ظهرت بعض الانتقادات من قبل بعض السياسيين في وسائل الإعلام, حول اعتماد محطات انتاج الطاقة الغازية الكبيرة في المنظومة الكهربائية الوطنية بالرغم من عدم توفر الكميات المطلوبة لتشغيلها بوقود الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من توضيح المعنيين في قطاع الكهرباء في ندوات ولقاءات باعتماد معايير علمية واقتصادية لتقييم واختيار انواع محطات الانتاج بناء على كلفها الاستثمارية والتشغيلية وآلية عملها وانواع الوقود المستخدم لتشغيلها. استمر هؤلاء بانتقاداتهم, أما لجهلهم أو لغايات اخرى, بل لم يكلفوا حتى أنفسهم بزيارة محطات انتاج الطاقة الكهربائية للوقوف على العملية المعقدة لصناعة الطاقة الكهربائية وآلية تشغيلها. إن وزارة الكهرباء, سبق وأن أعدت خطتها المركزية التي اطلقتها في تشرين الثاني من العام 2006 ولعشر سنوات القادمة، وبإشراف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي. وتم توسيعها لاحقا الى عام 2030 من خلال تكليف مؤسسة كهربائية عالمية (بارسونز برنكيرهوف), مع اعداد التصاميم لقطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع، ونوع محطات الانتاج ومواقعها وربطها مع شبكات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية. وقد تم نشرهذه الخطة المركزية بتفاصيلها في موقع وزارة الكهرباء ليطلع عليها المعنيين والمهتمين. وعلى ضوء هذه الخطة المركزية, تم توقيع عقود لمشاريع محطات إنتاج الطاقة الكهربائية بسعة كلية بحدود 16 ألف ميكا واط وعقود مكملة لشبكات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية, اضافة الى تجهيز مراكز سيطرة وتحكم لتشغيل المنظومة الكهربائية ومراكز تدريب وتاهيل العاملين في القطاع على ان تكتمل هذه المشاريع جميعها في عام 2015. ان مشاريع محطات الانتاج تضمنت محطات الغازية ذات السعات الانتاجية العالية والحديثة تكنولوجيا والقابلة للتوسع الى الدورة المركبة ذات الكفاءة الانتاجية العالية. صممت هذه المحطات الغازية بان تعمل على كافة انواع الوقود المتوفرة والمعرفة كمياتها في الخطة الوقودية المقدمة من وزارة النفط (الغاز الطبيعي, النفط الخام , الوقود الثقيل والوقود الخفيف), حيث ان مبدأ تشغيل المحطات الغازية يكون من خلال تدوير ترابين المحطات بالغازات ذات الضغط والحرارة العاليين الناتجة من غرف الاحتراق بغض النظر عن نوع الوقود المستخدم سواء كان سائلا اوغازيا, وكما هو في مبدأ عمل الترابين النفاثة لمحركات الطائرات التي تعمل على الوقود السائل. أما مبدأ تشغيل المحطات البخارية فيكون من خلال تدوير ترابين المحطات بالبخار المنتج من المراجل البخارية وبغض النظرعن نوع الوقود المستخدم. وتضمنت الخطة المركزية ايضا, تفعيل العقود القديمة لمشاريع محطات الانتاج البخارية الكبيرة وحسب دراسات الجدوى الفنية على ضوء شحة الموارد المائية في حوضي دجلة والفرات. ان سبب التوجه بمشاركة المحطات الغازية ذات السعات الانتاجية العالية واعتمادها كحمل اساس في المنظومة الكهربائية, هو لتجنب التوسع في اعتماد المحطات البخارية في المنظومة الوطنية لمحدداتها التي بدأت منذ منتصف تسعينات القرن الماضي بسبب شحة المياه في نهري دجلة والفرات (ومستقبل انخفاضه دون الحدود التشغيلية لمحطات انتاج الطاقة البخارية), وحسب دراسات الجدوى الفنية على ضوء بيانات الايرادات المائية والتصاريف لحوضي دجلة والفرات, والتي تم تقييمها واعتمادها في لجنة الطاقة الوزارية وهيئة المستشارين في مجلس الوزراء, حيث بلغ المعدل السنوي لايرادات نهري دجلة والفرات وروافدهما في العام 1975 بحدود 79,7 مليار متر مكعب / سنة. وأصبح المعدل السنوي
لايرادات نهري دجلة والفرات وروافدهما في العام 2008 بحدود 49.6 مليار متر مكعب / سنة, في حين بلغت الحاجة الكلية بمقدار 66 مليار متر مكعب /سنة. ومن المتوقع استمرار الانخفاض في الايرادات الكلية في السنوات القادمة لتصل في عام 2020 الى نسبة %40 من الاحتياجات الكلية البالغة بمقدار 80 مليار متر مكعب/سنة, بعد أكتمال انشاء منظومة السدود لمشروع جنوب شرق الاناضول (GAP) فـي تركيا. ان مؤشرات انخفاض الموارد المائية المستمرة, تطلب إعادة النظر في سياسة استخدام المصادر المائية للإغراض الصناعية، ومنها اعتماد محطات أنتاج الطاقة الكهربائية البخارية كحمل اساس في المنظومة الكهربائية ,كونها المستهلك الصناعي الاكبر للمياه, حيث أن عملية أنتاج الطاقة الكهربائية لهذه المحطات تعتمد اساسا على معدلات التصاريف ومناسيب المياه في الانهار, وأن الانخفاض في مناسيب المياه الى مستوى الحدود التشغيلية الدنيا عند هذه المحطات سيؤدي الى توقف عملها. علما بأن كميات المياه المطلوبة لمحطة بخارية بسعة 1000 ميكاواط لمنظومة التبريد في الدورات المفتوحة وبمقدار 50 متر مكعب/ثانية ، وتعادل هذه الكمية نصف معدل تصاريف نهر دجلة في محافظة واسط , ونصف معدل تصاريف نهر الفرات في محافظة ذي قار. وبسبب انخفاض الايرادات المائية أيضا في حوضي دجلة والفرات، انخفضت مشاركة انتاج المحطات الكهرومائية في المنظومة الكهربائية, حيث أن إنتاج هذه المحطات يعتمد اساسا على معدلات التصاريف ومستوى المياه في أعالي السدود. ان انخفاض نسب الايرادات في حوضي دجلة والفرات ومؤشرات انخفاضها للسنوات القادمة، إضافة الى تطور تكنولوجيا المحطات الغازية وارتفاع نسبة كفاءتها وتغيير فلسفة تشغيلها، تم اعتماد مشاركتها كحمل اساس في انتاج الطاقة الكهربائية ومنذ بداية هذا القرن. واعتبرت كبديل افضل عن المحطات البخارية العاملة على الوقود الغازي, حيث وصلت كفاءة انتاجها الى 36% للدورة البسيطة و 58% للدورة المركبة، وانخفاض الكلفة النوعية الاستثمارية لتصل الى 700 ألف دولار/ ميكاواط للدورة البسيطة, و 500 ألف دولار/ ميكاواط للدورة المركبة, اضافة الى سرعة انشاءها وإنخفاض كلف تشغيلها. وبسبب تأخر إنشاء البنى التحتية في القطاع النفطي من مصافٍ جديدة، وإستثمار الغاز المصاحب الذي لايزال يحرق بكميات كبيرة تصل حاليا الى 1000 مليون قدم مكعب يوميا, والتأخر في استخراج الغاز الحر من المكامن المكتشفة. توجب على قطاع الكهرباء اعتماد محطات الغازية لتعمل على كافة أنواع الوقود وحسب ما توفره وزارة النفط، والتشغيل على الوقود الثقيل أو النفط الخام بشكل مؤقت بالرغم من كونه غير اقتصادي ويعمل بكفاءة تشغيلية اقل، ولحين إكمال استثمار الغاز المصاحب و تطوير الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص في عام 2014. إن عدم تنفيذ وزارة النفط بالتزاماتها بتوفير الغاز أو توفير بدائله من الوقود الخفيف, دفعها الى استيراد المشتقات النفطية لصالح وزارة الكهرباء من زيت الوقود (الكازأويل) بمقدار 3-4 مليون لتر/يوم لتشغيل المحطات الغازية. ولأهمية تأمين الغاز الطبيعي لتشغيل المحطات باتاحة وكفاءة عاليتين، قدمت وزارة الكهرباء عدة مقترحات في العام 2007, بدأ باستثمار حقول المنصورية والسيبة وعكاز الغازية لصالح وزارة الكهرباء من الاحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي الحر في المكامن الغازية والمقدر بحدود 110 ترليون قدم مكعب موزعة في حقول (عكاز، المنصورية، الخشم الاحمر، كورمور, السيبة، جمجمال ) وبمعدل انتاج يومي بمقدار 1500 مليون قدم مكعب الذي يكافئ إنتاج 5000 ميكاواط من الطاقة
الكهربائية, إضافة الى الغاز المصاحب المخطط انتاجه ليصل في عام 2014 بمقدار 2000 مليون قدم مكعب يومياً والذي يكافئ انتاج 6000 ميكاوط من الطاقة الكهربائية. ولازال الغاز المصاحب في الحقول النفطية يحرق بكميات تصل الى 1000 مليون قدم مكعب يوميا والذي يكافئ انتاج 3000 والذي كان مخططا انتاجه في عام 2014 .وهذا يعني حرق المزيد من الغاز الطبيعي المصاحب. لم توافق وزارة النفط على المقترح أعلاه. لذا إضطرت وزارة الكهرباء للتعاقد مع الجانب الايراني بتجهيز الغاز المؤمل انجازه قريبا. وقد اثارت وزارة الكهرباء هذه المؤشرات الاستراتيجية في لجنة الطاقة, ومازال إنتاج المشتقات النفطية للمصافي العاملة في العراق لايلبي الطلب التشغيلي لمحطات انتاج الطاقة الكهربائية, حيث إن الوقود الثقيل من مصافي الوسط لتجهيز محطات إنتاج الطاقة في المنطقة الوسطى لا يزيد عن 5 آلاف طن من يوميا، علما بان حاجة هذه المحطات بحدود 9 آلاف طن يوميا، مما تسبب في إنخفاض إنتاج المحطات البخارية والغازية في المنطقة الوسطى, ويتم التعويض سابقا من مصفى بيجي المتوقف حاليا. ان توفير الكهرباء يتطلب اولا توفير انواع الوقود لمحطات الكهرباء ومنها الغاز الطبيعي, وإتضحت المشكلة خاصة بعد المباشرة في تنفيذ المرحلة الثانية من محطات الانتاج الغازية والمعرفة بالدورة المركبة. لذا يتطلب الاسراع في إستثمار الغاز الطبيعي المصاحب والغاز الطبيعي المستخرج من الحقول الغازية, مع العلم بن ما سيتم تحقيقه من استثمار كامل الحقول الغازية مع استثمار كامل كميات الغاز المصاحب ولغاية عام 2020 وحسب الخطة الاستراتيجية للطاقة لهيئة المستشارين في مجلس الوزراء والتي تم إصدارها في عام 2012 سوف لن تغطي الاحتياجات الكاملة من الغاز الطبيعي لتشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية. فكيف سمح لقيادة قطاع الطاقة بالتوجه بإبرام اتفاقيات دولية والتصريح إعلاميا حول خطة العراق بتصدير الغاز الطبيعي من خلال خط انبوب الغازالعربي الى أوربا في السنوات القليلة القادمة, وأخرها تصريح وزارة النفط حاليا بتصدير الغاز الطبيعي الى دولة الكويت بمعدل 200 مليون قدم مكعب يوميا. ان وزارة النفط ركزت في إستراتيجيتها على تطوير قطاع (استخراج النفط الخام) وزيادة انتاجه لغرض الوصول الى أعلى طاقات أنتاج متاحة, من غير ان تولي الوزارة إهتماما مماثلا بالصناعة النفطية المتمثلة بصناعة المشتقات النفطية وانتاج الغاز الطبيعي, حيث ان هذه الصناعة تمثل امن العراق القومي الاستراتيجي للطاقة في منطقة ملتهبة سياسيا, والذي تتوقف عليه ديمومة انتاج الطاقة الكهربائية اساسا. وستستمر معاناة قطاع الكهرباء من نقص في إمدادات انواع الوقود ولسنوات قادمة, وستستمر معاناة المواطن وسيستمر لوم قطاع الكهرباء.