23 ديسمبر، 2024 8:35 ص

لماذا جاء ترامب تحت جنح الظلام؟!

لماذا جاء ترامب تحت جنح الظلام؟!

خلسة، ومن دون مقدمات، دخل الرئيس الاميركي دونالد ترامب، العراق، برفقة زوجته ميلانيا ترامب، ومستشاره لشؤون الامن القومي جون بولتون، وتوجه مباشرة الى قاعدة عين الاسد الجوية غرب محافظة الانبار،التي يتواجد فيها اكثر من الفي جندي اميركي، ليبقى هناك مدة ساعتين فقط، حيث هنأ جنوده بأعياد الميلاد، وتحدث اليهم والتقط معهم الصور التذكارية!.

ماذا يعني ذلك؟..

لاول وهلة، يعني ان رئيس اكبر دولة بالعالم، الذي كان بأمكانه ان يدخل البيت من ابوابه وفي وضح النهار، بدلا من ان يقفز عبر الشباك، تحت جنح الظلم، وكأنه لص، تجاوز كل المعايير والضوابط الاخلاقية والعرفية والدبلوماسية، وجاء متسلحا بعقلية القوة والهيمنة والغرور، التي تتمثل بعقيلة “الكاوبوي” المتغطرسة والمتحجرة.

وهو نفسه اقر بذلك، حينما صرح لوسائل الاعلام قائلا، “لو رأيتم ما الذي كان علينا المرور به في الطائرة المظلمة ونوافذها المغطاة بستائر بحيث لا يوجد أي ضوء في أي مكان، ظلام شديد السواد”!.

الم يكن بأمكان ترامب زيارة العراق وفق السياقات الاصولية المتعارف عليها، لتحط طائرته في المطار ويحظى بأستقبال رسمي، ويلتقي نظرائه العراقيين، ويتحدث اليهم ويتحاور معهم، ومن ثم التوجه للقاء جنوده في “عين الاسد”؟.

والم يكن بأمكان ترامب ان يتصرف كأي رئيس او زعيم دولة، وان يكون اكثر شجاعة، بحيث لايصل به الامر الى اطفاء انوار الطائرة واسدال ستائر نوافذها، والعودة سريعا من حيث اتى؟.

سلوك ترامب، اذا كان يعكس في جانب منه غرورا وغطرسة واستخفافا بالسياقات الدبلوماسية، فأنه يعبر في جانب اخر منه عن شعور كبير بالخوف، وعدم الثقة بالنفس، وعدم الثقة بمجمل منظومة الدولة العظمى التي يتزعمها.

ولعل هذا الشعور متأت من ادراك حجم الجرائم التي اقترفتها بلاده في العراق، وما خلفته تلك الجرائم من ماسي وويلات ومشاعر سلبية لدى معظم-ان لم يكن جميع-العراقيين.

وكذلك فأن هذا الشعور الكبير بالخوف متأت من ادراك مدى الرفض الواسع من قبل العراقيين للوجود الاميركي في بلادهم.

كيف لايدرك ترامب كل ذلك، وهو يعرف بالارقام والتفاصيل، العدد المهول للضحايا العراقيين وغير العراقيين، التي تسببت حروب بلاده، والسياسات العدوانية في سقوطها، وكيف لايدرك ذلك، وهو يسمع ويشاهد ويلمس يوميا مايقوله وما يطالب به العراقيون، حيال الوجود العسكري الاميركي، والتدخلات السافرة لساسة البيت الابيض في العراق.

ولسان حال العراقيين، هو ما عبر عنه نائب في البرلمان العراقي، بقوله “إن زيارة ترامب إلى العراق مرفوضة ومستنكرة، فنحن ضد سياسة ترامب وضد اي تدخل بالشأن العراقي، وان أمريكا على رأس الدول المتدخلة بالشوؤن الداخلية، وهي لها تأثير سلبي على العراق من خلال تدخلاتها، خصوصا أن هذه الزيارة لها أهداف ومآرب، فسياسة ترامب باتت واضحة ومكشوفة للجميع”.

ولانحتاج للعودة كثيرا الى الوراء، بل ان ما قالته اوساط وشخصيات سياسية عراقية بخصوص قرار ترامب سحب القوات الاميركية من سوريا، يكفي للتدليل على حقيقة وجوهر المواقف العراقية من السياسات والتوجهات الاميركية، ويكفي للتدليل على ان العراقيين اصبحوا يفهمون ويعرفون جيدا نوايا واهداف واشنطن الحقيقية، التي لاتعكسها الاقوال بقدر ما تثبتها الافعال.

فأذا كان ترامب صادقا في ادعائه بأن قرار سحب القوات الاميركية من سوريا، جاء بعد زوال خطر تنظيم داعش الارهابي، فهنا يقفز التساؤل التالي: “اذا كان الامر كذلك، فلماذا لايسحب ترامب قواته من العراق بعد القضاء على داعش”، وهو بدلا من سحبها يأتي لزيارتها وتقديم التهاني لها بمناسبة اعياد الميلاد، واكثر من ذلك يكشف عن نيته الابقاء على قواته في العراق بالقول “ان الجيش الأميركي قد يتخذ العراق قاعدة لشن عمليات داخل سوريا”، واكثر من ذلك، افصح عن وجود مخططات لانشاء ثلاث قواعد عسكرية جديدة في العراق.

ولسنا هنا بحاجة الى البحث والتفتيش في دلائل واثباتات ومؤشرات على ما تسعى واشنطن لفعله، حيث ان ما افصح عنه ساسة وعسكريين اميركان كبار في مناسبات عديدة، بشأن البقاء في العراق، كان واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار.

بيد ان ما ينبغي على ترامب ومن يدعم ويؤيد ويساند سياساته، ومن يتحمس لها، سواء في العراق او في المحيط الاقليمي والفضاء الدولي، القيام به ، هو ان يتوقف قليلا عند خلفيات وابعاد الانسحاب الاميركي المذل من العراق قبل سبعة اعوام، والرجوع اليه مجددا بعد ان وفر تنظيم داعش الغطاء لذلك، من خلال اجتياحه لمساحات من الجغرافيا العراقية في صيف عام 2014.

ربما لايعلم البعض ان واشنطن انسحبت من العراق قبل سبعة اعوام بعد ان بلغ عدد جنودها القتلى اربعة الاف وخمسمائة، بينما تجاوز عدد الجرحى الثلاثة والثلاثين الف!.

ولاشك ان اية محاولات ومساعي ومخططات جديدة للبقاء طويلا في العراق، وتوسيع نطاق ذلك البقاء، تعني مزيدا من القتلى، ومزيدا من الانكسارات والمشاكل والازمات، التي لن يقو ترامب-العاجز بعد مرور عامين على دخوله البيت الابيض، ان يشكل فريقا مستقرا ومنسجما للعمل معه-ان يوجهها ويتعامل معها بحكمة وهدوء.

ولعل الامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، اوجز الصورة بعبارات مقتضبة من خلال تغريدة له في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، اذ قال “ان زيارة ترامب لقاعدة عسكرية أمريكية بدون مراعاة الأعراف الدبلوماسية يكشف حقيقة المشروع الأمريكي في العراق”، وخاطب ترامب، “ان ‏رد العراقيين على ذلك سيكون بقرار البرلمان بإخراج قواتك العسكرية رغما عن انفك، وإذا لم تخرج فلدينا الخبرة والقدرة لإخراجها بطريقة أخرى تعرفها قواتك التي اجبرت على الخروج ذليلة في 2011”.

يبقى الموقف السياسي والشعبي العراقي العام حيال زيارة ترامب “الليلية” السريعة، وحيال بقاء القوات الاميركية وتوسيع نطاق ذلك الوجود، عدديا وزمانيا ومكانيا، يحتاج الى قرارات شجاعة وجريئة وحازمة من قبل السلطات التشريعية والتنفيذية العليا، حتى تأخذ الامور مساراتها الصحيحة والصائبة، وتنتهي الى النتائج المرجوة والاهداف المطلوبة، ولكي لايعد بمقدور ترامب او غيره التسلل خلسة الى العراق.