23 ديسمبر، 2024 11:01 ص

لماذا الزهد في الحكمة؟

لماذا الزهد في الحكمة؟

ولماذا الزهد في الحكمة ؟
-1-
” الحكمة ضالةُ المؤمن ” – كما هو المأثور – يَبْحثُ عنها ، ويَسْتَفْرِغُ وُسْعَهُ للوصول اليها واستيعابها …
وكتب التاريخ تحدّثنا عن أعلام شدوا الرحال الى أقطار بعيدة يبحثون عنها.
واليك بعض الأمثلة :
1 – اشترى ” جابر بن عبد الله ” بعيراً ،وشدّ عليه رَحْلَهُ ، ثم سار شهراً حتى قدم الشام لحديث بَلَغَهُ عن رجلٍ من أصحاب الرسول (ص) .
(جامع بيان العلم 1/93)
2 – ونُقل عن أبي الدرداء قولُه :
( لو أعيتني آيةٌ من كتاب الله فلم أجد أحداً يفتحها عليّ الاّ رجلٌ ببرك الغماد لرحلتُ اليه )
برك الغماد : موضع بأقصى اليمن، كان يضرب مثلاً في البعد ، وصعوبة الوصول اليه – حينذاك- .
3 – وعن الشعبي :
” لو ان رجلاً سافر من أقصى الشام الى أقصى اليمن ليسمع كلمةَ حِكْمةٍ ما رأيتُ أنَّ سفره ضاع ”                        جامع بيان العلم /95
-2-
وقد استمعتُ الى أحد الساسة العراقيين – ممن تقلد العديد من المناصب العليا في العراق الجديد – وانتهى به المطاف الى ان يكون (نائباً) في مجلس النواب يقول :
أنا لست حاكماً ،
ولكني – وبحكم كوني نائباً – جزءٌ من الحكومة .
وأحببتُ –لمجرد الطرفة – أن أعلّق على قوله بالقول :
اني لستُ حاكماً ،
ولستُ جزءً من الحكومة ،
ولكني صاحبُ حِكمة ..!!
ثم خشيتُ ان لاتفهم النكتة على حقيقتها ويُشم منها رائحة التبجح ، والاعتداد العالي بالنفس، وهذا ما أتحاشاه .
-3-
ان من الظواهر المحزنة عزوف السلطويين العراقيين، عن اقتناص الحكمة من مظانها، وإصرارهم الغريب على البعد عن أصحابها ….
انهم بهذا يحرمون أنفسهم من فوائد جمّة ، يمكن ان يستعينوا بها في حل المشكلات العالقة …
وهم يحرمون البلد أيضاً من خزين مهم، يملكه فريق من العلماء والخبراء أصحاب الحكمة والتجربة والخبرة الطويلة بالشؤون العامة ، وشؤون العراق خاصة –
-4-
انهم غير مضطرين للسفر البعيد وتحمل مشقاته للوصول الى أصحاب الحكمة .
وانهم لكما قال الشاعر :

كالعيس في البيداء يقتلها الظَما
                           والماءُ فوق ظهورِها محمولُ
ان العراق منجم العلماء ، ومجمع الخبراء ، ومعقل الحكماء ، وموئل الأفذاذ القادرين على تموين السلطويين بالنافع من الأفكار والآراء ..!!
والسؤال الآن :
انهم لايزهدون بالثروات الهائلة والمكاسب والامتيازات الكثيرة ،
فلماذا يزهدون في الحكمة ؟
انّ هذا الزهد ليس منقبة بل مثلبة ، لأنه يكشف عن احدى حالتين سلبيتين :
1 – اما الاستخفاف بمكانة الحكماء وقدراتهم ومخزونهم العظيم في شتى الحقول والمجالات …
2 – وإمّا النزوع الى حالة من التفرد بصناعة القرار ، بعيداً عن توفير عوامل النجاح له ….
وكلتا الحالتين لا تكشفان الاّ عن ضيق ، وأهوالٍ في الطريق .
-6-
ان العراق لايعلو له شأن في العالم ما لم يتحول الى دولة ” مؤسسات “، ومالم تصدر القرارات فيه مدروسةً بعناية ، مستفيدةً من الحكماء ، ومن مراكز الدراسات والبحوث المختصة ..
ان عهد (القائد الضرورة) قد ولّى الى غير رجعة .
[email protected]