بسبب الظروف القاسية التي مر بها مجتمعنا وبلدنا خلال المئة سنة السابقة ومنذ تشكيل الدولة الوطنية في بداية العشرينات من القرن العشرين وما مر به قبل ذلك في الفترة المظلمة ,اصبح لدى المواطنين وخصوصا المتعلمين والمثقفين من ابناء بلدنا رغبة لمعرفة لماذا اغلب دول العالم تتقدم ونحن نتراجع فحتى دول افريقيا التي كانت في مجاهل الظلام ونحن في بداية الانفتاح في النصف الاول من القرن العشرين اخذ الكثير منها موقعه في سلم التطور ولا نزال نحن نتراجع , فما أن نخرج من حفرة إلا ونقع في اخرى , ناقش البعض من الباحثين والمفكرين هذا الموضوع وهل أن الامر يتعلق بطبيعة الانسان او المجتمع وتركيبته او ظروف البلد وثرواته من النفط والثروات الاخرى التي جعلت العراق محط العالم الغربي ,او قياداته التي حكمته بدون رؤية او حكمة .
واجبنا كباحثين هو البحث عن اسباب فشلنا في العراق في توفير وسائل لحماية المجتمع من الانزلاق في الصراعات وحمايته من الطغاة ومن السقوط في الازمات الخطيرة التي تهدد المجتمع نحو الاستمرار في التخلف والوقوع في التفسخ و الفوضى والاستمرار في متاهات الضياع او دوامات الصراعات العرقية والطائفية ,وشكل هذا الموضوع محركا للتفكير والبحث لدراسة الاسباب والنتائج وامكانية ايجاد طرق للعلاج والوقاية .ولنطرح السؤال التالي على انفسنا لماذا نجحت دول كالمغرب والامارات في بناء مشروع الدولة وبدأت تسير على السكة الصحيحة وبامكانيات بشرية واقتصادية اقل من العراق بينما دخل العراق في متاهة الفوضى ولحد الآن , حيث لامشروع واضح للدولة المستقرة الآمنة التي تخطط للمستقبل .
يجب أن نبدأ البحث في اهم اسباب فشلنا في اقامة مشروع الدولة الوطنية ,المستقرة دولة المواطنة الصالحة والسائرة على طريق التقدم وليس التراجع والتخلف ,وهو واجب الحكومات المتعاقبة ان تحث الباحثين على أن يدرسوا بشكل موضوعي الأسباب وهل ثمة حل او مقترحات لحلول .
من اهم العقد والمشاكل التي واجهها ولا يزال يواجهها المجتمع في العراق:
صعوبة صناعة المواطنة: ما اسباب عدم قدرتنا على صنع المواطنة, المواطنة هي أساس أي مجتمع حديث التأسيس كالعراق في بداية تشكيل الدولة الوطنية , خصوصا في ظل التعدد القومي والديني والمذهبي, والمواطنة تعني ان يكون الناس متساوين امام القانون وفي الحقوق والواجبات والشعور بالانتماء الى هذا الوطن .
تعقيد العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة: ما اسباب فشلنا في بناء علاقة واضحة ومتوازنة بين مؤسسات الدولة والمواطن قائمة على الحقوق والواجبات من خلال تعريف واضح ومحدد لدور المواطن ودور الدولة ومؤسساتها مما ادى الى أنعدام الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطن ولا يزال عدم الثقة وعدم الاحترام هو السائد واصبح جزء من سمات هذا المجتمع فلا السلطة مستعدة لاحترام المواطن ولا المواطن لديه الثقة بالسلطة.
الاحزاب بين مشروع الدولة والسلطة : هل الاحزاب هي من ساهم في افشال قيام الدولة الحديثة بتصنيفاتها القومية والماركسية والدينية وصراعاتها على السلطة وعدم تقديمها مشروع سياسي لدولة المواطنة وبقاءها في مصالحها الضيقة القائمة على التنافس على الحكم والتشبث بالحكم وافساده.
المؤسسة العسكرية والحكم : هل كان دور المؤسسة العسكرية هو السبب الاساسي في افشال اقامة الدولة الحديثة بسبب استيلائها على الحكم بواسطة الانقلابات وتصديها لمشروع حكم الدولة مما ادى الى تخبط العسكر في منظومة الحكم كما رأينا في العراق ومصر.
التراتب والاستقرار الطبقي: ما اسباب فشلنا في الحفاظ على استقرار التراتبية الطبقية او البناء الاجتماعي الطبقي في المجتمع , والتراتبية الطبقية هي بناء طبيعي للمجتمع حدث نتيجة التطور الطبيعي للمجتمع ,فعلى مدى التأريخ تنمو وتتشكل المجتمعات على شكل طبقات ذات مميزات اجتماعية واقتصادية وثقافية , اي وجود طبقات متعددة في السلم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع.ولا يقصد بالتراتبية الطبقية بقاء الناس في طبقات منعزلة عن بعضها ومتسلطة على بعضها .
التراتبية تعني ان المجتمع فيه حراك طبقي قائم على الابداع والكفاءة والمهارة والمهنية والنمو الاقتصادي و الاجتماعي ويمكن لأي انسان ان يتحرك بين الطبقات اعتمادا على قدراته ومواهبه.اما في مجتمع مثل مجتمعنا فأن هذه التراتبية ذات طابع شكلي قائم على المال او العشائرية او بواسطة الوراثة اوالعمل في اجهزة السلطة والفساد. في مجتمعنا وعلى مدى العقود الماضية يمكن لاي شخص تغيير تراتبه الطبقي بمجرد حصوله على منصب او مال وكثيرا ما رأينا اشخاصا حوَلَتهم الانظمة الحاكمة او السلطة الى رموز بسبب منصب أُعطي لهم دون وجه حق او بسبب الحزبية او بسبب الفساد المالي واغلبهم من السياسيين الفاسدين وليس لهم من المواهب سوى الفساد والنفاق ومن تجار الحروب وتجار قوت الشعب .
هذه التغييرات في التراتبية الطبقية ادت الى تدمير طبقات فاعلة وتكوين طبقات اخرى طارئة ففي زمن النظام السابق قام النظام بتدمير الطبقة الوسطى واقام مكانها طبقة من القادة الحزبيين والعسكريين والأمنيين وتجار الحصار الفاسدين والشيوخ الطارئين على المشيخة .الطبقة الوسطى هامة لاستقرار المجتمع وهي تضم المهنيين كاساتذة الجامعات والقضاة والمحامين والاطباء والمهندسين والمدرسين والموظفين والضباط والمتعلمين والمثقفين والتجار والصناعيين و دورها في جميع المجتمعات المُحافظَة على استقرار المجتمع وهي المصد الرئيسي للصدمات والمانع للكوارث والواقي للمجتمع من الذهاب الى الفوضى والتدهور وهي محرك المجتمع نحو التقدم والاستقرار ,هي الطبقة الواعية التي تمثل عمود المجتمع وتحميه من السقوط لذلك حاولت الانظمة الدكتاتورية وفي جميع الدول التي مرت بمثل ظروفنا أنهاء او تذويب الطبقة الوسطى وجميع الانظمة الشمولية سواءاً كانت دينية او قومية او شيوعية تحاول ألغاء دورهذه الطبقة وتدميرها لانها تريد ان تُسيّر المجتمع حسب رؤيتها الشمولية . التراتبية الطبقية تمثل النمو الطبيعي للمجتمع على مدى عمره.المجتمعات التي عاشت فترات الحكم الشمولي انتهت بتشكيل طبقتين طبقة الحكام وحواشيهم والمستفيدين منهم وطبقة عموم الشعب.
الاجهزة الامنية : ما اسباب تَغوّل الاجهزة الامنية وتحولها من حماية امن المجتمع الى اجهزة متفرعنة تخدم الانظمة الحاكمة وسلطاتها وتذل المواطن وتسلبه حقوقه وكلما زادت في إذلال المواطن أخذت صلاحيات اكثر.والاجهزة الامنية في المجتمعات الشرق-اوسطية تمثل عقلية المجتمع المتعجرف الأبوي الذي يصنف الناس على اساس الولاء للعشيرة والطائفة والدين والمنطقة ,عقلية الراعي والعصا والرعية.وانت اما موالي (اي منافق للحاكم واجهزته) او انك عدو (للقائد والنظام ويضاف اليها الشعب لاعطائها الشرعية) أن تعرضت بالنقد للحكام او للحكومة او النظام او مؤسساته.
العلاقات بين الاسباب الداخلية والمحيط الخارجي: هل الموضوع داخلي يتعلق بأسباب داخلية اجتماعية اقتصادية تربوية سياسية جغرافية مناخية بايولوجية او خارجي يتعلق بجيراننا وتدخلاتهم في مجتمعنا ومحاولة اقلاقه ومنع الاستقرار فيه لاسباب تتعلق بمصالحهم وتضاربها مع مصالحنا.
الثروة النفطية: هل موضوع الثروة النفطية كان اهم اسباب عدم الاستقرار ,خصوصا وان دول نفطية اخرى تعاني مثل مانعاني من عدم الاستقرار وهي تمتلك ثروة نفطية كبيرة مثل العراق كليبيا وفنزويلا ونيجيريا.
هذه بعض التساؤلات التي فكرت بها وطرحتها وقد تكون هناك اسباب اخرى جديرة بالدراسة والتمحيص.