23 ديسمبر، 2024 5:51 ص

لو نظرنا إلى أي شئ في الكون، لوجدنا تلك الأشياء، مرت بمرحل عدة، حتى وصلت لحال من التكامل والإستقرار، سواء” أكان ذلك الشئ من الكائنات الحية، أوحتى من الجماد، الكواكب والمجرات، والأرض وما عليها من وجود، كلها عاشت ذلك التدرج الزمني، وذلك الحال تحتاجه الأنظمة السياسية، وعامل النمو والتكامل ورغم أهميته، يبقى يعتمد ، على ذات النظام السياسي ومفرداته البنائية، فالأنظمة السياسية الحديثة، قائمة على فكر الأفراد(الشعب) ووعيهم، فهم الذين يسهمون في بناء ذلك النظام، وهم مصدر الدينامية التطورية للأنظمة السياسية، وكذا بناء الدولة وإستقرارها.

في العراق ونحن على أعتاب دورة إنتخابية برلمانية، يتولد من خلالها برلمان جديد، لكن الملاحظ إن حالة اليأس، هي التي تطغي على جو الشارع العراقي، يتبين ذلك جليا” من النفور والإشمئزاز المسجل، من التفاعل الضعيف على تحديث بطاقة الناخب ، بل وعدم إستلامها بنسب كبيرة، من كافة أطياف العراق، والسبب وراء ذلك، الطبقية التي خلفتها الحكومات المتعاقبة، التي تلت سقوط النظام الصدامي، وإستئثار الطبقة السياسية والملتصقين بهم، بخيرات العراق وموارده، وكل ذلك على حساب حياة الفرد العراقي، وحالته المعاشية، فرغم وصول أسعار النفط لمستويات خيالية، منذ عام 2010 وحتى عام 2014، إلا إن العراق ظل يرزخ تحت خط الفقر والجهل والمرض، وتفشي الفساد المالي والإداري في عموم مفاصل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية، وحتى السلطة القضائية.

السؤال هنا.. هل نستمر بالمواضبة على الإنتخابات والمشاركة فيها، من اجل إختيار حكومة جديدة؟ أم نقرر عدم المشاركة؟ قبل أن نضع إجابات لتلك الإستفهامات المصيرية، لا بد أن نعرج على حق الإنتخاب، فقانون الإنتخابات أجاز لكل من بلغ سن 18 عام، حق الإنتخاب لإختيار من يمثله في البرلمان، وعندما نقول حق فهو ليس واجب، أي عدم الإشتراك لا تستوجب عقوبة على ذلك، ولكنك تسقط حقك، وذلك مكر الديمقراطية، فعدم المشاركة إقرار بالإستسلام للفساد والمفسدين، وتلك جريمة بحق الجميع، لأنك ساعدت المفسد للإستمرار بالسرقة لأربع سنوات أخر، وما نسجل من ملاحظات على الأداء الحكومي، من المفترض أن يعطينا الدافع للمشاركة بالإنتخابات، من أجل تغيير الواقع المرير.

ثم ما هو المغزى من عدم المشاركة والإنتخاب؟ ولو جدلا” فرضنا إننا قاطعنا الإنتخابات، ما الغاية من ذلك؟ ونحن نعلم إن هنالك فساد كبير، مستشر داخل أركان الحكومة العراقية، وهذا الفساد كالسرطان داخل الجسد، فترك ذلك المرض الخبيث، يعني إستفحاله وإنتشاره بصورة أوسع، لذا فمقاطعة الإنتخابات، شبيهة بترك ذلك المرض الخبيث، من دون علاج، فقطعا” سوف يقتل صاحبه، وأما علاجه شبيه من حيث المقاربة، بالمشاركة بالإنتخابات، نعم قد لا تكون هذه الإنتخابات هي العلاج الأنجع، الذي يوصل للشفاء التام والتخلص من المرض، ولكنه قطعا” سوف تكون المشاركة بالإنتخابات، سببا” رئيسيا” لتحجيم مرض الفساد والمفسدين.

ورب سائل يسأل أيضا”، إن الأحزاب التي ساهمت بصنع الفساد وأستشرائه، ستكون باقية أيا” كان الإختيار، فالأصوات سوف تجمع وتكون بمعية القائمة، قد يكون ذلك ظاهر الموضوع، ولكن هل سألنا أنفسنا، لماذا ضغطت النخب المثقفة وقبلها المرجعية، بعد الإنتخابات الأولى، لتغيير القائمة المغلقة إلى مفتوحة؟ الواضح إن المرجعية أرادت في البدء، ترسيخ العملية الديمقراطية، عبر الإستمرار بإجراء الإنتخابات، ثم تحولت إلى مرحلة إن يكون للشعب كلمة في الإنتخابات، عبر التحول من القائمة المغلقة إلى المفتوحة، وهنا بدلا” أن تكون الكلمة الفصل للأحزاب السياسية بالكامل، جعلت الشعب هو من يشاطر الأحزاب بذلك، نعم لا زال الأمر منقوص في الإختيار، ولكن هذا النقص لم ندركه لولا التجربة والمشاركة.

إذن كلما أستمرت التجربة تطورت النتائج، عبر بوابة (المجرب لا يجرب)، فمثلما غيرنا القائمة المغلقة، نستطيع بتظافر الجهود وزيادة الوعي العام، أن نخلق رأي عام ضاغط، نغيير من خلاله، سبب ولادة حكومات مشلولة بالفساد المالي والإداري، ألا وهو (قانون الإنتخابات)، فهو سر مأساة العراق وأهله، لأنه جاء وفق ميول وأتجاهات أحزاب السلطة، فمن خلال هذا القانون، لا زالت أصوات الناخبين تصادرها الأحزاب الحاكمة، وفق قاعدة المثل العراقي، (تريد أرنب أخذ أرنب.. تريد غزال أخذ أرنب)، وهكذا حال كل الإمم التي سبقتنا بالتجربة السياسية الديمقراطية، لم تصل إلى ما هي عليه ألان، من تطور وأزدهار في كافة مجالات الحياة، إلا من خلال الصبر والمثابرة، فالهرب والأستسلام يعيدنا إلى الوراء، ونمكن للفاسدين من السيطرة على مقدارتنا بل أرواحنا، عليه لا بد أن ننتخب ونستمر بالإنتخابات.