22 ديسمبر، 2024 8:28 م

لماذا العيد في دول الإسلام يفرق ولا يجمع؟

لماذا العيد في دول الإسلام يفرق ولا يجمع؟

ما أن تتم مراقبة الهلال لإعلان بداية العيد عند المسلمين إلا وبدأت مشكلة بين طلاب (مدرسة تعليم الكبار) في الدول الإسكندفافية، حيث يخصص عادة للطلاب إجازة ليوم واحد فقط، على إعتبار انهم يتسلمون رواتبا خلال فترة تعلم اللغة (عادة سنتين أو أقل)، وغيابهم يعني إستقطاع راتب اليوم الذي يتغيبون فيه. تضم هذه المدارس طلابا من مختلف الدول سيما من ايران والعراق وسوريا وافغانستان والصومال وموريتانيا واثيوبيا، والمشكلة تكمن في إنقسام الطلاب الى فريقين، فريق يُعيد مع السعودية، وفريق مع ايران، وكل فريق متعنت في موقفه ويرفض التنازل عنه، وإدارة المدارس لا تتنازل عن موقفها في منح الطلاب إجازة ليوم واحد فقط. وغالبا ما يجري التصويت على تحديد يوم الإجازة والفريق الخاسر سيضطر للتغيب، ويُقطع عنه الراتب لذلك اليوم.
في أحد الإيام اجتمعنا بإعتباري مترجم وأعمل في المدرسة كمعاون تدريسي مع ممثلين من الطرفين وإدارة المدرسة، تساءلت مديرة الإدارة عن سبب الإختلاف، وقالت نحن هنا مثلا نحتفل جميعا في أعياد الكرسمس والإيستر والبنسه ( تصادف في10/6) في يوم واحد، ولا توجد فئة تُعيد في يوم آخر، فلماذا الإختلاف بينكم؟
أجبتها ان الإختلاف سببه مذهبي وليس ديني، فالقرآن الكريم حدد بداية العيد مع رؤية الهلال، وهذه الرؤية مختلف عليها بين الفريقين علاوة على أمور أخرى يصعب شرحها..
فقالت: ولكن علماء الفلك بإمكانهم ان يحددوا الرؤية عبر التقينيات العلمية دون الحاجة الى إختلاف الرأي.
أجبتها: هذا صحيح لكن المشكلة ليست في الرؤية بحد ذاتها، وإنما أمور أخرى لها طابع سياسي، وسأثبت لك ذلك. سألت ممثل الجانب السني، عن سبب إتباعه السعودية؟ فأجاب: ان السعودية فيها الكعبة قبلة الإسلام، وغالبا ما يكون صومنا وفطورنا حسب توقيتات السعودية لصعوبة الصوم (20) ساعة هنا (تغيب الشمس الساعة 11 مساءا، وتشرق الساعة الثالثة فجرا)، كما ان هناك آلاف المتطوعين من السعوديين يصعدون الى الجبال لمراقبة الهلال، فتكون المشاهدة عينية، كما ان السعودية غالبا ما يكون تعيينها العيد متوافقا مع الرؤيا الفلكية. والسعودية هي منبع الإسلام وهي دولة عربية، ويفترض ان نتبع الدولة العربية وليس الفارسية، فالإسلام عربي وعروبي.
سألنا ممثل الطرف الشيعي عن سبب إتباع توقيتات ايران في تحديد العيد، ولماذا لم تتفق ايران يوما مع السعودية في اعلان يوم واحد للعيد؟
أجاب ان ايران هي جمهورية اسلامية، ونحن الشيعة نعتبرها قبلة الإسلام وليس السعودية، وكونها فارسية فهذا لا يقلل من مكانتها الإسلامية. ونحن نتبع مراجعنا قدس سرهم في إعلان يوم العيد وليس النظام الحاكم كما في السعودية.
سألته المدرسة: هل هذا يعني ان العيد عند أهل السنة يحدده النظام الحاكم في السعودية، وعند الشيعة من قبل رجال الدين؟
قال ممثل الطرف الشيعي: نحن نتبع مراجعنا العظام ونتتظر رأيهم.
وقال ممثل الطرف السني: ليس النظام السعودي من يحدد العيد وانما الرؤية الصحيحة لعدة اشخاص ويقسمون أمام قاضي وبوجود شهود، ولا علاقة للنظام بإعلان العيد، كما ان النظام الإيراني يمثل فيه مرشد الثورة الجانبين الديني والسياسي، بمعنى ان اعلان العيد له مدلول سياسي وليس دينيا فقط، وهذا ما مثبت في الدستور الايراني. هناك كلمات لم اترجمها مثل (مراجعنا قدس سرهم، مراجع عظام) وغيرها لأنها لا تعني للأوربيين شيئا وربما تثير سخريتهم.
تركتنا المديرة بعد ان وجدت انه لا فائدة من خوض الموضوع، واستغربت ان لا يكون للحكومة رأي في هذا الموضوع وتحسمه بشكل نهائي بدلا من هذا الإختلاف العجيب. ويتم عادة تحديد العيد في المدرسة حسب تصويت الطلاب، علما انه يوجد مركزين اسلامين بطرفنا، ولكن لا يؤخذ برأيهما بهذا الصدد.
استمرينا بالمحادثة، وقلت لممثل الطرف الشيعي: أود أن أوضح امر مهما في البداية، انا من أسرة نصف سنية ونصف شيعية، لذلك سيكون كلامي ليس تحيزا لجانب ما، وإنما لتغليب المنطق العلمي، فالحقيقة ان المجاهرة بأمر ما أفضل من إخفائه، وطالما ان مديرة إدارة المدرسة غادرت وتركتنا لوحدنا، فسوف أتحدث بحرية أكثر، فأنا لا أود ان أنشر غسيلنا القذر على الآخرين، وقد سمعتما قولها ان أعياد المسيحيين الرئيسة واحدة، على الرغم من اختلاف المذاهب النصرانية الى ارذثوكس وكاثوليك وبروتستان واقليات أخرى.
وقلت لممثل الطرف الشيعي، ان العيد عند الشيعة لا علاقة لها برؤية الهلال وأنت تعرف هذه الحقيقة، وسأضرب لك مثلا، لماذا لا يرى الشيعة في العالم العربي الهلال، ويراه أهل السنة فقط؟ ولو إفترضنا جدلا انك رأيت الهلال، فهل ستُعيد أم تنتظر بيان المرجع الأعلى؟
أجاب: لا أعيد، وأنتظر كلام المرجع الأعلى.
قلت له: كلامك يعني ان منزلة المرجع أعلى من منزلة الله تعالى.
قال بإستغراب: كيف؟
قلت له: ان الله تعالى يقول في سورة البقرة/185 ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )). وأنت تشهد الشهر ولا تصمه، فماذا يعني هذا؟
قال: المرجع هو الذي يتحمل الذنب وليس أنا. ونحن نقول ” ذبها برأس عالم وإطلع منها سالم”، إي اجعل ذنبها على رجل الدين وليس على نفسك!
قلت له: لكن الله تعالى يقول في سورة القصص/51 ((وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))، لقد وصل لك القول بالرؤية الصحيحة،لا حجة لك في عدم إطاعة الله.
قلت: من جهة ثانية ما هو رأيك بالتصويت الذي ستجريه المدرسة اليوم لتحديد عطلة العيد.
أجاب: انها عملية ديمقراطية، ويفترض ان تتبع الأقلية الأكثرية، وهذا هو جوهر الديمقراطية.
قلت له: حسنا لماذا لا نطبق هذه الممارسة الديمقراطية على العالم الإسلامي؟
قال: كيف؟
قلت: العالم الإسلامي فيه حوالي مليار مسلم من أهل السنة، وما يقارب (150) مليون شيعي، فلماذا لا تتبع الأقلية الشيعية الأكثرية من أهل السنة؟
قال: لا أعرف، هذا الأمر تحدده المرجعية الدينية.
سألته: هل ترغب بتوحيد العيد لكل المسلمين؟
أجاب: بلا أدنى شك، الوحدة الإسلامية مطلب جميع المسلمين.
قلت له: وهل برأيك أهل السنة ام الشيعة سبب الخلاف؟
أجاب: لا أعرف!
قلت له: حسنا لنرجع الى أقوال أئمة الشيعة ونعرف من يقف وراء الخلاف وفرقة المسلمين، وأي طرف يصر عليه، وهل الخلاف حقا بسبب رؤية الهلال أو أمور أخرى لا علاقة للهلال بها.
عن أبي عبد الله قال: فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوها على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذو . وعنه ايضا” إذا ورد عليكم حديثان فخذوا بما خالف القوم”. عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا (ع): يحدث الأمر أجد من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد استفتيه من مواليك؟
قال: أئت فقيه البلد فاستفتيه من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه”.
والأنكى منه قال نعمة الله الجزائري وهو من كبار علماء الشيعة” إنا لم نجتمع معهم (أهل السنة) على إله ولا على نبي ولا على إمام . وذلك أنهم يقولون إن ربهم هو الذي كان محمدا (ص) نبيه وخليفته بعد أبو بكر. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي أن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبيا”.
ولو رجعت الى كتابي إغتيال العقل الشيعي لوجدث الكثير من هذه الأحاديث وأسانيدها التي تتعلق بهذا الأمر وغيره. ولو رجعت الى كتابي الجدلية الدينية لوجدت إنتقادي الشديد لعلماء السنة على بعض الفتاوس التافهة، ولو رجعت الى كتابي الصوفية والصفوية لوجدت إنتقاد حاد للمتصوفة على دجلهم. العقل هو الأساس لتقييم الأمور وتقبلها، وليس ما يقوله البعض بغض النظر عن مكانتهم، فكما علق ابو حنيفة على آراء من سبقه ” نحن رجال وهم رجال”.
أخي العزيز صحيح أنا أجمع المذهبين بحكم العائلة ولم اكتسبهما من خلال إطلاعي على فقه المذهبين وأختاء الصواب منهما، لكني أرفض أن تسليم عقلي الى غيري، مهما يكن ذاك الغير، لقد إعطاني الله تعالى عقل لأفكر فيه وأميز الصواب عن الخطأ، والقرآن الكريم والسنة النبوية وضحا للمسلم كل ما يحتاجه في حياته وله صلة بها، ولا يحتاج المرء الى رجل دين ولا الى إمام او فقيه ليبين له دينة، قال تعالى في سورة المائدة/3 ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)). وما لم يرد في القرآن الكريم وضحته السنة النبوية.
قلت له في النهاية: أستحلفكم معا بالله كم مرة راجعتم فقيه للإستفسار عن مسألة فقهية تخص حياتكم؟
فقالا معا: بصراحة ولا مرة!
وهنا سمعنا مديرة إدارة المدرسة تطلب من الطلاب التجمع في القاعة الكبيرة لإجراء التصويت حسب الأسماء المدرجة في القوائم.