23 ديسمبر، 2024 2:05 ص

لماذا توفر بعض الحكومات برامج الضمان الاجتماعي ؟ معادلة الدخل والاستهلاك

لماذا توفر بعض الحكومات برامج الضمان الاجتماعي ؟ معادلة الدخل والاستهلاك

يعتبر الاستهلاك consumption هو الغاية النهائية للانتاج، اذ لامعنى للانتاج من دون وجود طلب كافٍ لتصريف ذلك الانتاج.. والطلب هو تعبير عن الحاجة والقدرة والرغبة في شراء ذلك الانتاج..
والطلب ،بافتراض توفر العقلانية لدى الفرد المستهلك، هو لغرض الاستهلاك حتماً.
وقد يكون استهلاكاً مباشراً للمُنتَج ، وقد يكون طلباً على وسائل انتاج تستخدم لاحقاً في انتاح منتجات استهلاكية.
( قد يسأل البعض عن بعض مكونات الاستهلاك الحكومي وكيف يمكن ان تُعتبر استهلاكية ، مثل شراء وزارة الدفاع الامريكية لدبابات وطائرات ؟الجواب انها استهلاكية تستخدم في تقديم خدمة مجتمعية هي حماية الأمن الوطني ولاتستخدم في انتاج اشياء أخرى ، وهي تستخدم لغاية استهلاكها فيزيائياً او تقنياً).
والناتج المحلي الاجمالي للبلد يقسم الى الاستهلاك الخاص ( عائلي وقطاع أعمال)والاستهلاك الحكومي زائداً الادخار ( الذي قد يتحول الى استثمار كلاً او جزءاً ) زائدا الفرق بين الصادرات والاستيرادات.
وفي علم الاقتصاد الجزئي microeconomics ، توجد معادلة تسمى دالة الاستهلاك. والدالة هي المعادلة التي فيها طرف تابع dependent وطرف مستقل independent ، اي ان الطرف المستقل هو الذي يتحرك ويتغيّر ويؤدي الى تغييرات معينة في الطرف التابع او المعتمد.
ودالة الاستهلاك المذكورة تشرح كيفية زيادة او نقصان الاستهلاك وكيف يتحدد مستوى الاستهلاك.
الدالة هي :
c= a+by
الرمز C يعني الاستهلاك وهو المتغيّر المعتمد او التابع .
الرمز a يعني :
قيمة الاستهلاك عندما يكون الدخل صفر.
الرمز b يعني الميل الحدي للاستهلاك ( نسبة مايذهب للاستهلاك من الدخل).
ولشرح فلسفة تلك الدالّة ، أذهَب الى ايضاح معنى عبارة ” قيمة الاستهلاك عندما يكون الدخل صفر”.
تلك العبارة تعني ان استهلاك الانسان لايمكن ان يكون صفراً بل هنالك حاجة وضرورة حتمية لحد ادنى من الاستهلاك ، لأنه اذا اصبح الاستهلاك صفراً فأن ذلك يعني الموت.
حيث ان جسم الانسان يحتاج الى حد معين من السعرات الحرارية للبقاء على قيد الحياة. وبناء على ذلك فأن الانسان الذي يصل الى هذا الحد قد يبيع موجوداته او يقترض او يحصل على معونة من شخص ما وقد يضطر للسرقة او القتل او البحث في القمامة للبقاء على قيد الحياة.
خلايا جسم الانسان لاتعرف ان صاحبها الانسان عاطل وليس لديه دخل وهي لاتستطيع التوقف عن حرق الطاقة للاستمرار بالحياة. نقص الطاقة في الدماغ يسبب حالة من الخرَف وتجعل الانسان غير مسيطر على تصرفاته !!
( حدثني صديق مقيم في بريطانيا منذ عقود ، ان القانون البريطاني لايُجَرّم الشخص المصاب بمرض السكري اذا ارتكب جريمة قتل نتيجة انخفاض السكر الشديد).
ولتجنب ذلك ، تتبنى العديد من الحكومات برامج للضمان الاجتماعي تقدّم بموجبها الحكومة مساعدات معينة تحمي الانسان من الذهاب الى خيارات الاعتداء والتشرد ..
أما الرمز b والذي اسميته بالميل الحدي للاستهلاك ، فأنه يعني نسبة مايخصص للاستهلاك من الدخل ، وهي تختلف بين شخص وآخر وبين مجتمع وآخر وبين مرحلة وأخرى..
الشخص الغني تنخفض جداً نسبة مايخصص للاستهلاك من دخله لان دخله عالي ويكون قد اشبع استهلاكه ولاداعي لمزيد من الاستهلاك.
بناء على ذلك فأن الفقراء ينفقون كل او معظم دخولهم على الاستهلاك بسبب العوز وعدم اشباع حاجاتهم …وتكون ادخاراتهم اما معدومة او قليلة جداً.
ان دالة الاستهلاك تعتبر وسيلة مهمة جداً بيد صانع القرار يستخدمها لصنع السياسة الاقتصادية وقياس آثار اجراءاته المختلفة وتصرفاته المالية والاقتصادية وكيف سوف تنعكس على حياة الناس ومستوى معيشتهم..
مسوحات دخل ونفقات الأسرة التي تنفذها معظم الدول بشكل دوري، توفر كمية مهمة من البيانات المتنوعة والتفصيلية عن دخول الأُسَر وكيفية التصرف بتلك الدخول..
تحليل ودراسة تلك البيانات واستخراج العلاقات بين المتغيرات ، مهم جداً ومفيد جداً للحكومات التي تتبنى سياسات علمية في ادارة اقتصاداتها.
ذلك يفترض سلامة بناء العينة لان ذلك المسح يجري باسلوب العينة المُمَثِلة representative sample الذي يفترض ان يعكس واقع وتركيبة المجتمع بشكل واقعي. اضافة لذلك فأن وعي الجمهور الذي يقع ضمن العينة ودقة بياناته ، يعتبر شرطاً جوهرياً لنجاح العمل.
اخيراً ، فأن حساب الميل الحدي للاستهلاك وبالتالي الميل الحدي للادخار ، هو العامل الجوهري في احتساب أثر الأنفاق الحكومي الهادف لتحفيز الاقتصاد من خلال معادلة مايُعرَف بالمُضاعِف.
لذلك نرى ان الحكومات الغربية التي لديها برامج للتحفيز تستطيع تقدير الأثر المتوقع لتلك البرامج..