23 ديسمبر، 2024 1:46 ص

لماذا الدين .. ما هو الدِين ..؟؟

لماذا الدين .. ما هو الدِين ..؟؟

حاجة الأنسان للدين هي حاجة عقلية / نفسية .. برزت كضرورة مُلحّـة عندما بدأ السلوك البشري يخرج من أطارهِ الغرائزي الى مساحة التساؤل .. حين انتقلَ الأنسان من مرحلة الأداء الغريزي للوظائف اليومية – الأكل / الجنس / النوم / الأمان / – الى مرحلة طرح الأسئلـة الوجودية و المعرفية مِن قبيل : مَن نحنُ ..؟ كيف جئنا للحياة ..؟ لماذا جئنا للحياة ..؟ ماهي السماء ..؟ ماذا وراء السماء ..؟ مَن يُعاقب المجرم ..؟ من يأخذ الحق من الظالم ..؟ كيف نرى أمواتنا أحياء في الأحلام ..؟ أين يذهب الموتى ..؟ لماذا نموت ..؟ كيف يحصل الرعد و البرق ..؟ كيف ينزل المطر ..؟ لماذا يحصل الفيضان ..؟ لماذا تحصل الزلازل ..؟ … ألخ

عندها اجتهد العقل البشري في أيجاد أجوبة لهذه التساؤلات كي يرتاح و يُسـكّن الـقلق و التوتّر و الغموض و الحيرة التي تـكـتنف حياتهُ ..!

يمكننا تصنيف هذه التساؤلات المُبرِّرة لوجود الدين في حياة الأنسان الى ثلاث حاجات أساسية :

1- الحاجة لـتفسير نشأة الكون و الحياة ..!
جال الأنسان القديم بـ نظرهِ الى الأعلى ثمّ الى نفسهِ .. أبتدأ ينظر للنجوم المتلألـئة في السماء ، الشمس ، القمر ، الكواكب التي يمتدُّ اليها بصَرهُ .. ثم أستدار الى نفسهِ و نظر الى عائلتهِ و أشباهه من البشر ، فاغراً فاه ليعرف الأجابات عن ماهية هذه المصابيح المعلّـقة في السماء .. ماهي هذه الكرة الكبيرة المُضيئة نهاراً .. و تساءلَ عن هويتهِ التكوينية .. و كيفَ وجـِدَ .. و أين سيذهب ..؟؟
2- الحاجة لـوضع منظومة قيمية للأنتصاف من الظُلم و الظالم ..!
عندما كان هذا الأنسان في حالة ضعف و قلّة حيلة في نيل حقوقه أو في دفع ظلم وقعَ عليه ، و خصوصاً بعد أكتشاف الزراعة و نشوء المجتمعات المستقرة عند ضِفاف الأنهار و بدء النشاط الزراعي و تدجين الحيوانات ، مما يعني بدايات تراكم – الثروات – عندهُ .. و تشابك العلاقة و المصلحة مع نظيره الأنسان الآخر .. كان يتسائل مع نفسهِ : هل من المعقول و الانصاف ان يفلت المجرم أو الظالم مِن فعلتهُ دون عقاب ..؟ لابد لأحقاق الحق و العدل أن يكون هناك مَن يضمن لهُ الأنتصاف من ظالميه ، و أذا لم يتحقق ذلك في الدنيا الحالية ، فلابد من وجود طريقة أخرى لـتحقيقهِ فيما بعد ، و لابد مِن وجود قوّة اكبر من الجميع تملك السطوة و المقدرة لتحقيق العدل ..!!
3- الحاجـة لـتفسير ما يحصل بعد الموت ..!
هل سنذهب بعد الموت سُـدى و تتحلّل اجسادنا و ينتهي كل شئ ..؟ هل يُعقل أن نرى أحبائنا اللذين دفناهم تحت التراب .. نراهم في المنام يضحكون و يتكلمون و يمشون و احياناً نمارس الجنس معهم ..؟ لم يتحمّل عقلهُ في حينها هذه المفارقـة ..! وهل سيفلت الظالمين من العِقاب ، بعد أن عجزنا عن الأقتصاص منهم في الحياة الحالية ..؟ هل يستوي الأنسان الطيّب مع الأنسان الشرّير ..؟ و هل أفعالنا الخيّرة ستذهب هباءاً منثوراً بمجرّد موتنا ..؟؟

أذن أصبحت الحاجة مُلّـحة لـتبريد و تسكين هذه التساؤلات و الهواجس و المخاوف .. و من هنا نشأت بذور فكرة الأديان التي ربطت هذه الحاجات العقلية و النفسية بقوّة خارقة قادرة على كل شئ .. و قادرة على وضع الأمور في نصابها .. فكانت فكرة الآلـهة الجبارة و القادرة على فعل ما لم يستطعهُ البشر .. و بدأت بالآلهة المُتخصصة لكل نشاط أو ظاهرة أو حاجة ، فاخترع العقل البشري حينها آلـهة متعددة كـآله الشمس / آلـه القمر / آله الزرع / آله الرعد و البرق / آله المطر / آله الخصب / آله الموت / آله الحياة / أله العدل / آله الماء .. ألخ و نسبوا لكل واحد منها مقدرة خارقة على التحكّم فيما يخصّها .. و بدأت معها فكرة بناء المعابد كـ مقرّات للعبادة و التقرّب للألـه الفلاني أو الفلاني .. و بدأت معها أيضاً موضوعة النذور و القرابين و الأضحيات تقرّباً لكل آله كي يرضى عنهم و يُجنّبهم شرور الظواهر المؤذية لحياتهم ، و يتعبّدون لهُ كي يُبعد عنهم شرور البشر و يحميهم و ينتصف لهم مِن ظُلمهم ..! في هذه الصيرورة نشأت طبقة الكُهّـان و السَحَرة و ممثلي الألهة ، لأدارة المعابد و أستلام النذور و القرابين و الأضاحي .. كوسطاء بين الأنسان و الآله ..!

بعد ذلك تطوّر الأمر ليصبح هناك كبير الآلهة مع عدد من أتباعهِ الآلهة الصغار ، مثل ( مردوخ ) عند البابليين و ( أيل ) عند الكنعانيين و ( آمون رع ) عند الفراعنة , و ( زيوس ) عند الأغريق .. و من ثم تمَ توحيدها و جمعها بـ آلـه واحد على يد اليهود ألذين حوّلوا الآله ( أيل ) الكنعاني ، الى أنهُ هو الآله الأكبر و الوحيد .. و أسموه ( أيل وهيم ) .. وهي صيغة الجمع المُتاحة بالعبرية ..!
من هنا أنطلقت فكرة التوحيد .. أي توحيد كل الآلهة الصغيرة و الكبيرة بآله واحد يقوم بكل الفعاليات و الحلول و يمتلك القدرة الكليّة على التحكّم بشؤون الحياة و الكون .. وفي هذه اللحظة الفارقـة في تاريخ العقل البشري أتّـكأ الأنسان على هذا الأله الواحد ، و أوكل لهُ الأجابة و الأستجابة على كل التساؤلات و الحاجات ..!

ما هو الدين ..؟

الدين أيّ دين .. هو أعتقاد غيبي مُحدّد أو أعتقاد وجداني حصري ..!
– أعتقاد غيبي : بمعنى أنتَ ( تؤمن ) بدين دون أن تلمس مكوناتهِ أو عناصرهُ لمس اليد ..! لا يوجد شئ مادّي يمكّـنكَ أن تتحقق به من أن الدين حقيقة مرئية و ملموسـة .. بل هو قناعـة مبنية على الغيب ..!
في سورة البقرة تقول الآيات من 1-5 : (( الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5 ) )) .
أذن هو أعتقاد مبني على الغيب .. و عليكَ أن تقتنع و تؤمن أن هذا الغيب صحيح ..!
– الدين مُحدّد أو حصري : بمعنى أنّ المؤمن يرى أن دينهُ هو الحق و باقي الأديان ليست كذلك .. وهذا ينطبق على جميع الأديان في الكرة الأرضية .. جميعها ترى أن دينها هو الحق ..! (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) أل عمران /64 ..! بالمناسبة لم ترد أطلاقاً في القرآن مفردة ( الأديان ) أي بصيغة الجمع ..!
و ينبني على هذه الرؤية عدم الأعتراف بالأديان الأخرى أو في أحسن الأحوال التقليل من شأنها ..! وقد يتطوّر الأمر الى صراعات و حروب كما حصل تاريخياً فيما يُسمّى ( حروب الرب ) مع اليهود و الآموريين و حروب الملك داوود .. و مع المسيحيين و المسلمين في ( الحروب الصليبية ) ، و مع غزوات و حروب المسلمين مع غير المسلمين أيام نشر الدعوة الأسلامية و ما تلاها ..!
انسحبَ هذا المبدأ ، أي مبدأ ( ديني أنا الحق ) حتى على الطوائف و الفرق ضمن الدين الواحد .. فالكاثوليك مثلاً يعتبرون أن البروتستانت منحرفين عن الدين المسيحي الأصلي .. و العكس أيضاً البروتستانت يعتبرون الكاثوليك محرّفين .. و حصلت حروب طاحنة بينهم فيما سُميّ بـ ( حرب الثلاثين ) في القرن السابع عشر ميلادي .. كذلك شيعة المسلمين يعتقدون أن عقيدتهم هي الدين الصحيح و أن عقيدة السُنـة منحرفة عن الدين .. و العكس ايضاً حين يعتقد السُـنّة أن عقيدة الشيعة مُنحرفة عن الدين الصحيح .. و حصلت بينهم أيضاً حروب و صراعات .. زُرعت بذورها تحت سقيفة بني ساعدة .. و تأجّجَت بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان .. و تجلّت البداية بـ ( حرب الجمل ) .. ولا تزال مُستمرّة و مُشتعلة منذ ذلك الزمن و لحد الآن .. تارة بشكل حروب و تارةً بشكل أنقسامات و ضغينة و كراهية .. و تارةً بشكل مصالح و نفوذ ..! و الجميع من السُـنة و الشيعة لم يفوقوا بعد مِن هذا المُخـدّر القاتل .. ولم ينتبهوا الى أنهم يتصارعون على الماضي .. فيما شعوب العالم الآن تـتـصارع على المستقبل ..!!