23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

منذ قديم الازل ولغاية اليوم لم يعرف العراق عهداً من الاستقرار السياسي يمكن تسميته بالعهد الذهبي، فبعد تدمير مدينة بابل تناوب على حكم العراق الأخمينيون والسلوقيون بعد فتحه على يد الأسكندر المقدوني مروراً بالساسانيين، كما نشأت في العراق عدة ممالك مستقلة قبل فتحه من قبل الخلفاء الراشدين، ليبدأ بعدها العهد الراشدي والنزاع على الخلافة وسيطرة الامويين على الحكم ثم انتقاله للخلافة العباسية ليأتي بعدها دور المغول والذي تميز بتدمير تاريخ هذا البلد العريق وطمس هويته، ثم انتقال الحكم للنظام العثماني وتقسيم العراق الى دويلات صغيرة خضعت لقوى عديدة كان البقاء فيها للاقوى كما هو الحال اليوم، ليخضع بعدها لحكم المماليك من بلاد الشركس والذين حكموا زهاء الـ 82 سنة، وبعد توقف الحرب العالمية الاولى وقع العراق تحت الاحتلال البريطاني ثم الانتداب ثم حصل على استقلاله من بريطانيا عام 1932م، لتقوم المملكة الهاشمية العراقية والتي انتهى حكمها عام 1958، عندما أطيح بها في انقلاب للجيش العراقي واعلان قيام الجمهورية العراقية لتتوالى بعدها الانقلابات العسكرية وعزل الرؤساء لغاية حرب الخليج الاولى والثانية مروراً بالاحتلال الامريكي للعراق منذ عام 2003 والذي من المفترض ان يكون قد انتهى كلياً بحلول العام الحالي.
ولانقصد من هذه المقدمة التاريخية الا توضيح حالة عدم الاستقرار التي مر بها العراق على مدى قرون خلت لم يستطع من خلالها ان يعش فترة من الرخاء ليبني فيها دولة حقيقية يسودها السلم والامن كباقي دول المنطقة، وخصوصاً تلك التي تملك حدوداً مشتركة مع العراق والتي لم تألو جهداً في نقل مشاكلها ونزاعاتها الداخلية الى الساحة العراقية حتى تبقى هي بمنائ عن رياح الحروب والتغيير التي تخشاها ايما خشية، فأستطاعات ان تبقي العراق ساحة لمشاكل المنطقة وليأتي ذلك كله على حساب الشعب العراقي والذي لم يكد يخرج من قهر حتى وقع في قهراً اقوى، وما يجري اليوم من خلافات سياسية لاتخرج عن المحراب التاريخي والذي جئنا عليه فيما تقدم، فحكومة بغداد اليوم تعي جيداً ان عليها ان تكون صديقة مقربة جداً من واشنطن وطهران كونهما اللاعبين الاساسيين على الساحة العراقية وان حصل وعارضت احداها فهي لن تكون بمنأى عن اللوم والتقريع او حتى التغيير اذا لزم الامر، مبتعدة بذلك عن النهج الوطني الذي يضع المواطن العراقي نصب اهتماماته واولياته، محاولة التمسك بزمام السلطة حتى وان جاء ذلك على حساب مصالح البلد العليا، لتخلق فجوة عميقة فيما بينها والمواطن لن يتكفل حتى الوقت بردمها وذلك لتزايد حجمها وعمقها الذي يتجذر يوماً بعد اخر.
وتأتي محاولة الحكومة العراقية الاخيرة والمتمثلة بتوطيد دعائم السلطة الداخلية، كخطوة جيدة اذا ماقيست بالمنظور والمفهوم الوطني، لكن يجب الاشارة هنا الى انها يجب ان تبتعد عن الخروقات الواضحة للقانون لإزاحة الخصوم السياسيين من الطريق، والتي باتت تشكل طابعاً ونهجاً سياسياً معتمدة بذلك على معزوفة التفرد بالسلطة ومصادرة الرأي الاخر والذي لن يقودنا الا الى دكتاتورية لم ولن يرغب بها ابناء الشعب العراقي لما عانوه على مدى التاريخ من ظلم وحيف وقع بحقهم.