22 ديسمبر، 2024 3:55 م

لماذا انتصرت داعش في الموصل وانهزمت في صلاح الدين؟

لماذا انتصرت داعش في الموصل وانهزمت في صلاح الدين؟

لم يكن العاشر من حزيران الماضي يوما عاديا بالنسبة، للجندي، ثامر حسن غيّاض، المنسوب إلى إحدى القطعات العسكرية المرابطة في مدينة الموصل. وهو لم يكن عاديا ايضا بالنسبة لجميع العراقيين. في هذا اليوم فرحَ كثيرون وحزن كثيرون وغضب آخرون.
 صبيحة هذا اليوم شهدت حركة غير عادية في الجانب الأيمن من المدينة، وتعالت صيحات التكبير والإطلاقات النارية، واستُهدفت بعض المواقع العسكرية من قبل مسلحين بالقاذفات ورشقات الرصاص. إنه تنظيم داعش الذي كان يقاتل في سورية توجه الى العراق وهو يستولي بشكل سريع على اجزاء من الموصل، ويقتل كل من يصادفه من عناصر الجيش الشيعة.
لم يكن الرصاص والتكبير سيدا الموقف فقط، بل إلى جانبهما سرت الإشاعات كما النار في الهشيم. يتذكر الجندي ثامر تلك اللحظات بمرارة، وتمر أمام ذاكرته صور زملائه ممن قتلوا على أيدي الجماعة المتطرفة أو اختُطفوا من قبل بعض الأهالي الغاضبين واختفوا إلى الأبد.
يقول ثامر إن” قائده المباشر كان مربكا، ولم يملك قرارا محددا وظل مشوشا حتى آخر لحظة، ليأمر جنوده بالانصراف على وجوههم” يؤكد ثامر أن أحدا لم يأمره بالتخلي عن لباسه العسكري، ولكن هذا ما اتفق عليه هو وزملاؤه حرصا على سلامتهم.
تم الاستيلاء على محافظة نينوى وهي ثاني اكبر مدينة في العراق من حيث السكان بعد بغداد حيث يبلغ تعداد سكانها حوالي 3 مليون نسمة، ومساحتها 14,411 كم2، في غضون ساعات وانهار الجيش العراقي  هناك بسرعة لافتة.
بالنسبة للعسكري، رياض حسين من اللواء السادس، فإن الهزيمة كانت حتمية أمام تنظيم داعش، ويجمل اسبابها بـ” شيوع الفساد في المؤسسة العسكرية، وقيام الكثير من الضباط بالحصول على نصف مرتبات الجنود مقابل منحهم اجازات شبه دائمة، ولم يكن قرار خوض المعركة حاضرا بالنسبة للقادة”.
لكن الأخطر برأيه هو الجانب المتعلق بعدم وجود انسجام بين القطعات العسكرية في الموصل، وهو يعتقد أن الضباط الذين كان اغلبهم من السنة والأكراد لم يشعروا بالرغبة في قتال داعش، وأخلوا مواقعهم بعد أول صيحة تكبير من  عناصر التنظيم، ويذهب بعيدا فيتهم بعض الضباط بالتواطؤ لتسليم المدينة دون قتال.
الجنود الشيعة الذين يشكلون نحو60% من حجم القطعات العسكرية في الموصل فرّوا على وجوههم محاولين النجاة بعد أن خذلهم قادتهم السنة والأكراد، لكن كثيرين منهم لقوا حتفهم، وكان المئات من ابناء المدينة يحتفلون بداعش وينالون من الجنود الفارّين، أما قوات الشرطة والتي كان قوامها بحدود 30 الف عنصر فهي الاخرى قد اختفت حيث انضم قسم منهم لداعش والتحق اخرون بمنازلهم،  فجميعهم من ابناء الموصل.
وظل الجنود الشيعة في حالة من الفوضى بسبب غياب القرار وفرار قادتهم، فقتل منهم من قتل وتمكن المئات من الوصول الى كوردستان، فيما استولت داعش على معداتهم.
يؤشر سقوط الموصل إلى أن الجيش العراقي لم يكن منسجما ولا عقائديا وحدثت فيه اختراقات كبيرة للغاية مكنت داعش من السيطرة على قطعات كثيرة فيه دون قتال والتوسع باتجاه الرمادي وصلاح الدين.
لكن النصر الذي حققته داعش في حزيران الماضي، في الموصل ولاحقا في مدن أخرى، انهارت رمزيته في صلاح الدين، فبعد كل تلك الصورة الاسطورية التي حاول بعض الاعلام العربي  والدولي رسمها لداعش انهار هذا التنظيم بشكل لافت امام الجيش والحشد الشعبي.
جواد عباس، يبلغ من العمر 38 عاما، وهو يشارك اليوم في المعارك الدائرة في صلاح الدين، ضمن صفوف الحشد الشعبي،  يصف تنظيم داعش بأنه ” نمر من ورق” لأن مقاومته لا تضاهي ما رُسم له في وسائل الإعلام من صورة أسطورية، يقول جواد” قوة داعش في المفخخات والالغام وبعض الانتحاريين ولم يواجهنا وجها لوجه إلا بشكل محدود”.
ويؤكد أن العديد من عناصر داعش حاولوا الفرار متنكرين بزي نسوي بين النازحين لكن القوات الامنية تمكنت من القبض عليهم، وهو ما يشير برأيه الى ان انتصار داعش في الموصل لم يكن بفعل قوة هذا التنظيم، إنما لأسباب أخرى نفسية أكثر مما هي عسكرية.
وتمكنت قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي والشرطة  والتي يبلغ تعدادها مجتمعة نحو 30 الف مقاتل من تحرير مناطق واسعة تقدر بـ 1600كم2 من تنظيم داعش الذي ظل حتى يوم 13 آذار، محاصرا بمساحة تقدر بـ 10% من مساحة صلاح الدين.
بالنسبة للخبير العسكري، العقيد أحمد جعفر ياسين، 76 سنة، وهو محارب قديم شارك في العديد من الحروب التي خاضها العراق طوال العقود الأخيرة، فإن النصر على داعش محسوم، وهو مسألة وقت لا أكثر.
ويعتقد العقيد أحمد، أن الجيش العراقي انهزم في الموصل لأن كل عناصر الهزيمة كانت حاضرة، ويشير الى ان قيادات الجيش في الموصل وهي من المناطق السنية والكردية لم تكن راغبة بقتال داعش، ويعزو ذلك إلى اسباب تسليحية ولوجستية، واسباب تتعلق بحرجها وهي تجد أن التنظيم بالنسبة للعديد من المسؤولين المحليين خيارهم الأفضل بعد كل ما وجهوه من انتقادات للجيش والحكومة الاتحادية.
ففي لقاء متلفز بعد ساعات من سقوط الموصل بيد داعش، قال محافظها أثيل النجيفي، المقيم في اربيل، إن” عناصر داعش يتعاملون بلطف وبشكل حضاري مع الأهالي بعكس الحال مع جيش الحكومة الاتحادية ” ويعكس التصريح الذي سبقته تصريحات كثيرة نال فيها النجيفي من الجيش الاتحادي والشيعة ومن الحكومة الاتحادية في وقتها، رغبته بفك الارتباط مع بغداد.
لكن معاول التنظيم بدأت لاحقا بتهديم الإرث الحضاري للموصل، وسرقت جانبا منه وفرضت على نسائها ورجالها نمطا خاصا من السلوك، ما جعل النجيفي في حرج شديد.
” الجنود ومعظمهم من الوسط والجنوب كانوا مغلوبين على امرهم ولم يتلقوا أوامر بالقتال” هذا ما قاله الخبير العسكري، العقيد أحمد جعفر ياسين، وبرأيه فقد أدى ذلك إلى تشتت جهودهم وتفرقهم دون مقاومة، أما بالنسبة للقطعات التي تخوض الحرب ضد داعش في صلاح الدين فهي متماسكة ويقودها رجال شجعان مصممون على النصر ويملكون عقيدة قوية لهزيمة داعش.
ويضيف ان المسالة لا تتعلق بالتسليح فقط انما الجوانب النفسية مهمة ايضا لهذا فان انتصار داعش في الموصل كان انتصارا نفسيا بدرجة اساسية اسهمت به عوامل عديدة منها تخاذل قيادات الجيش والشرطة وتآمر بعض المسؤولين المحليين .
ومع أن القوات التي كانت موجودة في الموصل في حزيران الماضي تُقدر بنحو 60 الف مقاتل، إلا أنها لم تتمكن من الصمود أمام بضعة مئات من عناصر داعش، لأن هذه القوات كانت منخورة من الداخل، فيما تبدو القوات التي تقاتل داعش في صلاح الدين ومعظمها من الوسط والجنوب صلبة الى الدرجة التي اذهلت الجميع، وهذا مؤشر كبير على النصر.
ويبدو أن على القيادة العراقية استيعاب الدرس جيدا من الهزيمة في الموصل، والنصر في صلاح الدين، فالجيوش لا تقاتل ولن تنتصر إذا بُنيت على الانقسامات والمحاصصة الطائفية والعرقية، ونخرها الفساد، إنما تنتصر حين تكون موحدة في القرار وتملك عقيدة توحدها.
من هنا فإن الحشد الشعبي يمكن أن يكون نواة جيش عقائدي صلب إذا تمت المحافظة على تماسكه بتوحيد قيادته وعدم دمجه تحت إمرة قيادات كتلك التي سلمت الموصل لداعش.