19 ديسمبر، 2024 12:03 ص

لماذا ترامب في السعودية؟

لماذا ترامب في السعودية؟

تشخص أبصار المنطقة والعالم ،وتتزايد التكهنات والتأويلات حول الزيارة المرتقبة للرئيس (المثير للجدل) دونالد ترامب إلى السعودية ،وتتأتى هذه الحالة من الألتباس والغموض لمقاصد ونوايا وأهداف الزيارة الحقيقية من جهتين ،الأولى طبيعة الشخصية الإشكالية للرئيس ترامب والتي رسمت لنفسها هذه الصورة إبتداء من تصريحات الحملة الإنتخابية مرورا بخطاب القسم ،فالخطوات التي تم إتخاذها خلال مدة المئة يوم ،والجهة الثانية طبيعة التحضيرات التي تجريها السعودية لهذه الزيارة والحديث عن قمتين أو ثلاث قمم سيتم عقدها خلالها ،مضافا إلى ذلك ما تم عرضه بمثابة ديباجة لمجريات الزيارة وخصوصا من خلال نائب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
تسجل هذه الورقة قراءة إستشرافية لإجابة سؤالها الرئيس: “لماذا ترامب في السعودية؟” من خلال مزاوجة مدخلات متشابكة معقدة علنية وسرية تتعلق بطبيعة “المشروع الترامبي” وتتلخص أسباب الزيارة بحسبها بالآتي:
– خلق (إلزام إقتصادي) تكون فيه العلاقة عكسية عما كان معهودا في العلاقات الأمريكية بالمنطقة ،بحيث تلزم الشركاء وخصوصا دول الخليج بصفقات شراء عالية الكلفة وتحديدا في مجال السلاح من خلال مقايضة (أمنية/سياسية) ،ويكون هذا الإلزام منظما ومستمرا.
– التأسيس لقواعد واقعية لما يسمى بـ (السلام العميق) مع إسرائيل ،والذي يتجاوز مرحلة الصمت والإغضاء عن السلوك الإسرائيلي سواء في الإستيطان أو الخطوات العسكرية الإخرى ،بل يتعدى مرحلة العلاقات السرية إلى قبول حقيقي معلن تدخل فيه إسرائيل (فاعلا ومتفاعلا) علنيا على الملأ ،ويكون الخليج وتحديدا (السعودية وقطر) منطلق هذه الترتيبات العميقة وعبر تنظيم (إردني/مغربي/مصري/عماني) ،بوصف تلك المجموعة لها سابقة متقدمة في إطار العلاقات مع إسرائيل.
– إستعمال إيران بطريقة (مزدوجة) من خلال وضعها أمام الجميع بوصفها (الخطر الحقيقي على منطقة الشرق الأوسط) و(صاحبة المشاريع التوسعية) بحسب التوصيف الأمريكي/الخليجي مما يلزم الجميع بفواتير طويلة الذيل مقابل (الحماية السياسية والأمنية الأمريكية ) ،ومن جهة أخرى حشد حالة الإستعداء العربية والخليجية على وجه الخصوص لتكون خطوط الصد المتقدمة في مواجهة بالنيابة عن الغرب عموما وإسرائيل على وجه الخصوص مع إيران ،وضبط إيقاع هذه المواجهة بناء على مقاييس إمريكي لحدود الضروري واللازم في هذا الملف.
– العودة إلى تطبيق فلسفة صقور المحافظين القائمة على مقولة “الإنخراط العميق” والتي لم تلتزم بها سياسية أوباما من خلال الإنسحاب من العراق والتردد في التدخل في سوريا ،ويكون هذا الإنخراط عبر منصات (إقتصادية وأمنية وسياسية) في العراق وسوريا واليمن ،فضلا عن تعزيز التواجد في مناطق أخرى على مستوى الكم والنوع وطبيعة الفعاليات على الأرض.
– تقييم “الطبيعة الوظيفية” للإرهاب في المنطقة ومدى القدرة على إستخدامه في عمليات نوعية ضمن “الإدارة الموازية” لملفات المنطقة، وتحديد الخيار الأنسب للمرحلة القادمة في التعاطي معه ،وضمن خيارات : (الإحتواء،الترويض،التصعيد،تغيير الإستراتيجيات،الإستئصال).
إن هذه الأهداف وما يتفرع عنها تم الأعداد لها من خلال ثلاث نماذج من صور اللقاء المرتقب في السعودية ،الأول : يتمثل في مظهر الحشد الجمعي والحديث عن حضور أكثر من أربعين دولة في سياق الزيارة ،والثاني :يتمثل في ترتيبات ستجري مع الأطراف المهمة والفاعلة في المنطقة ،والثالث :اللقاءات السرية الخاصة التي ستكون في الغرف المغلقة وفي حدود الدائرة الضيقة.
إن هذه المؤشرات يدعمها بشكل موضوعي كافة الخطوات والخطابات التي دأبت إدارة ترامب على تفعيلها منذ وصولهاإلى السلطة ،كما أن أوضاع ومتطلبات الكثير من الأنظمة السياسية في المنطقة مهيئة لقبول هذه الترتيبات ومستعدة لها لقاء وجودها الآمن في المنطقة في ظروف تموج بها بعشرات التغييرات الجوهرية.