الرحمة والمغفرة على ارواح الابرياء الذين سقطوا في المأساة الحزينة لمستشفى أبن الخطيب في جنوب بغداد التي روّعت كل العراقيين في هذا الشهر المبارك ونسأل الله الصحة والشفاء للجرحى والمصابين.
قبل الحديث عن الجاني الحقيقي في هذه الكارثة الأليمة والفوضى العارمة التي تشمل النظام الصحي في العراق لمرضى يطلبون الرعاية والعلاج لكن أرواحهم الطاهرة تغادرنا في جثامين محروقة فلابد ان ننظر للموضوع بصورته الأكبر وهو من المسؤول عن تدمير العراق كأمة ودولة والذي بدأ منذ عام 1980واشتد بأبشع صوره بعد عام 2003 ليصل الى ازهاق الارواح الباحثة عن الامان كل يوم وفي كل مكان.
الجريمة والتدمير الممنهج للبنية التحتيةوالنظام التربوي وكل جسم الدولة العراقية هي السمة العامة والتي وصلت الى عمق المنظومة الأخلاقية بسبب فقدان من تولوا المسؤولية أبسط مقومات الرجولة في حماية من اؤتمنوا على حمايتهم ورعايتهم حيث ان ما نسمعه اليوم أطلقه الكثير من قيادات الدولة بعد الحادث المأساوي في حريق سوق الكرادة قبل سنوات واستشهاد المئات من الابرياء بالحريق أو اختناقا” باستنشاق الغازات السامة ويتكرر غيرها الكثير من صدامات وانفجارات شبه يومية في كل محافظات العراق.
في سياق الحديث عن الفساد والتدمير عرض التلفزيون الفرنسي مؤخرا” فيلم وثائقي جديد في أربع أجزاء تمثل عدة مراحل عن واقع العراق المعاصر ويمكن متابعة تفاصيله بالرابط المرفق :
https://www.france.tv/france-5/irak-destruction-d-une-nation/
يحلل الفيلم أربع مراحل مصيرية رصدت أحداثاً عصفت بالعراق والمنطقة وقدم صورا” حقيقية عن أسباب وحجم المأساة لواقع حياة العراقيين اليومية ومستقبل أجياله القادمة.
تحدث مؤلف ومخرج الفيلم الذي أمضى عدة سنوات لتقديم نتاج عمله قائلاً ( يشرح الفيلم كيفية ظهور ابو مصعب الزرقاوي ومنظمة داعش وكيف ساعد غزو أمريكا للعراق عام 2003 على تغلغل هذه التنظيمات الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ الحركات المتطرفة وسيطرتهم على أراضي واسعة في فترات قصيرة). حاول المخرج ان يسلط الضوء على سياسة فرنسية جديدة تبحث الآن عن دور لها في المنطقة وعن حقيقة ضمنية وهي أن الارهاب الداعشي الذي ضرب فرنسا ودول أوروبية قبل سنوات له جذور أمريكية وأقليمية ومن خلال متابعة أحداث الفيلم يتمكن المتابع للأحداث معرفة الأسباب والمسؤول عن ذلك.
يوصلنا المخرج في متابعة مقابلات وثائقية مع وزراء ومسوؤلين عراقيين ودوليين ومن مصادر سياسية أو عسكرية واجهزة مخابرات إضافة إلى موظفين سابقين من ممثلي ومنسقي الأمم المتحدة في العراق إلى قناعة واحدة وهي كيف تمت بدهاء عالي خطوات تدمير أمة وتجويع شعب العراق عقاباً له وخدمة لعدو الأمة.
سلط الفيلم أيضا” الأضواء على دور الإعلام الدولي والإقليمي في سياسة التدمير المبرمجة حيث أعترف أحد القادة العسكريين الذي قاد عمليات القصف الجوي على العراق بأن التغطية الإعلامية كانت موجهة في حين أنها كانت إبادة جماعية حسب شهادة موظفي الأمم المتحدة أو بربرية كما وصفها وزير الخارجية الفرنسي جون بيير شوفنمان الذي استقال من منصبه اعتراضا” وخجلا”. أن الفيلم يفضح أشكال الكذب الممنهج وخيانات الدول الكبرى في تورطها الكامل في أكبر عملية إبادة حديثة ضد شعب مسالم وبشهادة زور من ممثلي الدول في اجتماعات مجلس الأمن وبدأت بأكاذيب كبيرة قبل كل حرب رغم معارضة شعوبها على شن الحروب .
يقوم اليهود ومنذ عقود بأستلام المليارات من التعويضات ومتابعة المسؤولين عن كل من أساء لهم في كل دول العالم ولغاية يومنا هذا لذلك وبعد ماحدث في العراق عام 2003 من اعتداء صارخ قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا في تهديم لكيان الدولة العراقية مع سكوت و مباركة كل الاشقاء والجيران يدفعنا للتساؤل من المسؤول عن هذا الدمار الذي مزق الأمة وهل يحق لنا كشعب اقامة دعوى في محكمة العدل الدولية ضد كل من شارك وساهم في هذه الجريمة الفريدة في تاريخ الانسانية والمفارقة بان دولتنا وشعبنا لازلنا ندفع التعويضات.
لكن قبل ان نستطيع مخاطبة المجتمع الدولي والشرفاء في المنظمات الدولية علينا توجيه التساؤل الى الجاني الذي بيننا في كارثة مستشفى ابن الخطيب وغيرها من المأسي التي يواجهها اهلنا يوميا”. هل هو مدير المستشفى أو وزير الصحة ؟ هل الجاني هو النظام الإداري الفاسد ؟ ليس من البساطة أن نرمي المسؤولية على هذا المدير أو ذاك الوزير من أجل التمويه وامتصاص نقمة الشعب الغاضب. فالجاني في هذه المأساة المروعة وغيرها هو شكل النظام السياسي الذي أنتج هذا النظام الطبى الضعيف . أن ما حدث في هذه الكارثة المروعة سببها الرئيسي هو المحاصصة والفساد في وزارة الصحة كغيرها من الوزارات وفشل إداراتها و لعل الفساد المستشري في مجال الغذاء والدواء والتعليم هو أخطر أنواع الفساد لما له من ارتباط وثيق بحياة الناس وأمنهم وتربية الاجيال. والحقيقة لانستطيع ان نفهم لماذا تستمر بعض الكتل السياسية في تدمير وسرقة بلدهم ومقاتلة أهلهم فكلنا عراقيين على نفس تراب الوطن.
هل أن رئيس الوزراء وهو المسؤول الأول في الدولة العراقية والذين سبقوه في هذا المنصب يعلمون بالفساد المنتشر في وزارة الصحة وبقية الوزارات . هل يعلم دولة الرئيس كيف يدار هذا الفساد وكيف تعمل المجاميع المتنفذة التي تستولي على العقود والمشاريع الوهمية فيها ومدى علاقة الكوادر القيادية في الأحزاب بهذه العقود؟ الجواب بالتأكيد هو يعلم جيدا” كيف يدار الفساد في هذه الوزارة وبقية وزارات الدولة ولكنه غير قادر على المواجهة وشريك في الجريمة لأنه المسؤول الاول من خلال السكوت وغض الطرف عن جرائم الفاسدين والفاشلين والتقاعس عن فرض هيبة الدولة وحماية الناس ورعايتهم وصدق أبا الاحرار القائل ( أن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارا” في دنياكم) .
شعبنا الطيب يتسأل من المسؤول عن تدمير أمة وتمزيق دولة كالعراق ومادور القيادات السابقة والحالية في استمرار هذا التمزق وتدمير مقدرات البلد ومستقبل أجياله القادمة .