اعتمد العرب قبل الاسلام على التقويم القمري-الشمسي لتنظيم حياتهم و توثيق عقودهم و امورهم الماليه و التجاريه و تثبيت مواسم الحج و الاسواق و الاجتماعات، حيث استخدم القمر لتحديد اشهر السنه، في حين استخدمت السنه الشمسيه لتعديل مواقع الاشهر القمريه في فصولها، وبما ان السنه القمريه المكونه من اثنا عشر شهرا قمريا تقل عن السنه الشمسيه بمقدار احد عشره يوما تقريبا كمعدل عام، لذلك فان كل ثلاث سنوات قمريه تقل بمقدار شهر تقريبا عن ثلاث سنوات شمسيه، لذلك كان يتم اضافه شهر قمري واحد الى السنه القمريه كل ثلاث سنوات، ليصبح طول السنه القمريه ثلاثه عشر شهرا مره واحده كل ثلاث سنين و تدعى هذه السنه بالسنه الكبيسه و يطلق على هذا الشهر بالشهر الكبيس، لتتعادل ثلاث سنوات قمريه مع ثلاث سنوات شمسيه تقريبا، و لكن تبقى هذه السنوات الشمسيه الثلاثه اطول من هذه السنوات القمريه الثلاثه قليلا حتى بعد اضافه الشهر الكبيس. و لتقليل الفرق اكثر بين السنه الشمسيه و السنه القمريه-الشمسيه، كان يستوجب ان تكون الاضافه ثلاث اشهر قمريه كل ثمان سنوات تقريبا، اي ان هنالك ثلاث سنوات كبيسه قمريه-شمسيه في كل ثمان سنوات شمسيه تقريبا و مع ذلك لاتتساوى اطوال السنوات الشمسيه مع القمريه-الشمسيه، و للقيام بحساب ادق فأن كل تسعه عشر سنه شمسيه تزيد عن تسعه عشرسنه قمريه بمقدار سبعه اشهر قمريه تقريبا، لذلك فأن هذه الاضافات لا يمكن حسابها بدقه عاليه مالم تتوفر امكانات رصديه و فلكيه و بعض الحسابات المعقده. و قد قامت قريش قبل الاسلام باناطه مهمه اضافه هذه الاشهر الكبيسه الى التقويم القمري- الشمسي العربي الى شخص من قبيله كنانه يدعى القلمس، و ذلك لابقاء الاشهر القمريه في نفس فصولها و مواسمها و جعل السنه الشمسيه القمريه مساويه للسنه الشمسيه تقريبا.
يذكر الاخباريون ان قريشا اتفقت في النصف الاول من القرن الخامس اليولياني (نسبه الى يوليوس قيصر)، او الميلادي و في زمن قصي بن كلاب، الى اعتماد اسماء الاشهر القمريه التي نستخدمها اليوم و كذلك اضافه الشهر الكبيس لتقويمهم القمري-الشمسي، و كذلك توزيع مهام اداره مكه زمن السلم و الحرب بين القبائل القريشيه و عوائلها المشهوره. و تم اسناد الامور التي تخص مناسك الحج و شعائره و اوقاته الى قبيله كنانه، و اتفقت قريش على اسماء الاشهر القمريه التاليه: محرم، صفر، ربيع الاول، ربيع الثاني، جمادي الاول، جمادي الاخر، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذي القعده و ذي الحجه. و دون الموسوعي جواد علي معضم اخبار العرب في موسوعته الشامله (المفصل في تأريخ العرب قبل الاسلام) و من بينها اخبار التقويم و الحج و الاشهر الكبيسه. و من المؤسف له ان العرب قبل السلام و كذلك في القرون الاولى للاسلام لم يقوموا بتدوين معضم حوادثهم و اخبارهم، بل تناقلوها شفاها وكان اول من دون الاخبار و بطلب من الخليفه العباسي ابو جعفر النصور هو محمد بن اسحق (ت151هج) بكتابه السيره النبويه، و لم يبين احد من الاخباريين متى تحول التقويم القمري-الشمسي العربي الى التقويم القمري فقط و المعمول به الان، و الذي لا يثبت فيه الشهر القمري على فصل من فصول السنه بل يتحرك كل عام احد عشر يوما تقريبا، و يكمل دوره كامله حول السنه الشمسيه كل ثلاثه و ثلاثين عاما تقريبا.
يتفق معضم الاخباريون العرب و المسلمون على اسماء الاشهر القمريه و تسلسلها، و ان هنالك اشهر حرم لا يجوز فيها القتال و لا الغزو، وان هنالك شخص من بني كنانه يدعى القلمس كان يعلن للناس في نهايه كل
موسم الحج ان كانت هنالك حاجه لاضافه شهر كبيس للسنه القادمه لتتوازن السنه القمريه-الشمسيه، مع السنه الشمسيه. و لكن بقيت اسئله كثيره من دون اجابه قاطعه تساعد على فهم و معرفه ما جرى للتقويم القمري-الشمسي العربي، ومنها ماذا كان موقع الاشهر القمريه بالنسبه لفصول السنه و مقدار تزامنها مع الاشهر الشمسيه، و ماذا كان اسم الشهر الكبيس الذي ما عاد يستخدم، و ما موقعه الصحيح بالنسبه للاشهر القمريه، و هل كان هذا الشهر محرما او يجوز فيه القتال، و متى تم ايقاف العمل باضافه الشهر الكبيس، و هل توجد وثائق مكتوبه قديمه تم التدوين فيها لتأريخين احدهما شمسي و الاخر قمري او قمري-شمسي عربي، و سنحاول هنا الاجابه على هذه التساؤلات و اماطه اللثام عما جرى للتقويم القمري-الشمسي العربي.
من الضروري البدء بتحديد موقع الاشهر القمريه بالنسبه لفصول السنه او الادق بالنسبه للاشهر الشمسيه و التي كانت تستخدم حينها والمعروفه بالتقويم اليولياني، نسبه للامبراطور اليوناني يوليوس قيصر، و الذي كان معمول به منذ العام 45 قبل الميلاد و لغايه العام 1582 ميلادي حيث اصبح التقويم يدعى كريكوري بعد اجراء تعديل عليه وتصحيحه باضافه عشره ايام للتقويم و تعديل الطريقه التي يجري فيها تحديد السنه الكبيسه و التي يكون فيها عدد ايام شهر شباط (فبراير) تسعه و عشرون يوما. و كان هذا التقويم الشمسي معمولا به في شمال الجزيره العربيه اي في بلاد الشام و العراق، و تستخدمه القبائل العربيه المقيمه هنالك، وكانت قريش تتبادل التجاره و الحج مع هذه القبائل و مع سكان شمال الجزيره، لذلك فان تجار قريش و رؤسائها كان ملمين بهذا التقويم و يعرفون اشهرها الشمسيه، و لا تزال نفس اسماء هذه الاشهر الشمسيه تستخدم في الشام و العراق و لها جذور بابليه قديمه و لها معانيها في اللغه البابليه و كذلك اللغه السريانيه و التي كانت اللغه السائده حينها، و الاشهر الشمسيه هي: كانون ثاني (يناير)، شباط (فبراير)، اذار(مارس)، نيسان (ابريل)، ايار (مايو)، حزيران (يونيو)، تموز (يوليو)، اب (اغسطس)، ايلول (سبتمبر)، تشرين اول (اكتوبر)، تشرين ثاني (نوفمبر)، و كانون اول(ديسمبر).
عند مراجعه ترتيب الاشهر القمريه وهي: محرم، صفر، ربيع الاول، ربيع الثاني، جمادي الاول، جمادي الاخر، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذي القعده و ذي الحجه. نجد هنالك شهران باسم الربيع و هو اشاره لموسم الربيع حيث تكثر الاعشاب و تخضر المراعي و يتلطف الجو ، و معرفه مواسم الربيع مهم جدا للقبائل العربيه الساكنه في الجزيره و في شمالها ليتحركوا مع قطعانهم و مواشيهم باتجاه هذه المراعي الخضراء و التي تزدهر و تكثر اعشابها مع بدايه الربيع، و معروف ان الربيع يبدأ بالشهر الثالث الشمسي اي اذار (مارس)، و ربيع الاول هو الشهر الثالث ايضا في السنه القمريه العربيه، اضافه الى ان اسم الشهر الرابع الشمسي هو نيسان(ابريل) و نيسان يعني باللغه السريانيه الربيع و السنابل و هذا الاسم يتوافق مع اسم الشهر الرابع االقمري العربي ربيع ثاني. اما بالنسبه لشهري جمادي الاول و جمادي الاخر، فهو يدل على تجمد او تيبس سنابل القمح و الشعير و ضروره البدء بحصادها، وليس له علاقه بجماد الماء كما هو شائع لدى الكثيرين، لان الماء لا يجمد في اي مكان بالجزيره و لا يمكن ان يعقب اشهر الربيع اشهر يجمد فيها الماء، و معروف ان حصاد القمح و الشعير في الجزيره و شمالها يحصل في الشهرين الخامس و السادس من السنه الشمسيه، بل ان اسم الشهر السادس الشمسي و هو حزيران (يونيو) فهو يعني بالسريانيه، الحنطه او الحصاد. و لاحظ ان الشهر السادس القمري هو جمادي الاخر، اي اخر شهر يجب فيه حصاد القمح و الشعير، و لا ننسى ان الحصاد مهم جدا للمزارعين من االقبائل العربيه و كذلك لتجار الحبوب و للمستهلكين ، و ان الرعي و زراعه القمح و الشعير البعلي اي المعتمد على الامطار كانت الكثير من القبائل العربيه و خاصه في شمال الجزيره، تمارسه، لذلك نعتقد ان اشهر ربيع الاول و ربيع الثاني و جمادي
الاول و جمادي الاخر تتوافق مع اشهر اذار و نيسان و ايار و حزيران، و معاني هذه الاشهر الاربع في التقويمين القمري العربي و الشمسي اليولياني متوافقه مع بعضهما البعض ، و اذا تمعنا في كلمه شهر رجب و الواقعه في الشهر السابع القمري، فسنجد ان كلمه “ترجيب” و المشتقه من رجب تعني اسناد ثمار الاشجار و النخيل، و نعرف ان عذوق التمر، و هي مجموعه شماريخ التمر، يجب ان تسند الى السعفه التي تحتها كي لا ينكسر العذق عند نمو التمر و زياده وزن العذق، وعمليه الترجيب تبدأ من الشهر الخامس ايار ( مايو) و تنتهي في الشهر السابع تموز (يوليو) الشمسي اليولياني حسب المنطقه و تسمى هذه العمليه ايضا بتقويس او تركيس عذوق التمر، اي ان رجب تعني القيام باسناد و إركاب العذق على السعفه الواقعه تحتها. اما شوال و الواقع في الشهر العاشر القمري، و الذي يعني تكييس اي وضع الاشياء في كيس، فهو اشاره الى وضع التمور بعد جنيها و تنظيفها في الاكياس المصنوعه من سعف النخيل، و معروف ان عمليه جني التمور و معالجتها ثم تكييسها لتسهيل خزنها و نقلها يتم في الشهر العاشر الشمسي تقريبا، و نعلم اهميه النخيل و التمور للجزيره العربيه و شمالها و لقبائلها، فهو الانتاج الزراعي الاول في المنطقه، اي ان مواسم الرعي و حصاد القمح و الشعير و معالجه التمور و موسم خزنها، كلها مثبته في الاشهر القمريه العربيه و بنفس مواسم و ترتيب الاشهر الشمسيه اليوليانيه، لذلك نعتقد بان اسماء الاشهر القمريه العربيه قد وضعت كي تتوافق مع الاشهر الشمسيه اليوليانيه و الاصح السريانيه-البابليه، اي ان اول شهر قمري و هو محرم يتوافق مع اول شهر شمسي و هو كانون ثاني (يناير)، و هذا يجعل الشهر الاخير في السنه القمريه و هو ذي الحجه يرتبط مع الشهر الاخير للسنه الشمسيه و هو شهر كانون اول (ديسمبر)، اي ان الحج كان يقع في احد اشهر الشتاء، و هو وقت مناسب للحجيج من قبل القبائل العربيه المختلفه للذهاب الى مكه لاداء مراسم الحج و كذلك القيام بالتجاره و التسوق و الاجتماع مع بعضها البعض باسواق مكه و التي تعمر و تزدهر اثناء مواسم الحج.
و قد اشار القرآن الكريم لذلك بوضوح في سوره قريش ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ). و المقصود بالرحله في القرآن الكريم هي رحله القبائل العربيه الى مكه للحج الاكبر في الشتاء، و الحج الاصغر او العمره في الصيف، و مواسم الحج و العمره كانت و لا تزال تجلب الخير لقريش و لاهالي مكه، لما يصرفه الحجيج في هذه المواسم و تزدهر الاسواق و التجاره فيها. لذلك اتفقت قريش مع بقيه القبائل العربيه في الجزيره و خاصه في غربها و شمالها، على حرمه القتال في هذه المواسم، لكي يصل الحجيج الى مكه و يمارسوا شعائرها و يرتادوا اسواقها ثم يغادروها بامان مع بضاعتهم و تجارتهم الى ديارهم، لذلك كانت الاشهر الحرم هي ذي القعده و ذي الحجه و محرم في الحج الكبير في الشتاء، شهر قبل الحج لضمان وصول الحجاج و اخر بعد الحج لضمان عودتهم سالمين، و يكون الحج قبل منتصف الشهر الثاني بقليل. اما الشهر المحرم الاخرفهو رجب مضر ويقع في الصيف و شهر رجب هو السابع من تسلسل الاشهر القمريه اي يتوافق مع شهر تموز (يوليو) و هو للمعتمرين. و لا نعتقد بان المقصود بالرحله في سوره قريش هي التجاره فقط، لان التجاره تحصل عند توفر الاموال اللازمه لشراء البضائع، و حاجه السوق و توفر السلع، و هي غير مرتبطه بالمواسم كالصيف او الشتاء، و لكن المفسرين لم يربط كلمه الرحله بالحج، لانه بعد الغاء السنه الكبيسه، اصبح شهر ذي الحجه يدور خلال الفصول و لم يبقى ثابتا في الشتاء، و اذا تمعنا في ايات السوره الكريمه، نجد ان الله سبحانه و تعالى يطلب من قريش عباده رب البيت الحرام، لانه بسبب البيت الحرام يرحل الحجيج لمكه مرتين للعام لممارسه شعائر الحج و العمره و لتقديم القرابين و هم في امان، و كثير من الحجيج محمل بالبضائع للمتاجره بها و كذلك يقوم الحجيج بصرف الاموال في الحج، و هو ما يعود بالفائده
على جميع ابناء مكه و قريش، اضافه الى ان تحريم القتال في هذه الاشهر الحرم يجعل الامان مستتبا. و نلاحظ ان الاشاره الى الشتاء اولا دلاله على الحج الاكبر ثم الصيف تاليا للدلاله على العمره او الحج الاصغر، و لا ننسى بان التجاره لا يتكسب منها الجميع من قريش بل يستفيد منها بالدرجه الاولى الاغنياء و المشاركين بالتجاره، و لكن الحج يعم خيره على جميع ابناء قريش و مكه.
و لما تقدم فاننا نجزم بان بدايه السنه القمريه-الشمسيه العربيه قبل الاسلام كانت تتوافق مع السنه الشمسيه التي كانت تستخدم من قبل القبائل العربيه في الشام و العراق، و التي لها علاقات تجاريه و روابط كثيره مع قريش اهمها الحج مرتين كل عام الى البيت الحرام و الالتقاء في اسواق مكه العامره في هذه المواسم مع القبائل الاخرى لعقد الصفقات التجاريه و التسوق و حضور الندوات و المطارحات الشعريه و عقد الاتفاقات ما بين القبائل العربيه. وقريب من نهايه شهر ذي الحجه اي نهايه موسم الحج، ونهايه السنه القمريه-الشمسيه كان المسؤل عن الحج و طقوسها و هو القلمس من بني كنانه، يقررهل يجب اضافه الشهر الكبيس للسنه القادمه ام لا، بعد ان يقوم ببعض الحسابات الفلكيه، و ذلك لضمان بقاء التقويم القمري-الشمسي متوافقا مع التقويم الشمسي و من دون انحراف للاشهر القمريه، و ليبقى الحج في الشتاء، و اشهر الربيع تتوافق مع كثره الاعشاب، و ازدهار المراعي، و شهرا الجماد يأتيان مع تيبس و جماد سنابل القمح و الشعير و البدء بحصادهما، و تذكير اصحاب بساتين النخيل بضروره ترجيب او تركيس او اركاب عذوق التمر على السعف كي لا تنكسر العذوققبل نهايه شهر رجب، و كذلك تكييس وحفظ التمور في شوالات او اكياس السعف في شهر شوال.
كان ابو ثمامه جناده بن عوف اخر القلامسه من بني كنانه، و قد قام بهذا العمل لمده اربعين عاما، و له معرفه و درايه بحساب مواعيد الشهر الكبيس و السنه التي يجب فيها اضافه هذه الشهر لتستقرالسنه القمريه-الشمسيه مع فصول و مواسم السنه، و قد يتصور البعض ان هذا العمل كان يحتاج الى درايه واسعه بالفلك و المام برصد النجوم و الكواكب، و معرفه كبيره بالابراج و متابعه مواقعها في السماء. ولكن في واقع الحال، ان المعرفه بالتقويم الشمسي اليولياني و معرفه ايامه و اشهره، وهذا كان متيسرا للقلمس و لكثير من تجار قريش و رؤسائها لعلاقتهم بالقبائل العربيه في الشام و العراق و هذه القبائل كانت تستخدم هذا التقويم، اضافه لمراقبه بدايه الشهر القمري او شهر ذي الحجه كانا كافيين للقرار بشأن اضافه الشهر الكبيس. حيث كان من الضروري ضمان عدم وقوع الاول من شهر ذي الحجه في العام المقبل خارج الشهر الاخير للسنه الشمسيه اي خارج كانون اول (ديسمبر) اي انتقاله لشهر تشرين ثاني (نوفمبر)، و لان القلمس كان يعرف ان السنه القمريه اقصر من الشمسيه بحدود احد عشريوما، لذلك فأن صادف وقوع الاول من ذي الحجه في ذلك العام في اليوم الثاني عشر او ما بعده من شهر كانون الاول (ديسمبر)، فان الاول من ذي الحجه في العام القادم سيبقى حتما في شهر كانون الاول ايضا، لذلك فان القلمس سوف لن يضيف شهرا كبيسا ذلك العام، اما اذا صادف الاول من ذي الحجه يوم العاشر او ما دونه من شهر كانون الاول، فان الاول من ذي الحجه للعام القادم سيزحف الى شهر تشرين ثاني (نوفمبر)، عندئذ سيقوم القلمس بالاعلان عن اضافه شهر كبيس، لضمان بقاء شهر ذي الحجه في العام المقبل في شهر كانون اول، و بذلك تبقى الشهور القمريه في مواسمها و فصولها، و ان صادف الاول من ذي الحجه يوم الحادي عشر من كانون اول، فان ذي الحجه في العام القادم قد يصادف الاول من شهر كانون اول، او الثلاثين من شهر تشرين ثاني، حسب موعد ظهور القمر لشهر ذي القعده للعام القادم، وهو امر نعتقد ان القلمس هو من كان يقررذلك، و هو لن يؤثر بشكل كبير على مواقع الاشهر القمريه-الشمسيه عموما، فان قرر اعلان اضافه الشهر الكبيس في موسم الحج هذا، فان ذي الحجه في العام المقبل سيكون في اواخر شهر كانون اول،وستكون السنه المقبله كبيسه، و ان لم يعلن عن اضافه الشهر الكبيس للعام القادم، فان ذي الحجه للعام القادم سيصادف الاول من شهر كانون اول، او الثلاثين من شهر تشرين ثاني، و ستكون السنه التي تليها حتما كبيسه. و قد يغير القلمس في حساباته يوما واحدا ان كان العام القادم سنه كبيسه في التقويم اليولياني. ان الوصول لمعرفه هذه المعلومات و طريقه تطبيقها ليست معقده ولا صعب الوصول اليها، و خاصه لاسره القلامسه التي مارست هذا العمل على مدى قرنين من الزمن، و لكن عدم افشاء هذا السر مهم جداايضا، و هو من اسرار المهنه التي لا يفشيها القلامسه لغيرهم، لانها تعطيهم هذه المكانه الخاصه في كنانه و في قريش، بل حتى عند الحجاج، و قد يكون هذا الامر سرا كبيرا لا يعرفه الكثيرون.
اما عن الاسم الذي كان يطلق على الشهر الكبيس، فان المعلومات عنه قليله، و لكن يذكر بعض الاخباريين ان اسمه كان صفر الاول، اي ان موقعه يقع بين شهر محرم و صفر، وقد يكون الامر صحيحا، و خاصه ان اليهود كانوا يطلقون على الشهر الكبيس في تقويمهم القمري-الشمسي اسم اذار الاول، علما ان هذا الشهر يأتي بعد الشهر الخامس في السنه اليهوديه، في حين ان شهر صفر الاول ياتي بعد الشهر الاول في السنه القمريه-الشمسيه العربيه. و لموقع هذا الشهر اهميه كبيره اذا ما علمنا بان التدوين لم يكن معروفا عند العرب، بل يتناقلون امورهم شفاها، ففي نهايه موسم الحج كان مهما جدا ابلاغ جميع الحجيج من قبل القلمس و اتباعه ان كان هنالك شهر كبيس اي صفر الاول في العام المقبل ام لا اذا كان موعده قد حان، ليقوم الحجيج بدورهم عند وصولهم لديارهم في شهر محرم بابلاغ قبائلهم بالامر، و كذلك كانت قريش تقوم باعلام القبائل العربيه المختلفه بان الشهر التالي لمحرم هل هو صفر الاول او صفر فقط، و مع ذلك كان بعض الناس او حتى بعض القبائل لا تصلهم هذه المعلومه و لا يعرفون باضافه الشهر الكبيس، لذلك فعندما يصل هؤلاء الناس الى مكه في العام المقبل لاداء مناسك الحج يخبرهم اهل مكه ان حجهم هذا هو في ذي القعده، لذلك اختلط على الاخباريين هذا الموضوع و ذكروا ان بعض الناس يحجون في ذي القعده ثم في ذي الحجه. و كان ضروريا ان يكون الشهر التالي لشهر محرم هو موقع الشهر الكبيس كي لا ينسى العرب ذلك و يضعون شهر صفر الاول بعد محرم مباشره بعد رجوع الحجيج في حسابات الاشهر لديهم، و كذلك لمنع زحف اشهر الربيع و الجماد لانه في السنه التي يضاف فيها الشهر الكبيس سيكون موقع الاول من شهر ربيع الاول في اليوم الثامن او قبله من شهر اذار (مارس)، اذا لم تتم اضافه الشهر الكبيس قبل ربيع الاول، اي سيصبح شهر ربيع الاول في الشتاء و ليس في بدايه الربيع.
يبقى السؤال المهم، هل كان الشهر الكبيس، صفر الاول شهرا محرما ام يجوز فيه القتال، و تتضارب فيه اقوال الاخباريين و بشكل كبير، بل و يخلطون كثيرا بين اسم شهر محرم و كلمه محرم التي تعني تحريم القتال، مما ادى الى اختلافات كبيره بين الاخباريين عند كتابتهم عن الاشهر الحرم و النسيئه و اضافه الشهر الكبيس. نعتقد و بشكل كبير الى ان القلمس كان يعتبر شهر صفر الاول اي الشهر الكبيس، شهرا محرما ايضا عندئذ تكون الاشهر الحرم اربعه متسلسله و هي ذي القعده و ذي الحجه و محرم و صفر الاول، و يبقى صفر و ما يليه من اشهر غير محرم فيه القتال، و تظهر هنا مشكله لغويه لم ينتبه اليها الكثيرون، حيث ان السنه الكبيسه فيها صفر الاول الذي يحرم فيه القتال و شهر صفر الذي يجوز فيه القتال، و هذا ما دعى كثير من الاخباريين لاحقا ان يذكروا ان القلمس كان يحرم صفرا عاما و يحلله عاما اخر، من دون الانتباه الى الفرق بين صفر الاول و شهر صفر الاصلي. و من الجائز ان ما دعا قريش و القلمز الى اعتبار الشهر الكبيس شهرا محرما، هو لاعطاء الحجيج شهرا اضافيا للبقاء في مكه و ارتياد اسواقها و اجتماعاتها، وهي فائده اقتصاديه كبيره تجنيها قبائل قريش و اهل مكه، من بقاء الحجيج فتره اطول و ما سوف يصرفونه خلال هذه الفتره، و لا نعتقد ان بإمكان القلمس تقرير كون الشهر الكبيس محرما من دون
موافقه قبائل قريش، و في نفس الوقت ان قرار تمديد الاشهر الحرم في مكه من ثلاثه اشهر الى اربعه و في موسم الحج، قد يسبب ارباكا شديدا في اماكن اخرى من الجزيره و لدى القبائل التي لم يصلها خبر تمديد الاشهر الحرم، و قد تقوم القبائل بغزوات و اعتراض للحجيج المتأخرين شهرا بسبب اضافه صفر الاول المحرم، و نعتقد ان ذلك دفع النبي محمد (ص) الى تحديد الاشهر الحرم في خطبه الوداع حيث ذكر بان الاشهر الحرم هي ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر الذي جاء بين جمادى الآخرة وشعبان.
و بسبب عدم وجود ثقافه و ممارسه للتدوين عند العرب و المسلمين الاوائل، لم تتوفرلدينا ايه و ثيقه مدون فيها التاريخ بالتقويم الهجري اضافه لاي اشاره لتقويم شمسي يقابله لمعرفه متى تم ايقاف العمل بالشهر الكبيس، و ان ما ذكر لتواريخ بعض الحوادث المهمه بالتقويمين الهجري و اليولياني الشمسي من قبل الاخباريين، فهو كان نتيجه للحسابات الفلكيه التي قام بها الفلكيون المسلمون لاحقا، و لم يذكر ابن اسحق (ت 151 هج) و هو اول من كتب السيره النبويه الشريفه اي تأريخ بالتقويم الشمسي، و قد يكون ابي الريحان البيروني (ت 440 هج) هو اول من قام بحساب التواريخ بالتقويم اليولياني للتواريخ الهجريه و خاصه في كتابه الاثار الباقيه عن القرون الخاليه. لذلك لا يعرف احد متى بالضبط تم ايقاف العمل باضافه الشهر الكبيس، و يخلط معضم الاخباريين بين النسيئ التي حرمها الله سبحانه و تعالى في سوره التوبه ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )، و بين الشهر الكبيس والذي لم يتم تحريم اضافته او الاشاره اليه، و لم يذكروا متى تم ايقاف اضافه الشهر الكبيس و في زمن اي من الخلفاء تم ذلك، لان النسئ هو اشاره الى تحليل و تحريم القتال في شهر صفر الاول الذي وجب ان يكون محللا و جعله القلمس محرما و اصبحت الاشهر الحرم بذلك خمس في السنه الكبيسه، و خلط الامر على الناس.
و لقد كشفت مجموعه من اوراق البردي او البرديات، و الموجوده حاليا في المكتبه الوطنيه النمساويه، وتحت اسم مجموعه راينرمعلومات مهمه عن العلاقه بين التقويمين العربي و اليولياني، و هذه البرديات اكتشفت في القرن التاسع عشر في مدينه أهنس المصريه، و كان يطلق عليها هيراكابولس و تقع جنوب القاهره، واهم وثيقه فيها برقم 558 والتي نشرت معلومات عنها لاول مره عام 1923، و هي عباره عن وصل استلام مجموعه من الماشيه و مكتوبه باللغتين العربيه و اليونانيه و على نفس البرديه، و تشير الكتابه العربيه انها كتبت في شهر جمادي الاول عام 22، اما الكتابه اليونانيه فتشير انها كتبت بتأريخ قبطي شمسي والذي يوافق 25 نيسان (ابريل) عام 643 يولياني. و توجد برديات اخرى في نفس المجموعه كتبت فيها التواريخ بالهجري اضافه الى التاريخ القبطي الشمسي والذي يمكن تحويله لليولاني وهي البرديه 556 و تاريخها صفر 22 مع تاريخ 6 كانون ثاني (يناير) 643، و البرديه الاخرى برقم 557 مكتوبه في صفر 22 مع التأريخ 26 كانون ثاني 643، و تختلف البرديه 555 بذكرها اليوم ايضا و هي مؤرخه في 28 محرم 22 مع التأريخ القبطي الشمسي و الذي يوافق يوم 26 كانون اول (ديسمبر) 642 يولياني. و نلاحظ انه في ثلاثه من هذه البرديات لم يتم ذكر اليوم بل اشير الى الشهر العربي القمري و الى رقم السنه فقط و من دون ذكر كلمه هجري، ما عدا الوثيقه 555 حيث تم ذكر اليوم ايضا.
ان هذه البرديات مع وجود هذه التواريخ فيها مهم جدا لانها سوف تبين لنا متى توقف اضافه الشهر الكبيس للسنه الهجريه القمريه، و سوف نستعين ببرنامج حاسوبي خاص يقوم بالتحويل ما بين التقويم الهجري و التقويم اليولياني- الكريكوري، و يعتبر البرنامج ان جميع سنوات التقويم الهجري هي قمريه فقط، اي لا يقوم بايه اضافه اي شهر كبيس للاشهر القمريه، و يمكن الاستعانه باي برنامج اخر لهذا الغرض، و البرنامج موجود في الموقع الالكتروني snahle.tripod.com/hijri.htm .
وفي هذا البرنامج يمكن ان نضع التأريخ الهجري او اليولياني/الكريكوري و نحصل على المرادف الاخر له و هذا البرنامج لا يأخذ الاشهر الكبيسه بنظر الاعتبار، اي يفترض عدم وجودها، و عند استخدام هذا البرنامج مع التواريخ اليوليانيه المذكوره في البرديات اعلاه نجد ان البرديه 558 كتبت في 29 جمادي الاول عام 22 ، و البرديه 556 كتبت في 8 صفر عام 22، و البرديه 557 كتبت في 28 صفر عام 22، اما للبرديه رقم 555 فان البرنامج يعطي المرادف لتاريخ 26 كانون اول (ديسمبر) 642 يولياني وهويوم 27 محرم عام 22 ، و الاختلاف هنا عن المكتوب في البرديه هو يوم واحد و هذا متوقع ان يحدث في الاشهر القمريه بين ما تشاهده العين البشريه لظهور القمر لتحديد بدايه الشهر القمري، و الحسابات الفلكيه التي يعتمدها البرنامج. و توضح هذه التواريخ الى انه في العام 22 هجري و ما بعده لم تتم اضافه اي شهر كبيس، اي توقفت اضافه الشهر الكبيس قبل العام الهجري 22 اي ان العام 22 هجري هو قمري فقط.
و عند استخدام التواريخ المذكوره في البرديه 555 او بالاستعانه بالبرنامج الحاسوبي، سيصادف الاول من محرم عام 22 ،اما يوم 29 او 30 من شهر تشرين ثاني (نوفمبر) 642 يولياني. و يكون الاول من ذي الحجه في العام 21 هجري مصادفا ليوم 31 تشرين اول (اكتوبر) عام 642 و ذلك حسب البرنامج، و منها نستنتج ان شهر ذي الحجه قد زحف شهرين قمريين، اذ يفترض ان يقع الاول من ذي الحجه في شهر كانون اول كما استنتجنا في البدايه، اي لم تتم اضافه شهرين كبيسين للتقويم الهجري العربي، و منها نعرف ان اضافه الشهر الكبيس قد توقف قبل عام 21 هجري بعدة سنوات.
و بالاستعانه بالبرنامج او القيام بحسابات فلكيه، نجد ان الاول من ذي الحجه عام 18 هجري صادف الثالث من كانون اول (ديسمبر) 639. اي انه كان على القلمس او من يقوم مقامه (لانه لا نعلم هل بقي القلمس يؤدي واجبه ام لا بعد حجه الوداع)، اضافه شهر كبيس للعام 19 هجري لمنع زحف شهر ذي الحجه كما ذكرنا سابقا و ابقاء الاول من ذي الحجه عام 19 في شهر كانون اول 640عام، و بسبب توقف اضافه الشهر الكبيس في موسم الحج عام 18 هجري زحف الاول من ذي الحجه عام 19 هجري الى 22 تشرين ثاني(نوفمبر) 640، ولو ان الشهر كان مضافا لاصبح الاول من ذي الحجه عام 19 هجري يصادف 21 كانون اول (ديسمبر) 640 و لكان العام 19 هجري عاما كبيسا ، و لاصبح الاول من ذي الحجه عام 20 هجري يصادف 10 كانون اول (ديسمبر) 641، وهنا كان من الواجب اضافه شهر كبيس ثاني ليصبح الاول من ذي الحجه عام 21 هجري يصادف 30 كانون اول عام 642 بدلا من 31 تشرين اول (اكتوبر) ، اي تبقى الشهور القمريه من دون دوران. من هذا نستنتج ان اضافه الشهر الكبيس توقف او لم يطبق العام 18 هجري اي في زمن الخليفه الثاني عمر بن الخطاب (رض)، و لكن لا نعلم بالضبط في اي سنه او مناسبه تقرر ايقاف العمل باضافه الشهر الكبيس، قد يكون في السنه السابعه عشر هجريه حيث تقرر جعل سنه هجره الرسول محمد (ص) هي بدايه للتقويم الاسلامي او ايه سنه اخرى قبل ذلك، و لكن الاخباريين لم يشيروا الى ذلك لاعتقادهم بعدم اهميه هذا الحدث. و من ملاحظه البرديات نجد انه لم يكن يضاف كلمه هجري عند تدوين التأريخ، و ان اليوم لم يكن يذكر كذلك دائما بل يتم ذكر الشهر و العام فقط كما رأينا في البرديات 556 و 557 و558 عدا البرديه 555، و هنا ايضا لم يخبرنا اي من الاخباريين متى بدأ باضافه كلمه هجري عند التدوين مع رقم السنه و متى تقرر الزام اضافه اليوم ايضا عند تدوين التأريخ.
و حيث ان الاول من ذي الحجه عام 18 هجري قد صادف الثالث من كانون اول 639 يولاني، فان الاشهر القمريه العربيه كانت متوافقه مع الاشهر اليوليانيه-السريانيه، و التقويم في العام 18 هجري وما قبله كان قمريا-شمسيا، و سنحاول معرفه السنوات التي تم فيها اضافه الشهر الكبيس للتقويم القمري-الشمسي العربي قبل العام 18 هجري، بالاستعانه ببرنامج الحاسوب الذي ذكرناه، علما بان البرنامج لم يصمم لاضافه الشهر الكبيس، لذلك فان اسماء الاشهر القمريه سوف لن تتطابق مع واقع الحال، لكن بدايه السنه القمريه هي نفسها، و بما ان الشهر الكبيس كان يضاف كل سنتين او ثلاث سنوات لذلك سنحاول معرفه ماذا صادف الاول من الشهر القمري قبل ثلاث سنوات اي في كانون اول عام 15 هجري او 636 يولياني، و سنجد انه كان يوم الخامس من كانون اول (ديسمبر)، اي ان القلمس سيعلن في ذي الحجه 15 هجري بان عامهم المقبل كبيس و سيتم اضافه شهر فيه، و لكن لن يكون محرما، لان القرآن الكريم و النبي محمد (ص) قد نهى عنه، و سنجد ان اليوم الاول للشهر القمري في شهر كانون اول 633 يولياني اي في عام 12 هجري سيصادف 9 كانون اول، اي انه في ذي الحجه عام 12 هجري اعلن القلمس باضافه شهر كبيس لعامهم المقبل، و بما انه تمت اضافه شهر كبيس كل ثلاث سنين مرتين متعاقبتين فمن المحتمل ان تكون الاضافه قبل سنتين، و الاول من الشهر القمري في عام 10 هجري صادف الاول من كانون اول (ديسمبر) 631 يولياني، و هنا ايضا اعلن القلمس اضافه شهر كبيس للعام 11 هجري.
اي انه تم الاعلان عن اضافه شهر كبيس في ايام الحج للسنوات 10 هجري، اي في حجه الوداع، و في العام 12 هجري في خلافه ابو بكر الصديق (رض)، ثم في عام 15 هجري في خلافه عمر بن الخطاب (رض)، و بعدها اوقف الخليفه عمر (رض) اضافه الشهر الكبيس، اي ان اضافه الشهر الكبيس كان مسموحا و ليس هو المقصود بالنسيئه، كما حاول معضم المفسرين للقرأن الكريم لاحقا ان يذكروا ذلك لانهم لم يعلموا السبب الفعلي لايقاف اضافه الكبيس بل حتى لم يكونوا يعلمون بايه سنه تم ذلك، كما لم يفسروا كلمه الرحله في سوره قريش بشكل صحيح، فلماذا اوقف الخليفه عمر (رض) اضافه الشهر الكبيس، سنحاول توضيح هذا الامر، بعد القاء الضوء على امر مهم اخر.
ذكرت معضم المصادر ان النبي محمد (ص) قد ذكر في خطبه الوداع عام 10 هجري ( أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)، و لم يستطع المفسرون معرفه المقصود (وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض ) ، فعند الرجوع للسنه الهجريه العاشره، سنجد ان الاول شهر ذي الحجه 10 هجري قد صادف الاول من كانون اول (ديسمبر) 631 و انتهى الشهر يوم 30 كانون اول، اي كان شهر ذي الحجه بكامله ضمن شهر كانون اول، و بدأت السنه الهجريه العاشره يوم 11 كانون ثاني (يناير) 631، اي كان العام الهجري العاشر بكامله ضمن العام الشمسي 631 يولياني، اي تطابق العام القمري باشهره الاثنا عشر مع العام الشمسي، و هو يحصل مره كل ثلاثين سنه تقريبا، و هذا هو تفسير المقصود به باستداره الزمان. اما النسئ فواضح جدا اشارته الى تحليل شهر صفر (الاول) من قبل القلمس في السنه الكبيسه و التأكيد بان الاشهر الحرم هي ذي القعده و ذي الحجه و المحرم من دون صفرالاول، و لم تجري اي اشاره لتحريم اضافه الشهر الكبيس، لذلك تمت اضافه الشهر الكبيس ثلاث مرات متتاليه في زمن النبي محمد (ص) و في خلافه ابو بكر الصديق (رض)، ثم في خلافه عمر بن الخطاب (رض)، و لولا هذه الاضافات لكان الحج في الخريف و لتحركت جميع الاشهر القمريه ثلاث اشهر و اصبحت الاشهر القمريه لا تعطي معناها في السنه العاشره الهجريه.
اما وقت ايقاف اضافه الشهر الكبيس من قبل الخليفه عمر (رض) فنعتقد انه حصل العام 17 هجري، اي في نفس الزمن الذي تم فيه اقرار التقويم الاسلامي الهجري، حيث يذكر المحدثون انه جاء كتاب من ابو موسى الاشعري للخليفه عمر (رض) يقول فيها (يا أمير المؤمنين، تأتينا الكتب، وقد أرِّخ بها فى شعبان، ولا ندرى أى شعبان هذا، هل هو فى السنة الماضية؟ أم فى السنة الحالية؟) فجمع عمر (رض) الصحابه ليستشيرهم بالامر، فتم الاتفاق على جعل سنه هجره الرسول محمد (ص) للمدينه هي ابتداء للتقويم الاسلامي و تم اعتماده. و نعتقد انه في نفس الجلسه تم الاتفاق بين الصحابه على الغاء اضافه الشهر الكبيس، فكما هو معلوم ان من كان يقوم به هو القلمس بسبب تكليفه بالامر منذ اكثر من اربعين عاما، و قبل البعثه النبويه الشريفه، و بقي مستمرا بالامر حتى بعد فتح مكه بسبب خبرته بالموضوع، و كما ذكرن سابقا ان اضافه الشهر الكبيس استمر في وقت النبي محمد (ص) و ابو بكر الصديق (رض) و بدايه خلافه عمر (رض)، و يعتبرالقلمس من المؤتلفه قلوبهم، و نعتقد اما ان عمر (رض) او احد الصحابه اقترح في نفس الوقت ايقاف قيام القلمس في نهايه موسم الحج بالاعلان عن الشهر الكبيس، لانه شرف كبير لمن يقوم به و نعتقد بان مراسيم الاعلان عن هذا الامر كان يجري في طقوس فيها تفاخر كبير لا يرضى عنها عمر (رض) و بعض الصحابه مثل الامام علي كرم الله وجهه (رض) ، و خاصه انها تُذَكٍر بالجاهليه، و وجدوها فرصه للتخلص من القلمس و طقوسه هذه و هي تسترجع ذكريات ما قبل الاسلام بما فيها من تفاخر و تعالي و موقع مميز للقلمس الذي اسلم بعد فتح مكه، و خاصه ان الاسلام لم يحرم او يحلل الشهر الكبيس، و ليس لدى الصحابه خبره بالتقويم او التاثير الذي سيسببه ايقاف العمل بالشهر الكبيس و هم لم يستشيروا القلمس عند النقاش بشأن خطاب ابو موسى الاشعري، علما ان القلمس هو الخبير في هذا الموضوع، او يمكن انه استشير و لكن لم يؤخذ برأيه، لانه ليست هنالك ايه اشاره لحضورالقلمس لهذا الاجتماع. كذلك ان اليه الاعلام عن اضافه الشهر الكبيس كل سنتين او ثلاثه الى ارجاء العالم الاسلامي المترامي الاطراف حينها اصبح من الصعوبه بمكان، لذلك قرر عمر (رض) و الصحابه الغاء الشهر الكبيس، و معلوم ان عمر (رض) كان يلغي امورا قد اقرها القرآن الكريم، كايقاف حصه المؤتلفه قلوبهم من توزيع الصدقات، و ايقاف الحد على السرقه في عام الرماده، عندما كان يجد الامر صائبا، فكيف بامر كالشهر الكبيس الذي لم يتم تحليله او تحريمه من قبل القرآن الكريم او الرسول محمد (ص). و يبدوا ان القلمس لم يبدي اعتراضا او مخالفه لهذا الامر، او كان اعتراضه هادئا لم ينتبه له الاخباريين و يدونونه لاحقا، و عندما وجد المسلمون بعد سنوات ان الاشهر القمريه بدأت تتحرك و تغير موعد الحج، كان المسلمون في خلافات شديده فيما بينهم بسبب الفتنه الكبرى، و لم يصبح موضوع الشهر الكبيس او تحرك الاشهر القمريه بالامر المهم الذي يستوجب الوقوف عنده او القيام بتعديله، و خاصه ان بعض المفسرين و الفقهاء حاولوا و نجحوا في تفسيرهم للنسيئه بشكل خاطئ و هو ما لا يزال قائما لحد الان، فعندما يذكر الشهر الكبيس في اي موضوع، يجيبون بانه محرم و يذكرون تحريم النسيئه.
إننا نعتقد بان الشهر الكبيس لم يتم تحريمه في الاسلام مطلقا، و لكن جرى ايقاف العمل به من قبل الخليفه عمر بن الخطاب (رض) و الصحابه عام 17 هجريه عندما قاموا بتثبيت التأريخ على التقويم العربي، بجعل سنه الهجره هي بدايه للتقويم، و اضافوا اليه تحويل التقويم القمري-الشمسي الى تقويم قمري فقط، من دون المام بما سيسببه ذلك من تحريك للاشهر القمريه، و ذلك لجهلهم بالفرق بين التقويمين، و ذلك لاسباب لا تعود لتحريم الاسلام له، بل لأمور لنقل انها اداريه، حيث كان الغرض منه التخلص من القلمس و هو يمثل بقايا ما قبل الاسلام، لذلك فأن اعاده التقويم الهجري الى القمري-الشمسي كما كان في بدايه الاسلام ضروري جدا، حيث يبقى الحج في الشتاء كما ذكره القرآن الكريم في سوره قريش و هو مناسب جدا للحجيج، و سيصادف رمضان ما بين شهر ايلول (اغسطس) و تشرين اول ( اكتوبر)، اي يبقى طول الليل و النهار متساوي تقريبا حتى في اقصى شمال الكره الارضيه عدا المنطقه القطبيه، و كذلك في اقصى جنوب الكره الارضيه، و لن يعاني المسلمون في هذه البقاع بطول اوقات الصوم التي قد تصل لاكثر من
عشرين ساعه او تقل لغايه ساعتين او ثلاث كما يحصل الان، و هذه لا تمثل حكمه الصوم. ان تحقيق اعاده التقويم ليس بالامر بالسهل، فهنالك جيوش من علماء المسلمين و حتى بعض الفقهاء الذين يرفضون تغيير اي شيئ و سيحاربون الموضوع، لا لشيئ بل لانهم محافظون في تفكيرهم و تقليديون الى اقصى حد و لا يريدون مراجعه اي شيئ قام به السلف الصالح حتى لو كان غير صحيح، لكن نأمل من المجددين من الفقهاء و رجالات الدين و الحكام ان يدرسوا الامر بحكمه و رويه و بالمنطق، و يتأكدوا بالادله العلميه و البراهين المنطقيه ان الشهر الكبيس لم يتم تحريمه من قبل القرآن او الرسول محمد (ص)، و نعتقد بانه من حق ملايين المسلمين ان يحجوا في الوقت الصحيح الى بيت الله الحرام و في الشتاء، و ان يصوموا رمضان في الموسم الذي فرضه الله سبحانه وتعالى.
و اذا تمت الموافقه في السنين القادمه و هو ما نأمل فيه، الى جعل التقويم الهجري قمري-شمسي كما كان في بدايته، فان الامر يتطلب تسريع حركه شهر ذي الحجه باتجاه الشتاء، وذلك باضافه شهر كبيس للسنه الهجريه كل عام، لغايه ما يصل الاول من ذي الحجه الى شهر كانون اول (ديسمبر)، من دون حصول فراغ في التقويم الهجري، و بعدها يتم اضافه الشهر الكبيس كل سنتين او ثلاث حسب ما يقتضيه موقع الاول من شهر ذي الحجه. و نتوقع ان تظهر في المستقبل القريب و ثائق و ادله اضافيه تثبت ما توصلنا اليه من نتائج حول حقيقه ما جرى للتقويم الهجري.