17 نوفمبر، 2024 8:50 م
Search
Close this search box.

لماذا أهمل حمد …. الريل العراقي ؟

لماذا أهمل حمد …. الريل العراقي ؟

تساؤل مشروع على ضوء احتجاجات موظفي السكك ..
مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل….. وسمعنا دك اكهوة وشمينا ريحة هيل .. بيت جميل من قصيدة الشاعر الكبير مظفر النواب وكأنه يختزل أجمل الذكريات التي تختزنها الذاكرة العراقية عن هذا الكائن الحديدي الذي حرك وغير مجرى الحياة عند العراقيين .. ولا اخفي بأن احتجاجات موظفي السكك العراقية بالأمس استفزت مشاعري و اثارت في نفسي لوعة وفي فكري تساؤلا واعادتني الى يوم 27 تموز 1912م أي الى مئة وثلاث سنوات حينما تم وضع اول حجر اساس للسكك في العراق كثاني دولة عربية تدشن خطوط السكك الحديد .

وجدير ذكره بأن القرن التاسع عشر قد شهد تنافسا شديدا بين الدول الكبرى مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا وروسيا اضافة الى الدولة العثمانية لإنشاء خطوط السكك الحديد في العراق حتى حصلت المانيا على امتياز من السلطان العثماني يتيح لها انشاء خط سكة بغداد ،البصرة، برلين في عام 1899.

تم تسير أول رحلة من بغداد إلى سميكة (الدجيل) الا ان اندلاع الحرب العالمية أدى الى توقف العمل به ، ليشرع الانكليز بتاسيس ” مديرية السكك الحديد في ايلول سنة 1916 وعندما انتهت الحرب العالمية الاولى عام 1918كانت هناك اربعة خطوط في العراق (البصرة – السماوة )، (البصرة – العمارة) ، (خط بغداد – الكوت)و (خط بغداد – سامراء ).

في عام 1920 تم تسيير أول قطار بين بغداد والبصرة ، وبعد اربع سنوات انتقلت ادارة السكك الحديد الى حكومة العراق عام 1924 الا ان ملكيتها ظلت للحكومة البريطانية وفي عام 1925 تم تسيير أول قطار بين بغداد وكركوك، وفي عام 1936 انتقلت الملكية الى الحكومة العراقية بمبلغ 400 ألف باون فقط ..

في الاول من تموز عام 1940 تم تسيير أول قطار بين بغداد والموصل وبذات الوقت تم تسيير اول قطار بين العراق وتركيا (محطة حيدر باشا في اسطنبول ) سمى بقطار طوروس أو قطار الشرق السريع ، أما خط بغداد – البصرة فقد افتتح من قبل الملك فيصل الاول عام 1948.

في عام 1952تم افتتاح بناية المحطة العالمية ذات القبة الزرقاء وسط بغداد بعد انجازها من قبل شركة(Holway Brothers ) الانكليزية. وعلى الرغم من كونها توأم لمحطتين بنيتا ايضا بعد الحرب العالمية الثانية احداهما في الهند والاخرى في لندن الا ان البعض يراها -ايقونة بغدادية ببرجيها العاليين وبساعتين تشابه دقاتهما مع ساعة (بغ بن) الشهيرة بلندن.

فترة الخمسينيات شهدت شبكة خطوط منظمة تمتد فروعها بكل الاتجاهات وكأنها تعزز تماسك العراق حين تمتد نحو الشمال وصولا الى الموصل ومن الجنوب الى البصرة ، وتتجه شرقا الى بعقوبة – جلولاء بفرعيها (جلولاء – خانقين )و (جلولاء – كركوك – أربيل ) وكأنها ترسم شكل

الهيكل العظمي لوحدة العراق .. قطار يحمل نكهة عراقية بألسن مختلفة ( عرب ، كرد ، تركمان ، فيليين ، كلدان ، اشوريين ، شبك ، صابئة وكاكائيين وغيرهم .. قطار عراقي بإمتياز لما يعكسه من تنوع عراقي موزائيكي متعدد الأقوام والطوائف والأديان لا تجمعهم سوى روح المواطنة العراقية وحب العراق ..

وشهد عام 1960 افتتاح مشروع انشاء(الخط العريض ) سكة حديد بغداد – البصرة ،ام قصر بتجهيز قاطرات وشاحنات حديثة ، من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم .

في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي تحول القطار الصاعد الى البصرة شتاءا أو الصاعد الى الموصل صيفا ، الى راحلة رومانسية لنقل العرسان الجدد الى شهر العسل غاية في الروعة والراحة وما زال الكثير من العراقيين يتذكرون ايام عرسهم بشيء من الحنين والشوق ويحتفظون بذكريات جميلة لا تنسى بالأخص مواكب الزفاف المصاحبة للموسيقى الشعبية الصاخبة والشموع وصواني الياس خلال توديع العرسان في المحطة العالمية .

المؤلم ما آلت اليه منشآت (خط بغداد – حصيبة – عكاشات ) الذي تم افتتاحه و تشغيله عام 1986وهي واحدة من أحدث خطوط السكك الحديثة في الشرق الأوسط والذي انجزته شركة مندز البرازيلية بكلفة مليار دولار في حينها عدا منشآت المحطات التي نفذتها احدى الشركات الصينية ، مشروع لم يهنأ به أهلنا في محافظة الأنبار ولم يعزز من قدرات وتنمية محافظهم وانما تحولت محطاتها ومنشآتها في السنوات الأخيرة الى مخازن للمفخخات ومخابئ للإرهابيين للأسف !

في ثمانينيات القرن الماضي استخدم النظام الشمولي السابق خطوط السكك الحديدية في حروبه العبثية أبشع استخدام وبالأخص في الحرب العراقية – الايرانية بنقل الجنود والبضائع والمنتجات النفطية والمعدات العسكرية والتي أدت الى تهالك الخطوط والقاطرات وخاصة بعد دخول الكويت وحرب الخليج والحصار الذي فرض على العراق.

أما بعد سقوط النظام عام 2003 أخذت قدرات الشركة تتراجع وامكانياتها تتآكل ومستوى ادائها يتدنى ولم يولي الاحتلال الامريكي الاهتمام المطلوب لتطوير هذه المؤسسة الستراتيجية المهمة ولم تكن الحكومات المنتخبة التي اعقبت الاحتلال بأحسن حال من المحتلين في النهوض بهذا القطاع العراقي الحيوي انما جاءت معظم محاولات الادارات المتعاقبة بشكل خجول غير جاد اقتصرت على خطط ترقيعية ليس الا ! مثل قيام وزير النقل الأسبق بتبديل اللون الأخضر الجميل الذي يدل على عراقة قرن من الزمان (اللون الرسمي لقاطرات الدولة لعراقية المثبت لدى المؤسسات الدولية المعنية ) الى اللون الأزرق !!! في خطوة شكلية غير مدرسة ولا موفقة ! بصحيح العبارة كل المعالجات التي جرت لم ترق الى مستوى النهوض الفعلي بأدائها ما انعكس على الأرض بتلكؤ ملموس وتخلف ظل يحاكي تراجع المؤسسة العريقة على الرغم من استيراد بعض القاطرات الصينية الحديثة في السنوات الأخيرة التي لم تستطع ايقاف تدني مستوى الأداء والتراجع في مرتبات موظفيها ..

ولا غرابة من قيام التظاهرات السلمية المطالبة بتحسين اوضاعهم ورفع رواتبهم واداراتهم في حتمية النهوض بهذا القطاع الحيوي المهم الذي كانت تتقاتل وتتنافس عليه أعظم دول العالم

للحصول على موطيء قدم في شبكة خطوط السكة في العراق، نظرا للأهمية الجغرافية والاقتصادية والسياسية والستراتيجية لموقع العراق ..فهل هناك من يسمع ؟وهل من مجيب ؟ وهل من يحرك الساكن ؟ وهل من يعيد لعصب العراق الاقتصادي نبضه و حركته وألقه، ومردوده الكبير ؟ وهل هناك من يعيد البسمة الى الوجوه ويزرع الأمل في القلوب مجددا

ويعيد الحياة الى المارد الحديدي الأخضر لينقلنا الى سائر ارجاء العراق ؟ ويبقى السؤال ملحا :لماذا أهمل حمد…. الريل العراقي ؟

أحدث المقالات