تطوير المناهج والامتحانات الرسمية، والهدف منه هو أن نضع مشكلاتنا امامنا ونرسم خطة عملية لمعالجتها، ثم ألا يجب معالجة موضوع الجودة وتطبيقه على المدارس لكي نتمكن من تطبيق المناهج الحديثة ومن ثم الوصول الى تصنيف للمدارس، كما هي عليه الجامعات، لكي نرتفع بالمستوى التعليمي والإداري والبيئي للمدرسة.