18 ديسمبر، 2024 5:39 م

لماذا تٌنتزع الحقوق في بلدي ولاتٌمنح؟

لماذا تٌنتزع الحقوق في بلدي ولاتٌمنح؟

الحكومات العادلة في كل مكان وزمان تحرص على منح حقوق مواطنيها بعدالة لكي تؤدي رسالتها الوطنية بشكل صحيح وتضمن تحقيق العدل بين الجميع , ولكن في العراق الأمر عجيب فالمعادلة تختلف فالخير وفير وموازنات البلد تصل أرقامها الى حدود وأصفار لم يسمع بها المواطن من قبل ويتعذر عليه حتى لفظ هذه الأرقام ,ومع هذا يبقى المواطن العراقي يعيش في دوامة كبيرة من المعاناة والظلم والنقص في كل احتياجاته وحقوقه دائماً ضائعة, وتمر السنوات متتالية ويبقى الحال كما هو عليه.
الصحافة تكتب يومياً عن الحقوق الضائعة والاعلام يسلط الضوء كل يوم على شريحة ويطالب بانصافها والباحثون والمختصون يكتبون ويطرحون الحلول حتى جفّت أقلامهم والحكومات لاتحرك ساكناً والحجج كثيرة ومكررة وملّ المواطن من كثرة سماعها (العجز في الموازنة والارهاب والفساد و و و و) وكل حكومة تتشكل تلقي باللوم على سابقاتها وكل وزير يستلم الوزارة يكشف ملفات كثيرة من الفساد والتقصير في عمل الوزير السابق ويلقي اللوم عليه ويعد بأن في عهده سيكون التصحيح وارجاع الحقوق الضائعة وانصاف المظلومين, والمواطن (يسمع جعجة ولايرى طحيناً).
في الأشهر الأخيرة وعندما وصل المواطن العراقي الى حالة شديدة من اليأس من الاصلاح ونيل الحقوق الضائعة ووصلت العلاقة بينه وبين السياسي العراقي بكل مسمياته الى طريق مغلق وأصبح حجم الفجوة بينهما كبير جداً ولايمكن ردمها, لجأ الى اسلوب آخر للمطالبة بالحقوق وهي التظاهرات القوية والاضرابات لأنه آمن بحقيقة دامغة وهي ان الحقوق في العراق تٌنتزع ولاتُمنح وفعلاً أثبت المواطن العراقي أنه على حق لأنه عندما اندلعت شرارة التظاهرات في البصرة الفيحاء التي تُطعم العراق بوارداتها ويعيش مواطنيها أسوأ الظروف الاقتصادية والصحية والمعاشية وعندما تصاعدت وتيرة التظاهرات بقوة وأصبحت تهدد عروش السياسيين وجدنا الاستجابات السريعة من قبل الحكومة حيث بدأت تنظر بجدية الى طلبات الجماهير وتأخذها بنظر الاعتبار وبدأت الوفود الحكومية الكبيرة تتوالى على البصرة المنتفضة وباشرت بتنفيذ جزء قليل من المطالب ووعدت بتنفيذ المتبقي بسقوف زمنية معينة, هذا حال البصرة أما المحافظات الأخرى فلم ينظر أحد الى مطالبها لأن صوتها لايزال غير مسموع ولا يهدد العروش,ونفس الحال ماجرى في الاضرابات القوية التي قامت بها نقابة المعلمين ونقابة المهن الصحية حيث لجؤا مجبرين الى نفس الاسلوب مع الحكومة التي لاتمنح الحقوق ولاتسمع المطالب الا بهذه الطريقة وقد نجحت النقابتين في انتزاع جزء كبير من حقوق الشرائح التي تمثلها.
ما أريد قوله بأن مايجري في العراق يسير بنا الى منعطفات خطيرة لأن ماجرى من الأمثلة التي ذكرتها سيؤسس الى ثقافة جديدة تسود في البلد وهي أن السبيل الوحيد الى انتزاع الحقوق هو الاضرابات والتظاهرات وايقاف العمل في مؤسسات الدولة لاجبار الحكومة للرضوخ لتحقيق المطالب ولا نستغرب في الاسابيع القادمة اذا ماسمعنا باضرابات جديدة تقوم بها شرائح أخرى للمطالبة بالحقوق وهذا سيجرّ البلد الى نوع من الفوضى والتخبط وأنا لا ألوم من يقوم بالاضرابات والتظاهر لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس ولكني ألوم الحكومة والبرلمان وكل من بيده القرار بأن يعيدوا حساباتهم ويعملوا بوازع وطني بالنظر في حقوق جميع المواطنين ولا ينتظروا المظلوم حتى يتظاهر ويشارك باضرابات للمطالبة بحقوقه الضائعة بل عليهم أن يعملوا لتحقيق العدل والمساواة بين جميع شرائح المجتمع وأن يستنفروا كل الجهود ويضعوا كل الحلول الناجعة لنشر العدل بين الجميع ولا يتحججوا بالعجز المالي في الموازنة لأن بنودها متخمة بنفقات حكومية كبيرة يمكن ضغطها وتحويل واردتها لتحقيق المطالب وانصاف المواطن العراقي الذي يعاني يومياً من كم هائل من النقص في الخدمات الأساسية بسبب سوء الأداء السياسي للحكومات المتعاقبة,فراجعوا أنفسكم وانصفوا المواطن ولاتجعلوه يلجأ الى اضرابات وتظاهرات جديدة.