ـ قال ابن حمدون” أخذ رجل ذئبا وهو يعظه ويقول له: إياك وأخذ أغنام الناس فيعاقبك الله! والذئب يقول: خفّف واقتصر، فقدّامي قطيع من الغنم لا يفوتني”. (التذكرة الحمدونية).
قرأنا عدة مقالات عن ما تحدثت به السيدة هيفاء الأمين حول تخلف جنوب العراق وانتشار الأمية والجهل، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها او إنكارها، وكان للعمامتين الإيرانية والعراقية الدور البارز في تفاقم ظاهرة التخلف الحضاري في جنوب العراق، علاوة على إنتشار الميليشيات الموالية للنظام الإيراني وفوضى السلاح، وتزايد نفوذ وسيطرة العشائر، والمعركة اللأخيرة بين عشيرتين في البصرة واستخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ والطائرات المسيرة لدليل واضح على مستوى التخلف الحضاري والثقافي والإجتماعي، وغياب دور الحكومة. فالجنوب العراقي ليس متخلفا فحسب بل هو متخلف جدا، ومن يحاول ان يتستر على هذا الحقيقة فإنه يساهم بشكل أو آخر في تعميق الظاهرة، لأن الإعتراف بالتخلف هو أول درجة في سلم معالجته، ويتطلبلدراسة اسبابه بشكل عميق ومن ثم رسم سياسة معالجته وفق أفضل الطرق، اي التغيير والإنتقال من حالة التخلف الى النمو، من ثم التقدم، في حين ان انكار التخلف يعني القناعة بالوضع الحالي وارساء أركانه، وعدم الرغبة بمعالجته.
سنؤجل موضوع الجنوب العراقي والبصرة بشكل خاص الى مقال قادم، ربما سيكون وقعه أشد بكثر مما تحدثت به السيدة الأمين، فما تفضلت به سيكون أمرا هينا لما سنتحدث به، لكن في الوقت الذي أثار هذا الموضوع حفيظة الكثير من الكتاب العراقيين، فإن الرسالة الأخيرة لزعيم تنظم داعش الإرهابي، لم تثرهم ولم تستفز المحللين والكتاب السياسيين لبحثها، وبقينا عدة أيام ننتظر عما سيكتبونه سيما الشيعة منهم على إعتبار ان البغدادي هو العدو الرئيس لهم، والجميع يتشدق بمحاربته، وكل أخطاء الحكومة الشيعية معلقة على شماعة البغدادي وتنظيمه الإرهابي، ولكن مرت الرسالة دون أن نطلع على شيء من الكتابات والتحليلات، فإستوقفتنا هذه الظاهرة الغريبة، والتجاهل المتعمد لرسالة أخطر إرهابي في العالم والذي يمثل التهديد الرئيس للعراق والعالم، ثم بدأنا بدراسة هذه الحالة، علما اننا سبق ان وجهنا رسالتين الى سيد الأرهاب، وكالعادة لم يرد على الإستفسارات التي طلبناها منه، ولا أي من زعماء التنظيم الإرهابي، علما ان الرسالة كانت هادئة ومؤدبة وهذا الإسلوب فوق إستحقاقه، لكن أدب الحوار يستلزم مثل هذا الإسلوب، وكان عدم الرد متوقعا فقد أقحمناه بأسئلة لا يمكن له أن يجيب عليها والا إنكشفت الحقيقة عارية أمام الرأي العام.
الطريف في الأمر ان الكثير من المواقع امتنعت عن نشر الرسالتين على الرغم من أهميتهما، لأنهما يطيحان بأفكار البغدادي ويسلطان الضوء على بعض الزوايا المعتمة في سلوكيات تنظيمه الأرهابي. مجرد ورود اسم البغدادي يعني الضوء الأحمر لبعض المواقع والصحف، ربما البعض من رؤساء التحرير لم يكلف نفسه حتى بالإطلاع على الموضوع، مجرد الإطلاع فحسب! في الحقيقة لم نستفسر من المواقع التي رفضت نشره عن الأسباب، لأننا نؤمن بشعار شخصي وضعناه نصب أعيننا وهو ( نحن أحرار بما نكتب، وهم أحرار بما ينشرون).
وأقولها بصراحة اننا كنا نتوقع ان تمر رسالة البغدادي الأخيرة مرور السحاب، ولا تكترث بها وسائل الإعلام، سيما في العراق وايران وسوريا ولبنان واليمن، لأن من شأنها أن تنور الرأي العام بحقيقة توجهات البغدادي وتنظيمه الأرهابي الصحيحة وليست المزيفة، المهم انه تزامن مع رسالة البغدادي هجوم شديد من قبل زعيم دويلة حسن نصر الله على المملكة السعودية، وهجوم مماثل من قبل دوية الحوثي على المملكة أيضا، علاوة على الهجومات الروتينية للنظام الإيراني، ولم تتطرق جميع هذه الجهات الى رسالة البغداداي، بل تجاهلتها تماما بما في ذلك الإعلام العراقي، كان الهجوم حصريا على المملكة الشقيقة!
مقابل هذا الأمر أطلق مقتدى الصدر تغريدة أشبه بغازات البطن ضد مملكة البحرين، ويبدو انه يظن ان هناك حربا في البحرين، فشملها مع سوريا واليمن، مع ان ان الشعب البحريني يعيش أفضل من الشعب العراقي على كافة الأصعدة، بل لا يوجد حتى مجال للمقارنة بين حال الشعبين. وفعلا من الجهل ما قتل! فالصدر لا هو رجل ديني حقيقي، ولا هو سياسي حقيقي، فشل في الجانبين بدرجة إمتياز. علاوة على تهجم دولة القانون (نوري المالكي) على قيام المملكة السعودية بإعدام عدد من الجواسيس والخونة، ولكن دولة القانون لا يهمها موضوع التجسس والعمالة، ربما لأنها واحدة من صفاتها وإحدى مميزات تأريخها الأسود، المهم انها تناولت الموضوع من زاوية طائفية بحته وهي ان المعدومين من الشيعة، ولا نعرف من أين إستقوا هذا المعلومة، ولو افترضنا جدلا انهم من الشيعة، فهل السعودي الشيعي مُعفى من عقوبة الخيانة والعمالة للأجنبي؟ الآلاف من أهل السنة اعدموا بوشاية المخبر السري، وفق المادة/4 ارهاب، بل العراقيون يسمونها المادة/أهل السنة، وهذا حصل في فترة حكم دولة القانون المزعومة، المتضامنة قلبا وروحا مع عملاء السعودية الذيا أعدموا وفقا للقانون السعودي.
ذكر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ان” الحرس الثوري في العراثق وسوريا موجود لمحاربة الإرهاب (داعش)، وكان هناك (300) من أفراد الحرس الثوري الإيراني ممن قتلوا الى جانب العراقيين في قتال داعش. لم يقتل الحرس الثوري امريكيين أبدا. الرئيس ترامب نفسه قال إن ايران تقتل داعش”. فالحرس الثوري يقاتل داعش فقط. وفي لقاء مع محطة (فوكس نيوز) ذكر ظريف بأن” اسرائيل، وبولتون والمملكة العربية السعودي والإمارات العربية المتحدة، يسعون لتغيير النظام في ايران على أقل تقدير، فقد أظهروا جميعهم مصلحة في جرٌ الولايات المتحدة الى صراع، ولا أظن إن الرئيس ترامب يريد ذلك”. وسنناقش هذا التصريح في أدناه.
ركز خطاب سيد الإرهاب البغدادي في رسالته الأخيرة على محورين رئيسين فقط وهما:
1. محور دول الصليب التي تكررت في رسالته حسب تسميته ” الصليبي وأهله، أمة الصليب، قلوب الصليبيين، الهجمة الصليبية، تكثيف الضربات على فرنسا الصليبية وحلفائها، الهجمات التي أقضت مضاجع الصليبيين، الذي ينتظر الصليبيين وأذنابهم”.
2. محور السعودية” جزيرة محمد (ص)، عملية الزلفي في السعودية، مواصلة طريق الجهاد ضد طواغيت آل سلول”.
وهناك محاور أقل أهميه مثلا الإعتراف بان تنظيمه الإرهابي مسؤول عن العمليات الإرهابية التي جرت في سريلانكا، والتغييرات الجارية في الجزائر والسودان.
محطات لا بد من الوقوف عندها.
1. اعتبر روحاني وظريف وحسن نصر الله القوات الامريكية ارهابية وان الحرس الثوري يقاتل الإرهاب واعترف بأن الحرس الثوري موجود في العراق وسوريا، والقوات الامريكية موجودة في العراق وسوريا، فلماذا لا يقانل الحرس الثوري وحزب الله الإرهابيين الأمريكيين وهم على مقربة منه؟
2. من المعروف ان قتلى الحرس الثوري في العراق ـ تم تكريمهم من قبل عملاء ايران كالفياص وهادي العامري وابو مهدي المهندس في مؤتمر وحدة الدم ـ هم قتلى داعش، حسبما ذكر ظريف، بمعنى ان داعش هو عدو الحرس الثوري، والعكس صحيح، لكن لم يأتِ سيد الإرهاب البغدادي على ذكر عدوه الحرس الثوري ولا مرة واحدة، لا في هذه الرسالة ولا التي قبلها مطلقا.
السؤال المهم: لماذا تجاهل سيد الإرهاب عدوه اللدود (الحرس الثوري) الذي يقاتله في سوريا والعراق، وهزماه شر هزيمة؟
3. كيف يتفق روحاني وحسن نصر الله والبغدادي بأن السعودية هي عدوتهم؟ وهل هذا الإتفاق يعني توحد الرؤى، ام هي مجرد مصادفة، ولا صدف في السياسة.
4. تجاهل الإعلام الإيراني وذيوله مما يسمى بإعلام المقاومة التطرق الى مسألة عملية الزلفي في السعودية لغرض مقصود، وركز على تفجيرات سريلانكا فقط. فما هو السبب في التجاهل؟
5. ان كانت السعودية هي التي تمول وتدرب داعش، فلماذا يحاربها داعش ولا يحارب من يحاربه اي الحرس الثوري؟ اليس هذا الأمر يدعو الى الإستغراب؟
6. هدد سيد الإرهاب الدول الأوربية (الصليبية حسب تسميته) والمملكة العربية السعودية، ولم يهدد دولة الحرس الثوري الإيراني التي تحاربه!!
7. نفذ داعش العشرات من العمليات الإنتحارية والتفجيرات في المملكة العربية السعودية وهي تأتي بالمرتبة الثانية بعد العراق من حيث عدد العمليات، ولم يقم التنظيم بأية عملية على الساحة الإيرانية؟ لماذا؟ وأين الأحاديث السابقة عن محاربة الصفويين؟
8. قامت القوات العراقية والسورية بإلقاء القبض على المئات من الدواعش والأكثرية منهم كانوا من الجمهوريات الروسية السابقة، وأقل من دول اوربا والدول العربية، اليس من المفترض ان تكون أكثرية الدواعش من السعوديين وفقا للفكر الوهابي كما يزعم النظام الايراني وذيوله في المنطقة طالما هي التي تدعمهم؟ لماذا السعوديون الدواعش هم الأقل؟ هل من إجابة صريحة؟
9. الا يدعونا هذا الأمر الى الرجوع لخطاب ابن لادن عام 2007 بعنوان (خطاب الى كارم) حيث ورد فيه ” ايران شيرياننا الرئيس الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الإتصال، لا يوجد ما يستوجب الحرب مع ايران”.
10. اذن ما يمكن الخروج منه، هو ان السبب في تجاهل رسالة البغدادي الأخيرة من قبل الإعلام الايراني والعراقي وما يسمى بأعلام المقاومة، هو ان الرسالة أماطت اللثام بأن المملكة العربية السعودية هي الهدف الرئيس لتنظيم داعش الإرهابي، وهذا يهدم كل الإدعاءات الايرانية والعراقية ودويلة نصر الله والحوثي بأن المملكة هي التي أوجدت داعش، وهي التي تدعمه وتموله.
هل عرفتم السبب في تجاهل الإعلام الايراني والعراقي واللبناني لرسالة البغدادي، وعدم التطرق الى عملية الزلفى في السعودية؟ لأن الحقيقة ستنكشف أمام الرأي العام، لذلك تجاهلوها.
ان الذي يؤسس جهة ما ويمولها، ويدربها ويسلحها، كيف يحاربها وتحاربه؟ وكيف توجه جهة ما السلاح الى من تنتمي اليه عقائديا يمولها، ولا توجهه الى الجهة التي تقاتله؟
قيل” حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له”.
كلمة أخيرة
الى الرأي العام العربي والعراقي، النظام الايراني لم يدافع عن بغداد، كما يزعم خامنئي وروحاني وأذرعتهم في العراق، بل دافع عن الحكومة الشيعية الموالية له، لأن سقوطها يعني نهاية نفوذ ولاية الفقيه في العراق.