أظهر الموقف الرسمي لبعض العواصم شرخا مؤلما في مفهوم الأمن القومي العربي بسبب طبيعة ردود الأفعال المتشنجة مما يجري في اليمن، وهذا مرتبط بفلسفة الحكم الجديدة، التي تغلب الولاء الطائفي الضيق على الانتماء القومي، رغم أن طبيعة التواصل الجغرافي و البشري يتحدث بلغة أخرى، حيث الحنين للمشروع العربي يمثل هدفا معنويا كبيرا، بالتضاد من توجهات منظومات الحكم، في مفارقة خطيرة لأنها تكشف عن تحول مقلق في الولاءات و الأولويات، مثلما تؤشر تمدد الطائفية على مساحة واسعة من المشروع القومي الذي تغنت به جميع الآحزاب عندما حاولت إغراء جماهيرها بشعارات لم يعد لها وجود في مذكرات هذه الأحزاب.
ولكي لا ندخل في تجاذبات الجهات المستفيدة و المتضررة من العودة الى المشروع القومي العربي ، نود التأكيد على صعوبة تخلي المواطن عن هويته العربية غير الإقصائية، حيث عاش الجميع في كنفها بدون توصيفات لا علاقة لها باتهام العروبة بـ” الشوفينية”، لمنع العودة الى الجذور و إطفاء التخندقات الثانوية التي لا تخدم الا الباحثين عن مجد فوق رمال صيفية متحركة.
وبهذا الخصوص فان العراق لن يخرج الى دائرة الضوء كدولة فاعلة و مستقرة بدون العودة الى المشروع العربي الذي يتجاوز عناوين الفرقة الداخلي مثل الطائفية و التجاذبات المتناحرة حسب المكان، وهي قضية يجب النظر اليها بعينين كبيرتين لتفحص الخلل و نقيضه، فعندما يتحدث العراقي بصوت عربي تتردد مفرداته من أربيل الى البصرة ، بينما عندما يٌغرد بالمفردات الأخرى فان صداها ينحصر ببعض من الكيلومترات، مع الإشارة الى أن العراقيين تربوا على مفهوم القوميات المتآخية و ليس المتناحرة، ما يستدعي العودة الى الجذور و الابتعاد عن الفروع غير القابلة للحياة، مع الأعتراف بأن العروبة العراقية هي نقيض الطائفية، لذلك يحاول البعض ” التغليس” عليها بكل الأشكال لتقديم المصالح الحزبية على احتياجات الوطن الكبيرة، لذلك تلاعبوا بمفردات الدستور لمنع وصف العراق بالدولة العربية، و من هنا يمكن التعرف على خطر المشاريع التي ولدت من رحم احتلال مريض بالولادة.
في المقابل لانجد تفسيرا لتشعب المواقف من ردة الفعل العربية على ما يجري في اليمن، وقد يتكرر في العراق، طالما تٌبنى بعض المواقف على مزاج طائفي غير مبرر، فلو لم يرفع الحوثيون السلاح بوجه الدولة لما وقع المحظور، ولو لم تسكب طهران الزيت فوق ظهر صنعاء لما تفجر الزلزال، ما يستدعي عدم التفريق بين تدخل و آخر حسب المزاجيات و التحالفات، مثلما لا يجوز أعتبار أي نهضة عربية مدعات للخوف و القلق، بينما يتم السكوت على تمدد النفوذ الايراني في المنطقة بفاتورة الربح المادي و الاعتباري، لأننا سنستفيق على متغيرات كثيرة من بينها انكماش الدور الايراني و تقليم بعض أجنحته، بما يتوافق و المصالح الدولية و حق الشعوب في تقرير مصيرها، فلو أجرينا استفتاءا في محافظات الوسط و الجنوب العراقي لوجدنا أن نسبة الرفض للوصاية الايرانية لا تختلف كثيرا عن ردود أفعال المواطنين غرب و شمال العراق، لأن الجميع تربى على العزف العربي غير المتطرف.
نحتاج الى قراءة دقيقة للتحولات لا يتم التفريق فيها بين تدخل و أخر، وأن تُحترم هويات الدول فلم نعرف يوما أن الكويت فارسية أو أن العراق عاصمة لامبراطورية ايرانية ، أو
حتى كوردستان ذات مزاج ايراني.. نحن شعب واحد في أرض متوافقة حتى في تضاريسها، بينما أختطت قدرة العزيز الجليل ساترا ترابيا بارتفاع متناسق وواضح المعالم بين العراق و ايران، ما يعني أن الماضي له علاقة بالحاضر و المستقبل في النوايا المتعلقة بالغطرسة الآيرانية القريبة من العنصرية، لذلك تأتي أهمية قراءة المتغيرات..