23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

لماذا السعودية تحارب “الاخوان” في مصر وتدعمهم في سوريا !؟

لماذا السعودية تحارب “الاخوان” في مصر وتدعمهم في سوريا !؟

الموقف السعودي الاخير, المعادي للاخوان المسلمين في مصر, كشف تناقضا صارخا وفاضحا ازاء موقفها الداعم للاخوان المسلمين والمتطرفين الاسلاميين والارهابيين في سوريا والعراق وحتى لبنان, موقف, لا يشبهه في تناقضه الا الموقف الامريكي والاوروبي اتجاه الاخوان والارهاب – مع اختلاف المدعوم من قبل الطرفين – اذ نرى امريكا واوروبا تدعم الاخوان في مصر وتدعم الاخوان والارهاب معا في سوريا ودول عربية اخرى, وفي الوقت نفسه نرى الامريكان والاوروبيين يحاربون الاسلامين والارهابيين منهم على وجه الخصوص في جمهورية مالي الافريقية وفي افغانستان والباكستان واليمن ودول ومناطق مختلفة من العالم . قد نفهم هذه المواقف الغربية القائمة على تحقيق المصالح وفق مبدأ ميكافيلي القائل ” الغاية تبرر الوسيلة” والذي يعني اسقاط القيم الاخلاقية والانسانية . وقد نفهم ان وطنية الحكومات الغربية وانتمائها لشعوبها هي التي تبرر لها تحقيق مصالح بلداها . ولكن كيف نفهم موقف السعودية المتناقض اتجاه الاسلاميين عامة والاخوان خاصة في مصر وسوريا . اذ من المعروف ان النظام السعودي هو نظام ملكي مطلق الحكم, ويقوم على تحقيق هدف واحد هو ابقاء الحكم المطلق بيد العائلة الحاكمة وتحت خيمة دينية خادعة حاكتها ونسجتها ايدي العائلة الحاكمة نفسها منذ عقود خلت . وما دامت السعودية تعتمد الغطاء الديني لاستمرار الحكم , وما دام الاخوان المسلمين هم خيمة دينية جاهزة , اذن لما تحاربهم في مصر وتدعمهم في سوريا والعراق ولبنان !؟ ولماذا خرج النظام السعودي عن عباءة سيدته وولية نعمته امريكا !؟ سؤال يبدو محيرا جدا لمن كان محايدا ولا يعرف الوقائع على الارض ولمن لا يعرف ايدلوجية النظام السعودي ! وان كان جوابه سهلا على الطائفيين الذين يكتفون بمقولة ” كل ما يلمع هو ذهب” قد يعتقد البعض ان محاربة السعودية للاخوان في مصر جاءت نكاية بظام قطر الذي دعم الاخوان على حساب السعودية في مصر , ولكن هذا الاعتقاد وان كان صحيحا فانه لا يتعدى الشكل , لان الاسباب الحقيقية هي غير ذلك, انها اسباب تتعلق بوجود وبقاء النظام السعودي خاصة والنظام الخليجي عامة , اذ لا يهدد هذه الانظمة شيئٌ اكثر من تهديد الاسلام السياسي عندما يحكم , وخاصة عندما يحكم بلدا عربيا كبيرا مثل مصر التي تستطيع تصديره بسهولة كبيرة الى البلدان العربية الاخرى, لان حكم الاسلام السياسي سوف يسقط خيمة آل سعود الدينية . ربما التقط النظام السعودي والخليجي اشارات من فحوى التحالف الاخواني الامريكي الاوروبي في المنطقة فجاء موقف السعودية ودول الخليج بناء على ذلك , فقد بات التحالف االاخواني الامريكي مكشوفا لاي متابع ومحلل سياسي واع , وقد بات يعرف ان هذا التحالف يدفع بالمنطقة العربية الى اقامة دويلات اسلامية ( اخوانية) تهدم كل الكيانات العربية الكبيرة والمتوسطة وتلغي فكرة الدولة القومية للعرب– حسب المخطط الغربي – وتمهد لقيام وشرعنة دولة اسرائيل الدينية المتطرفة ويذهب الاخوان بعيدا في حلمهم حتى يصلوا الى قيام دولة الخلافة التي لم ولن تسمح بقيامها امريكا الا اذا كانت ذات طابع عثماني قديم, اوردغاني معاصر متحالف مع اسرائيل كما الحال بين تركيا واسرائيل منذ قيام الدولة التركية المعاصرة . من هنا نرى ان العوائل الحاكمة في السعودية ودول الخليج ادركت الخطر المحدق بحكمها عاجلا ام آجلا , ولم يبق امامها الا الخروج من عباءة امريكا ” الاخوانية” التي توشك ان تخنقهم . انها مغامرة موت او حياة تخوضها الحكومة السعودية وحكومات دول الخليج عندما تخالف امريكا واوروبا وتركيا في المنطقة , وهؤلاء هم الحلفاء الستراتيجيون لهم في كل ما يعضد ويحمي النظام السعودي والخليجي . ولكن النظام السعودي وانظمة الخليج لم تجد بديلا عن هذا الخلاف او الخروج عن طاعة امريكا الا الاستسلام لمصيرها المحتوم والذي يعني زوال هذه الانظمة , ربما كانت زيارة بندر بن سلطان الى روسيا ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديميربوتين رسالة الى امريكا تقول فيها السعودية بانها وودول الخليج قد تطلب لاحقا الحماية الروسية بدل الامريكية الاوروبية , وهي محاولة لثني الامريكيين والاوروبيين عن دعمهم للاخوان المسلمين في مصر .
لم ولن ترغب السعودية باي نظام مصري سواء كان ليبراليا او راديكاليا يساريا او يمينيا او اي نظام آخر, ومن المؤكد ان حكم الجيش في مصر هو الاخر لا ينفع السعودية ولا هي ترغب به , ما دامت حركة الديمقراطية والتداول السلمي للسطة هما طريق الشعب المصري في المستقبل . ولكن السعودية تدعم الوضع الحالي في مصر فقط من اجل اسقاط المشروع الاخطر عليها وهو دولة الاخوان المسلمين ومن ثمَّ فلكل حادث حديث .
في سوريا لا يختلف الحال كثيرا عن مصر لدى النظام السعودي رغم التناقض البائن, في الطائفة ونظام الحكم ذلك ان النظام السعودي يتمنى اليوم ان يكون النظام السوري كما كان عليه قبل الاحداث , ولو كانت الحال هكذا لكان من المؤكد تحالف آل سعود مع النظام السوري ضد الاخوان المسلمين لان نظاما جمهوريا قوميا اشتراكيا في سوريا لا يهدد آل سعود بقدر تهديد نظام اسلامي ذي قاعدة عريضة تمتد لتشمل مملكتهم , والسبب كما قلنا ان نظام آل سعود يستظل بخيمة اسلامية من صنعه وعلى قياسه فاذا نُصبت الخيمة الاسلامية الكبرى متمثلة بحكم الاخوان المسلمين يصبح من المؤكد سقوط خيمة آل سعود جرّاء رياح الخلافة الاسلامية , ولكن وبعد ما حدث واحدثته امريكا وتركيا وقطر في سوريا من تدمير ومجازر وخراب , واهمها اضعاف النظام السوري , بعد كل ما حدث في سوريا اصبح من المحال ان تعود سوريا كما كانت عليه خاصة وان الرئيس السوري خطى خطوات حقيقية وكبيرة في تغيير النظام نحو الديمقراطية والحرية وتعدد الاحزاب, الامر الذي سوف ينتج نظاما اما ديمقراطيا علمانيا لن يقبل التحالف مع النظام السعودي او نظاما اخوانيا يهدد آل سعود وامثالهم من حكام الخليج او نظاما مقاوما لاسرائيل التي تعتبر منذ قامها المعادل الوحيد والضامن لبقاء عائلة آل سعود في الحكم , وبناء على ما تقدم فان السعودية تحاول احتواء كل ما حدث وسيحدث في سوريا – من خلال مجوعات اسلامية تابعة لها, حتى لوكانت من الاخوان المسلمين – الذين تستطيع التحكم بهم – او من خلال شخصيات اشترت ذممها مثل احمد الجربا الذي استطاعت السعودية تنصيبه رئيسا للائتلاف السوري مؤخرا , والسعودية تعمل اليوم على اخراج سوريا بعد الاحداث, دولةَ مشلولة عاجزة عن الحركة والفعل كما هي حال العراق ولبنان الان . وهو امر يخدم بقاء ووجود الاسر التي تحكم السعودية والخليج . لم تعد السعودية تفكر في اقامة انظمة عربية تتحالف معها كما كان الحال من قبل , بل جل تفكير وتدبير آل سعود اليوم هو تحطيم البلدان العربية وتجزئتها واخراجها من الخدمة . لا لشيء الا لتجنب الخطر القادم منها بعد التغيرات الاخيرة التي ايقنت السعودية – من خلالها – انها ستكون خاتمة ما يسمى بالربيع العربي .