لماذا العراق دون – سائر الدول العربية – يتكبد الخسائر الاكثر فداحة, في الارواح والاموال , ويتلقى الضربات الاقوى والاقسى والاكثر حقدا وكراهية وفتكا من التنظيمات الارهابية والقوى الدولية الاستعمارية ؟ لماذا يستهدف الانسان العراقي, قبل كلّ, وايّ شيء !؟
حال لم تعد خافية على احد, ويدركها اي مراقب للساحة العربية المشتعلة منذ اندلاع ما سُمي بالربيع , ويدرك المراقب للساحة العربية ” ايضا” ان الارهاب في العراق يستهدف الانسان العادي في الشوارع والمقاهى والاسواق وحتى في البيوت, وانّه , يستهدف حصرا ابناء الطائفة الشيعية “الذين قتل مئآت الالاف منهم ” بينما في الدول العربية مثل مصر وليبيا وتونس وحتى سوريا واليمن, نرى الارهاب يستهدف بعض الشخصيات السياسية وبعض القوى الامنية ومراكزهما ويتجنب كثيرا الناس العاديين والمنشآت والمؤسسات الرسمية العامة .
في المناطق السنيّة العراقية ” شمالية وغربية” نرى السيارات المفخخة والعبوات والاحزمة الناسفة لا تستهدف الناس العاديين في الاسواق والشوارع كما في الجنوب والوسط الشيعيين, بل تستهدف الجيش والشرطة ومن يتعاون معهم بل وحتى من هو راض عنهما وتستهدف ايضا التجمعات الشيعية في تلك المناطق . ولو توقفنا قليلا لبيان هذه الحال يكفي ان نشير الى حي 90 في مدينة كركوك وقضاء طوزخرماتو في محافظة صلاح الدين واللذين يتعرضا بشكل مستمر لارهاب وحشي بالمفخخات والاحزمة الناسفة والاغتيالات اليومية بما يشبه التطهير العراقي, لا لشيء الّا لأن سكانهما من الشيعة التركمان بينما بقية مناطق التركمان السنة لا يطالها الارهاب . اما في وسط وجنوب العراق فهدايا الارهاب من المفخخات كثيرة جدا ويتلقاها المواطنون يوميا وفي كل الامكنة التي يستطيع الارهاب الوصول اليها في المدن والقرى , لم يكن التطرف والتعصب الطائفي وحده من يستهدف هؤلاء العراقيين الشيعة , بل التوجيه والدعم والحث الدولي وخاصة الامريكي والاسرائيلي واذرعه من الانظمة العربية وخاصة الخليجية له الدور الاكبر في هذا الاستهداف لان المتطرفين والارهابيين هم اناس عُمي البصيرة تديرهم مخابرات دولية واقليمية .
لماذا يحدث كل هذا ؟
انه يحدث لان العراق وخاصة “جغرافية الطائفة الشيعية” هي جبهة الحرب على ايران . وعليه, اما ان يكون الشيعة العراقيون مع اسرائيل وامريكا ضد ايران واما ان تكون المعركة ضدهم وعلى ارضهم وصولا الى ايران . اي تماما كما يحدث في لبنان اذ نرى العرب من السنّة اللبنانيون لا عدو لهم اليوم غير المقاومة اللبنانية الشيعية التي هزمت اسرائيل وتهددها على الدوام . ومن اجل اسرائيل وجهت امريكا العربَ كلهم ضد المقاومة اللبنانية , مع ان اهداف هذه المقاومة هو تحرير فلسطين , ومع كل الدعم الذي قدمته وتقدمه المقاومة اللبنانية لفصائل المقاومة الفلسطينية . اذن لقد غيّرت امريكا واسرائيل بوصلة حرب العرب باتجاه ايران شرقا من خلال مظاهرات المناطق الغربية وخطب رجال الدين فيها والاعمال الارهابية اليومية “طبعا” وغيّرت امريكا ايضا بوصلة الحرب باتجاه المقاومة اللبنانية والدولة السورية في بلاد الشام من خلال رهط الشيخ السلفي اللبناني احمد الاسير (وعمته) بهية الحريري ونهج تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري وفؤاد السنيورة. ولكن مع كل هذا يبقى العراقيون هم من يدفع الثمن الاكبر لهذه الحرب الارهابية الاقتصادية السياسية .
وبألقاء نظرة سريعة على الساحة العربية الملتهبة, نرى ان العراقيون يُستهدفون اكثر من غيرهم وكأنهم العدو الاول في حرب حقيقية على جبهة قتال مستعرة , ليس منذ العام 2003 بل منذ مطلع الثمانينات . ونحن ندرك جيدا ان الحرب التي اشتعلت مع ايران في مطلع الثمانينات لم يكن للعراقيين مصلحة فيها, بل كان سفك دماء مئات الآلاف منهم, فقط من اجل اشباع وارواء التعصب الطائفي العربي ضد ايران ” شكلا” وتحقيقا لمصالح سيّدة العرب “امريكا” مضمونا وبالتالي فان الحرب كانت لتحقيق مصالح اسرائيل , وقد خاض العراقيون الشيعة – الذين كانوا يشكلون 90 % – في جبهات القتال حربا ضروسا ضد ابناء طائفتهم من الشيعة الايرانيين , بكل وفاء لوطنهم العراق, ولم نر يوما اية نزعة طائفية لديهم, بل كانوا رأس الرمح الذي حقق النصر في الحرب وقد عشتُ انا شخصيا تلك الحرب بكل فصولها واحوالها وشهدت معظم معاركها , وعلى عكس اصوات المشايخ والسياسيين التي نسمعها اليوم من ساحات الاعتصام في الرمادي والموصل وسامراء والتي تحرض على قتل الشيعة وتتنكر لوجودهم وحقوقهم وتصفهم بابشع النعوت , على العكس من ذلك كان الشيعة في الحرب على ايران قد وضعوا ( شيعيّتهم) جنبا فحاربوا على جبهات القتال باستبسال منقطع النظير ضباطا وقادة وجنودا, وقادوا الحرب في الميادين الاخرى كالاعلام والثقافة, كشعراء وصحفيين ومغنين وملحنين ووو ….
وأتسائل اليوم ” جدلا” ماذا لو وقعت حرب بين العراق وتركيا او بين العراق والسعودية !؟ هل سيحارب السنّة العراقيون ضد تركيا او السعودية كما حارب العراقيون الشيعة ضد ايران !؟ (مع ان الشيعة يومها كانوا يعلمون ان لا مصلحة لهم ولا لبلدهم في هذه الحرب وانها كانت حرب من اجل المصالح الامريكية والاسرائيلية ومن اجل بقاء عروش حكام الخليج ) ولكنهم خاضوها على مضض حبا واكراما وايمانا ببلدهم الذي ابتلي برئيس احمق . واعود للسوأل السابق : ماذا لو اشتعلت حرب بين العراق وتركيا او بين العراق والسعودية جدلا ولا سمح الله , هل سيحارب السنة العراقيون تركيا او السعودية !؟ وللاجابة على هذا السؤال يكفي ان اذكّر بصور اوردغان واعلام تركيا والسعودية التي رفعها المتظاهرون في الرمادي والموصل ضد حكومتهم العراقية التي هم جزء منها .
مما لا شك فيه ان العراق هو الجبهة الاولى والاوسع في حرب اسرائيل وامريكا على ايران . ولا شك ان العراقيين بموقعهم الجغرافي والديمغرافي دفعوا ويدفعون اثمانا باهضة في هذه الحرب التي خططت لها وتديرها اسرائيل وامريكا ويمولها حكّام الخليج , حرب اصبح فيها افراد من بعض فصائل العرب السنة قنابل ” احزمة ناسفة” تفجر نفسها بغباء حتى تقتل اكبر عدد من الشيعة العراقيين . ان اسرائيل وامريكا التي تدعم الارهاب في سوريا لن تحاربه ابدا في العراق كما حاربته في مالي وباكستان وافغانستان لان العراق وسوريا جغرافية واحدة , ولان العراق لم ينخرط في الحرب على الدولة السورية , وانني اكاد اجزم ان الاعمال الارهابية الاخيرة المتتالية التي عصفت وتعصف بالعراق منذ شهور هي من تدبير امريكا وبدعم منها , والهدف هو اشغال الجيش والشرطة العراقيين, لكي تظل الحدود العراقية السورية مفتوحة للارهابيين ” اولا” وثانيا من اجل دعم الارهاب في سوريا بالاسلحة والمقاتلين. واظن او اقترب من اليقين ان الولايات المتحدة الامريكية تضغط بهذه العمليات على الحكومة العراقية والشعب العراقي من اجل ان يطلبا العون من الجيش والمخابرات الامريكية , وبالتالي منح الطائرات الامريكية بدون طيار حرية الحركة في المناطق الغربية اي الحدود مع سوريا لكي تساعد وتؤمن للمجاميع المسلحة والارهابية في سوريا الدعم المادي واللوجستي المعلوماتي . واخيرا اذا فشلت امريكا في الحصول على ما تريد سوف تسعى الى اسقاط المؤسسات العراقية الرسمية مثل الجيش والشرطة وصولا الى الى اسقاط العملية السياسية برمّتها , ولولا خوف امريكا من ان ايران قد تسيطر على الوضع في العراق في حال تدمير المؤسسات العراقية والعملية السياسية , لعمدت وبكل سهولة الى اسقاط الدولة العراقية وتدمير كل مؤسساتها, ولكنها وفي كل الاحول ستفعل ذلك لاحقا اذا اضطرت , ما لم تتغير القوى والاحوال في العراق والمنطقة باتجاه اما تحقيق مصالح امريكا واما استحالة تحقيقها نتيجة للتغيّرات