23 ديسمبر، 2024 11:15 م

لماذا الـدولـة الـعَـلمانية .. هـي الـحل …؟

لماذا الـدولـة الـعَـلمانية .. هـي الـحل …؟

لابد مِن التنويه أولاً أن النظام العـَلماني كمُنتج أنساني لا يدّعـي الـكمال و المثالـية .. بل لـكل فكرة أو نظرية أو نظام ، حسنات و مساوئ و كل مُـنتـج أنسانـي قابل للتطوير و الـتغيير … ! في ظل وضع الـعراق الكارثـي الحالـي .. و عندما يُـعالج النظام الـعَـلمانـي الأختناقات الأساسيّة في حياة الناس و الـوطن .. تصبح مساوئـه أهون بما لا يُـقاس بـحسناتــهِ ..!

أكـثر مَن يُــعارض و يخاف النظام الـعَـلماني هم أطراف الأسلام السياسي و رجال الـدين ، الـمُـتاجرين بالأسلام ..! لأن من شأن هكذا نظام أن يسحب البساط مِن تحت أقدامهم و يحرمهم فـرصة المُتاجـرة بالـدين و سعيهم لأبقاء الشعب و المجتمع يـُراوح في مكانـهِ عـلمياً و حضارياً و أنسانياً ، تحت دعاوى العقيدة المُـقدّسـة ، و التي هي في حقيقة الأمـر عقيدتهم في السعي وراء السلطة و الثروة و النفوذ و الأعتبار الأجتماعـي ، تحت غطاء ديـنـي كي يمنحوا سلوكهم و مواقفهم قُـدسيّة مـُزيّـفة ..! و لعلّ تجربـة العراق مع الأسلام السياسي و المُلـتحفين بالدين ، بشقـّيه الشيعي و الـسُـنّي خير نموذج لما نقول …!

لم يـبق مِن مسوّغ لـرفض النظام الـعلماني لـدى الأسلاميّين سوى ( البـُـعد الأخلاقـي ) .. بعد أن جرّدت الـَعلمانية باقـي أدوات و أسلحة مواجهـتها مِن أيدي الأسلاميّين ..! فالنظام الـعَلماني يضمن حفظ كرامة الأنسان و الحريات العامة و الخاصة و قبول الرأي الآخـر و الديمقراطية و المواطنـة و العدالـة و المساواة بين الجميع كأفراد أو كأتباع للديانات و المذاهب … الى تطبيقات حقوق الأنسان و أحترام آدمــيّة الـفرد …! و هـذه المفاهيم أغلبها تحتـضنها الأديان في جوهـر قيمها ..!

في الجانب الأخلاقـي يمكن الحديث عن مستويين من القيـَم الأخلاقـية :

* مستوى ثابت تشترك به جميع المجتمعات البشرية من الشرق الى الـغرب و من الشمال الى الجنوب .. أي هناك قيم أخلاقـية تُـعتبر من صـُلب صفات البشر الأسوياء ، كالصدق ، و النزاهـة ، و العدل ، و الأمانـة ، و الشهامـة ، و الـنظافـة ، و الشجاعـة في قول الحق ، و احترام الـوقت ، و أحترام العمل و الأبداع ، و احترام الآخـر المُختلف ، و رفض الظـُلم و العبودية ..!

و هذه القيَم طـَرَحها الفكر البشري عِـبر مسيرتـهِ قبل الأديان .. و جاء الأسلام لـيؤكـّـد في جوهـر رسالتـهِ على مُعظمها .. و في الحقيقة لا تكاد تخلـوا منها أي نظرية أو فلسـفة أو دين …!!

* و مستوى مُتحرّك ، نسبي ، مُتغـيّر .. يعتمد على طبيعة المجتمعات ، و نوعـية الموروث الأجتماعي و الأعـراف و المفاهيم التي تسود كل مجتمع ، و طبيعة الـنظرة للحياة و دور الأنسان فيها ، و قيـّم الشرف الشخصي ، و النظرة الى المرأة ، و السلوكيات المجتمعية الـعامـّة ، و العلاقات الـبيـنيّة بين الأفراد …! هـذه القيم تختلف من مجتمع لآخـر .. و تتغـيّر بمرور الزمن في المجتمع الـواحد … أي ماهو مقبول منها في مجتمعنا العراقي مثلاً .. غير مقبـول عليها في مجتمع آخـر …! و ما مقبول منها في مجتمعنا قد يكون غير مقبول عندنا غـداً .. مثلاً قـيَم الفصل العشائري و النهوة في مجتمعنا شيئ مُعتاد ولا يزال نافـذ .. لكنـّـه مرفوض و مُـستهجن في مجتمعات أخـرى .. أو مفهوم الشرف في مجتمعنا الـذي يرتبط بـعـفـّـة المرأة .. أي أن الرجل و العائلـة و العشيرة ، يرتبط شرفهم بـعـفـّة نسائهم .. بينما في مجتمعات أخـرى لكل فرد شرفـهُ الشخصي الخاص بـه و الذي يعتمد بالأساس على مدى أقترابه أو بُـعدهِ عن المستوى الأوّل من القيَم التي وردَت أعلاه …!

هـذا النوع الثانـي من القيم الأخلاقـية هو ما يتمـسّك بأطرافـهِ الأسلام السياسي و توابـعه .. و يبـني عليـه موقـفهُ الـرافض للعـَـلمانية …!! مُتناسياً عن عـمد ما ذكرناه حول نسبيـّة هذا النوع من القيَم .. و أنـهُ ليس بالضرورة أن نتبـنّى نحن ما يتبـنـّاه غيرنا منها … و مُــتـغافلـين عن حـقيـقة أن المجتمعات البشرية في حالـة تطوّر و صيرورة مُتجدّدة .. و ما كان مقبولاً بالأمس قد يصبح مرفوضاً غداً .. و العكس صحيح …!!

سأذكـر مـزايا النظام الـعَـلمانـي على شكل نـقاط للأخـتصار … ثم لـيُـقارن القارئ الـكريم بينها وما يتمنـّاه .. و بين ما يعيشـُهُ فعلياً على أرض الـواقع :

1- النظام الـعَـلماني يـخنق أي فـرصة أو أحتمالـية لأي صراعات دينيّة / طائـفية / عـِرقية / عقائديـّة في المجتمع !.. لأن لا فروق بين المواطنين بسبب عِـِرق أو جنس أو دين أو طائفة أو لون أو مستوى ، فلا صراع بين طائفة و أخرى ، و لا بين دين و آخر ، و لا بين عـِرق و نظيره ، الجميع لهم نفس المساحة مِن الـحرّيـة المـَحميـّة بالـقانون .. و الجميع أحرار فيما يـؤمنون و يعـتـنقون .. و لا يُـسمح لـطرف أن يـفرض مُـعتقداتـهِ و قـناعاتهِ على الآخـرين بالأكراه أو بالـعُـنف ..! أي دولـة المواطـنة التي تتعامل مع الجميع بالتساوي على أساس مواطنتهم ، لا على أي أساس آخـر ..!

2- أطلاق حريـّة الفكـر و حريـة الـعقل و الـتي بدونها يـبقـى المجتمع يـُراوح في مكانـهِ ، يـجـتـرّ ما هضـمهُ من عقائد و أفـكار طوال تاريـخهِ الـسابق .. و بالـتالي لـن يـُـنتج أي جـديد يكون دافعاً و هادياً للأرتـقاء بحياة الأنسان و المجتمع .. و بـدل الأعتصام بـحبل الـعِـلم و التطوّر و الـمدنية .. يـبقى مُـمسكاً بأهداب التاريخ الماضي المجيد ..!

3- الـنظام الـعَلماني و لكـونهِ مُنتج أنسانـي لا يحمل أي قــُدسيّـة مُـسبقة .. فهو نظام مـرن و مُتحرّك و متغيّر وفـقاً لمصالح الأفراد و المجتمع و الدولـة .. و قـادر على الـتكـيّف مع التطورات الحضارية و الـعلمية و الأنسانـية ..!

4- الـحرّيات الـفردية مُـصانـة و محفوظـة بالقانون في النظام الـعلماني ، شرط أن لا تتقاطع مع الحرّيات الـعامـة و مع الـقانون …! بمعـنى حـرّيـتك الـفردية مُلـك خاص بـك تـُمارسها كما تشاء دون المساس أو الأنتقاص من حرّيات و كرامـة الآخـرين ..! أي الفصل بين الـعام و الخاص .. الشأن العام من واجبات الدولـة أزاء الجميع .. و الشأن الخاص هو مُلك الـفرد ..!

5- يـُتـيح النظام الـعَـلمانـي أهم مبدأ من مبادئ العدالـة و أهم وسيلـة للتطوّر و نمو القدرات الفردية للمواطن ، ذلك هو مبدأ ( تكافـؤ الـفرص ) .. حيث يـأخذ كل فرد فرصـتهُ في أطلاق قدراتهِ و أمكاناتهِ العلمية و الفكرية و الأبداعـيّة .. و يُـهيئ لـه الفرص لاستثمار أمكاناتهِ العقلية و الأبداعية في تطوير حياتـهِ و حياة عائلـتهِ …! و أن يكون المواطن المناسب في المكان المناسب حقاً ..! و ليس القريب المناسب أو الرفيق المناسب في المكان المناسب …!!

6- تحـقيق مبدأ الـعدالـة بين الجميع و وفق الـقانون .. عندما يكون الجميع متساوين تحت مظـلـّة الحرّيات الـعامّـة و الحقوق .. و الجميع متساوين أمام الـقانون … ستنحسر تدريجياً كل عناوين الـظـُلم و هضم الحقوق و المحسوبيات و المُحاصصات و وضع الشخص الفاسد و الفاشل في مواقع و مناصب لا يستحـقـّها ..!

7- – النظام الـعـَلماني يـُـتيح للمُتديـّـنين ( مسلمين / مسيحيّين / يهود / صابئة / أيزيديّن / بوذيـّـين .. ألخ ) ممارسة دياناتهم و عباداتهم و طقوسهم بكل حـرّية .. شرط أن لا تأكـل مِن جـُـرف حـرّيات الآخـرين … و هذه الـميّـزة ( و هنا أخصّ المسلمين بالـذات ) تمنحك فـرصة لا تتهيّأ لك ألاّ في النظام العلماني .. تلك هي أن تكسب الدنيا و الآخـرة معاً ..! أغـلب الأحيان تـفكير المـسلم المتزمت يدفعـهُ لتسخير و تـجييّـر مُـتطلبات الحياة الدنيا لـحساب الـفوز بمكاسب الآخـرة ..! و بالتالي فهو مُستعد لأن يسحق حياتهُ الدنيوية و يتحـمّل الحرمان و الـعوز و الظلم و الـقـهر و الـذل و العذابات ، على أمـل نيـل منافع الآخـرة ..! في النظام العَـلماني يمكنك نيل الأثنيَن .. حياتك الدنيوية .. و حياتك الأخروية .. أن تعيش بكرامة و سلام و سعادة و حرية .. تعمل و تــُـنتج و تـُسعد نفسك و عائلتك و أهلك و تكون حياتك مُـثمـرة .. و في نفس الوقت تـُمارس حرّيتك الدينية و طقوسك التعبـّـديـة و تــُرضي ربـّـك .. و بذلك تــربح الـدنيا و الآخــرة مـعاً …!!

8- في النظام الـعـلماني لا يُسمح للجيش و الأجهزة الأمـنية بالعمل أو التدخل في السياسة أو المُشاركــة في الأنتخابات السياسية .. الـقوى الأمـنية بكل أشكالها مهمّـتها حمايـة الـوطن و الـمواطن و الدستور ( أن أقـتضى الأمـر ) …! لـكي لا يـُصار الى أستخدام القوى الأمنية في التنافس أو الصراع السياسي من قـبل السلطة أو الأحزاب أو ذوي الـنفوذ ..!

9- في الـنظام الـعَـلماني تتم محاصرة و أنهاء أوجه و ممارسات الـفساد بكل أشكالها و مستوياتها ، أو على الأقل جعلها في أضيـَق نطاق .. حيث أستخدام الـطرق الـعلمية و الـنـُـظم الأدارية الـحديثة في تسيير شؤون البلد في المجالات كافـّـة ، و الـتي تسدّ الـفجوات الـتي ينفـذ منها الـفساد ..! كما أن المواطن حين يشعر بكرامتـهِ و عـزّة نفـسهِ و أن الدولـة تحترم حقوقه و متطلـّباتهِ المعيشية .. ستـنحسر في داخـلـهِ نـزعــة الأنانيّة و اللامُبالاة لـمفردات سلـوكهِ أن وافقَت القيم الأخلاقـية السامية .. أم لا ..! بل سيكون حريصاً على كرامتهِ و سُـمعـتهِ ..!

10- في النظام الـعـَـلماني يكون الـفـصل بين الـسلطات الرئيسية الـثلاث ( التشريعية – التنفيذية – الـقضائيّة ) حقيقياً ، ولا يُسمح بالتداخل بينهما .. و بالـتالـي كل سلطة لها مهامّـها و واجباتها الـمُحدّدة دستورياً و قـانونياً .. و لايحق لـطرف التدخـّـل في مهام و أداء الـطرف الآخـر .. ألاّ في حالـة المصلحة العامة للوطن و المواطن ، وهذهِ تحصل في الظروف الأستثنائية ..! (( عندما تـدخل قـصراً جميلاً .. فيه جماليات و أبداعات و وسائل الراحــة في كل جزء فـيه … ثم تـترك كل ذلك و تـذهب الى سـلـّة الأوساخ المركونـة في المطبخ .. لـتقول أن الـقصر قـبيح ولا يـصلُح للعيش ..! فـذلك لا يعـني أن الـقصر لا يصلـُح للعيش .. بل يـعنـي أنـّـك لا تـريد الـعَـيش فـي قـصر …!! )) .. هذا ما يفعـلـُـهُ أعداء و مُـناهـضي الدولـة الـعـَلمانيّة …!!!

*[email protected]