العصر ميدان تفاعلات أنوار علمية متدفقة من مشاعل العقول المبدعة , المتطلعة إلى مستقبل يعبق من سناء الأفكار , ويترجم إرادات الأجيال المتوثبة نحو التجدد والتميز والإقتدار.
وفي خضم أمواج تيارات الجريان المتواكبة , تجد العرب قد توحلوا بالدين , وما عادوا قادرين على الخطو السريع إلى أمام دون إحجام , وبذل جهد لجرجرة عربات الوراء المحملة بالأوهام.
بل أن الأجيال تزداد إنغماسا وإنطماسا في مستنقعات الدين بآفاته المتنامية وتصارعاته الحامية , والناس تتحرك في دوامات الوجيع الناجمة عن التفاعل المريع.
لا يوجد مجتمع بلا دين , فليس العرب لوحدهم أصحاب دين , فلماذا صارت حياتهم فريسة لدين؟!!
إن ما يجري في الواقع العربي مرسوم بإتقان , فهي الأمة الوحيدة التي أوجدها الدين , كأمة ذات شأن حضاري سامق ومؤثر في مسيرة الإنسانية , وعلى عاتقها مسؤولية إخراج البشرية من الظلمات إلى النور.
وبما أنها كذلك , فيمكن قتلها بالدين!!
ووفقا لهذا المفهوم تأسست ما تسمى بالأحزاب الدينية , التي في حقيقتها تهدف إلى قتل الأمة بالدين , أي أنها تنفذ الأجندات المرسومة للنيل من وجود الأمة , والإنقضاض عليها بما فيها من الطاقات والثروات لتبيد حسب ما يتوهمون.
ولكي تقتل أمة وتنهكها عليك بتجنيد أبنائها ليكونوا قوة مدمرة لكيانها وجوهرها , ومن هنا فأن كل سلوك مؤدين لا يخدم الأمة , ويتعارض مع قوتها وأمنها وسيادتها , بل وينقض على تأريخها , ويستهجن معالم وجودها الفارقة.
ولهذا فأن الحركات المؤدينة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم , لم تأتينا بما ينفع الناس ويقوّي الأمة ويزيدها إقتدارا ويرفع من شأنها , بل تكاد تشترك في أنها أذلتها وأضعفتها , وشوّهت صورة الدين , وضربت الإسلام في قلبه , وجعلت ما تقوم به من نشاطات بإسمه , معادية لجوهره وقيمه ومعانيه.
ولكي تنصر الأمة الدين عليها أن تتحرر من قبضة هذه الأحزاب والحركات , التي بقولها مع الإسلام وبفعلها من أشد المعتدين عليه , والمشوهين لخصاله الرحيمة الإنسانية الطيبة.
فما تتعرض له الأمة حملة غادرة بقيادة أبنائها المغفلين المبرمجين لتأمين مصالح الآخرين , ويحسبون ما يقومون به عملا صالحا , وفي حقيقته خبيثا وآثما , فالأمور بخواتمها , فما هي إنجازاتهم الصالحة للأمة؟
ولا ننسى أن فشل الأنظمة والأحزاب السياسية بأنواعها في إرساء دعائم وآليات الحكم الدستوري المعاصر الذي يحترم قيمة الإنسان , قد أسهم بهذا التوحل والنكوص المدمر للحاضر والمستقبل.
فهل من عزيمة عقلية وإرادة تنويرية , قادرة على إزاحة طوابير الظلام والإعتام من مسارات نكون؟!!